الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

التعليم والربوت

سمير خراط

منذ فترة وأنا أتابع مع بعض الأصدقاء حول ما يعاني التعليم في بلادنا وبشكل خاص سورية من إشكالات إن كان ما قبل الثورة أو ليومنا هذا، من بين هؤلاء الأصدقاء هناك بعض  المختصين بالتعليم ومنهم مختص بالإعلام والشأن الثقافي ومسؤولين بمنظومة التربية والتعليم، أغلب أحاديثنا دارت حول المستوى التعليمي ومفاهيم التربية بحد ذاتها حتى وصلنا إلى العجز الصحيح، وتم تسليط الضوء عليه ومن ثم دق ناقوس الخطر خوفاً على أبنائنا من التأخر الذي يعانون منه مقارنة مع ما توصل اليه شباب الدول الأخرى أو ما تقدم حكومات الشعوب الأخرى لدفع معطيات التعليم إلى السوية التي تحقق من جرائها نمو الدولة بحد ذاتها معتمدة على تلك الأجيال التي يتم تعليمها وتدريبها وفق ما تصبو اليه خلقيات تلك الحكومات وطموحاتها بالحياة، بلا شك نحن لسنا بصدد المقارنة في هذا الموضع بقدر ما هو لفت نظر الى ما أعلنت عنه شركة غوغل المعروفة من قبل الكل، حيث وعبر شريط مصور وضحت أنها توصلت إلى إمكانية زرع شريحة بحجم حبة الحمص برأس الإنسان محتوية على كم هائل من المعلومات وأسلوب التفاعل فيما بينها، بحيث يستطيع صاحبها التعامل مع أي سؤال أو حالة تواجهه بحياته اليومية، متضمنة حلول علمية من الرياضيات للفيزياء إلى الاقتصاد والتاريخ عبوراً بالأدب وعلوم المال والسياسة، وصرحت أنه يمكن زرعها للأطفال من عمر ثمانية سنوات وحتى الأشخاص ذو الثمانون سنة، وستوضع قيد التنفيذ خلال العقد القادم حيث هي قيد التجربة حاليًا .

هل هذا التقدم بالنانو تكنولوجي سيغني أولادنا عن الانتساب للمدارس ومتابعة دراستهم التسلسلية حتى التخرج الجامعي مثلاً وهل سنستغني عما نسميه التعلم وسيحل محله شريحة بسيطة تزرع في رأس الطفل وانتهى الموضوع؟؟، هل سنفقد تلك اللذة التي نشعر بها بنجاحاتنا وتفوقاتنا، هل هي البوابة للدخول إلى الذكاء الصناعي والإسراع بتطوير ( الروبوت ) الذي بات يحل في الكثير من الاماكن عوضاً عن الانسان، هل سيقودنا هذا إلى صراع مستقبلي بيننا كبشر والروبوتات التي قد تتطور لتحل محل الانسان بقيادة العالم، هل سنشهد نهاية مهن وولادة مهن أخرى، اسئلة كثيرة باتت تطرح كل يوم ومع كل تطور أو اكتشاف يطرحه الإعلام عبر مواقعه الاعلامية المتخصصة أو عبر نبأ يذكرونه ضمن أحد برامجهم.

 التطور والتسابق بهذا الميدان ليس محصوراً فقط بغوغل، حيث كلنا يعلم أن اليابان وصلت  بتطوير علم الروبوتات لمرحلة جداً متقدمة ورائده وتتنافس مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة وكيف انها استغنت عن اليد العاملة بالكثير من صناعاتها، وكيف طرحت مؤخراً  بالأسواق روبوتات قادرة على التعامل مع المريض وتقديم أفضل المساعدات الأولية من تدريبات فيزيائية وغيره من الخدمات الأولية كالسهر عليه ليلاً، ومن آخر التطورات السكرتيرة الآلية التي تتحدث عدة لغات وقادرة على التعامل مع الانسان حتى بالعواطف والأحاسيس وتمكنهم من جعلها تشبه الإنسان، اليوم نتحدث عن روبوت قادر على التعامل مع المصابين بفيروس الكورونا حيث يتنقل من غرفة إلى أخرى محملاً بزجاجة الأوكسجين وباقي التجهيزات الطبية من مقياس حرارة وكمامات الأوكسيجين والحقن الوريدية.

الانسان يحكم الكون منذ بدء الخليقة، يبدو أن منافساً له بدأ يتكون ويتبلور بعلمه وعمله ورعايته للإنسان بحد ذاته فهل سنرى بالمستقبل الروبوت والانسان بتنافس على حكم العالم بل على حكم الكون الذي يغص بالكواكب والنجوم.

يتطور هذا الميدان سنة بعد سنة حيث وصل إلى تكنولوجيا جديدة مثل التعليم العميق الذي حسّن قدرة الآلة على التعرف إلى الأشياء والتغيرات بمشاعر الانسان، والآن نركز على النية والرغبة وتطبيقهما على الروبوت ليصبح أكثر شبهاً بالإنسان.

ماذا لو فقد الإنسان الطبيعي سيطرته على الإنسان الآلي؟ ثمة تحسّبا في أمريكا لإمكانية تمكن الروبوت الذكي وبالتالي الإنسان الآلي الذكي من الخروج عن إرادة صانعه؛ أي عن سيطرة الإنسان الطبيعي الذي «طوّره».

لنتخيل حالة أكبر وأوسع وأخطر. ماذا لو أمكن تطوير تكنولوجيا الروبوت لدرجة يصبح معها بالإمكان «صنع» مجاميع؛ بل شعوب من الإنسان الآلي الشديد الذكاء؟

ألا يكون بوسع هذه الكائنات الاصطناعية الذكية أن تتصادق وتتحاسب وتصنع أولاداً؟ ألا يكون بوسع «شعوب» الإنسان الآلي الشديدة الذكاء أن تتحاور وتتفاهم على إقامة مجتمع وسلطة ودولة خاصة بها؟ ألا يكون من الممكن أن تتنافس الشعوب الآلية الذكية مع شعوب العالم الطبيعية؛ بل أن تتحارب معها للسيطرة على ساحات ومناطق وبلدان وقارات؟ أليس من الممكن أن تتنافس «حكومات» الشعوب الآلية الذكية مع حكومات الشعوب الطبيعية على ريادة الفضاء و«احتلال» كواكب ونجوم أخرى؟ ومن سيقوم بتهجير الآخر إلى بعض الكواكب «المحتلة»؛ الشعوب الطبيعية أم الشعوب الآلية؟

صحيح أن هذه التوقعات تبدو حالياً أقرب إلى ما يسمى «أفلام الخيال العلمي»، لكن ألم تكن بعض آلات وتجهيزات ومشروعات عالمنا الحاضر أوهاماً وأحلاماً وتخيلات غير علمية في ماضينا الغابر؟

موضوع كهذا لا يمكن أن يتركنا دون أن نسأل عن انعكاساته الاقتصادية بالإجمال، هناك منافع جمة منها حضور علمي له فوائده الاقتصادية عاجلاً أم آجلاً رغم حجم الاستثمارات المالية والتي قد تقدر بآلاف المليارات من الدولارات دون الدخول بالتفاصيل ولكن ما يمكن أن نلاحظه من البداية هو استقطاب اليد العاملة ذات المواصفات العالية جداً، والأكيد أنه لن يتوقف عند حد الشريحة واختراعها أو إنتاجها بل سيفتح الأبواب لميادين عدة ويخلق فرص عمل إضافية بشتى المجالات انطلاقا من النانو تكنولوجي وصولاً إلى حلول نهائية لأمراض كانت مستعصية وفتح مفاهيم جديدة بعالم الاقتصاد والاستثمار وايجاد تفاهمات حول إدارة السوق الصناعي والزراعي ومصادر المياه واسلوب معالجتها عبوراً بتطوير السلاح وظهور نوعية جديدة أكثر فتكاً، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لأن الإنسان يبقى بعاطفة حب التملك والهيمنة والجشع أخطر من أي تطور علمي إلا إذا وصلت بنا الاكتشافات لإيجاد سبل للتعامل مع هكذا صفات له وعمت بموجبها قيم جديدة للسلام ونشر المحبة .

لعلني لست خيالياً إذا ما توقعت اليوم أن ينبري علماء متعددو الاختصاصات في الجامعات والمعاهد المتقدمة في أمريكا وأوروبا واليابان والصين إلى الاجتماع للتحاور والتوافق على وضع قواعد نظام كوني جديد بديلاً من النظام الدولي الحالي المتهافت، غايته القريبة أو البعيدة تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب الطبيعية، والتشكيلات المماثلة (الأكثر تطوراً) للشعوب الآلية التي سيضج بها الكون في قابل الأجيال والقرون، أليس سعينا وراء التعليم والذكاء الصناعي أيضا قد يدخلنا بحالة حرب إبادة طرف لآخر؟، والمنتصر عم سيبحث بعدها؟؟؟ وهل هي نقمة العلم أم نعمته وهل هذا ما نريده من العلم؟ أترك لكم التخيل والإجابة؟


سمير الخراط :
كاتب وباحث اقتصادي سوري، مقيم في باريس

 

التعليقات مغلقة.