أجرى معهد دراسات الأمن القومي محاكاة لفحص تبعات احتلال قطاع غزة، قدم هذه المحاكاة الكاتب الصهيوني “أودي ديكل”، وما إذا كان الأمر سيُحدث تغييراً جوهريا، وسيغير التوجهات السلبية في ساحة الحرب، وقامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بترجمة المقالة إلى اللغة العربية.. نقدمها فيما يلي:
السيناريو:
بعد فشل محاولات التوصل إلى اتفاق مع “حماس” بشأن الإفراج عن المختطفين وإقرار وقف إطلاق النار، أكملت إسرائيل عملية السيطرة على منطقة رفح، واستقرت في محور “فيلادلفيا” لقطع طريق التهريب أمام “حماس”، ومنع تعزيز قوتها من جديد.
إسرائيل تسيطر على جميع المعابر إلى القطاع. وفي ظل الوضع الناشئ، يعلن المجتمع الدولي أن الوضع الحالي يعني أن لإسرائيل سيطرة ومسؤولية كاملة على قطاع غزة، وشؤون سكانه الفلسطينيين.
خلايا تابعة لحركة “حماس” ومجموعات “إجرامية”، تواصل الاستيلاء على شاحنات المساعدات الإنسانية وتعطيل توزيع الغذاء. تتهم الأمم المتحدة والولايات المتحدة إسرائيل بتدهور الوضع الإنساني. بالإضافة إلى ذلك، ظهور عناصر من حركة “حماس” في أيّ فراغ تتركه قوات الجيش الإسرائيلي، وإثبات سيطرتهم على الموقع. لذلك، يعلن وزير الدفاع أن الجيش الإسرائيلي هو الذي سيؤمّن المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع، وسيقيم نقاط توزيع في مناطق وجود قوات الجيش الإسرائيلي.
في ظل الجمود في المفاوضات الهادفة إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين، وفي ضوء رفض حكومة إسرائيل تقديم مخطط سياسي، أعلنت الولايات المتحدة أنها تعلّق مبادرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، كما أنها تدرس تقليص مشاركتها في تثبيت وقف إطلاق النار واتفاق للإفراج عن المختطفين.
مجلس الحرب الإسرائيلي يعلن أنه لن يتمكن من تحقيق النصر في الحرب، إذا لم تتم إقامة إدارة عسكرية فورية في القطاع لتفكيك سلطة “حماس” ومنع إعادة تكوينها.
يقوم الجيش الإسرائيلي بتفعيل وحدة الحكم العسكري، ويحاول من خلالها تشغيل السلطات المحلية في القطاع، لكنه يواجه رفضاً من المسؤولين الذين يتعرضون لضغوط شديدة من عناصر “فتح” و”حماس”، والذين يهددون حياتهم، إذا ما تعاونوا مع الاحتلال. يوسّع الجيش الإسرائيلي حجم قواته في القطاع إلى ثلاث فرق، ويواجه هجمات “إرهابية” من خلايا تابعة لحركة “حماس” والفصائل الأُخرى، إلى جانب تفشّي الجريمة وأحداث الشغب في القطاع.
استدعاء إسرائيل مرة أُخرى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي – ICJ – بسبب عقابها لسكان غزة، وتشجيعهم على الهجرة إلى خارج القطاع.
ردات الأفعال الرئيسية على السيناريو:
- الولايات المتحدة: يأتي إعلان احتلال القطاع في وقت غير مناسب للولايات المتحدة، بسبب تأثيره في الانتخابات الرئاسية. الهدف الرئيسي للإدارة يتمثل في اجتياز الأشهر القادمة، عن طريق منع التصعيد إلى حرب إقليمية، ولتحقيق ذلك، تجري أيضاً اتصالات سرية مع طهران. تعلّق الولايات المتحدة مبادرة التطبيع، بما في ذلك الاتفاق الدفاعي مع السعودية. تزيد الإدارة في ضغوطها على إسرائيل لتوفير المساعدات الإنسانية للسكان، وتهدد بفرض عقوبات عسكرية على إسرائيل، إذا مضت قدماً في مبادرات الاستيطان في قطاع غزة.
- “حماس”: ترى أن غوص إسرائيل في وحول غزة يخدمها في المدى الطويل. فهي تكبّد قوات الجيش الإسرائيلي الخسائر من خلال الهجمات وحرب العصابات؛ تخلق استفزازات على محور “فيلادلفيا” للإضرار بالعلاقات بين مصر وإسرائيل؛ تستمر في احتجاز المختطفين الأحياء والأموات في الأنفاق، وتعلن أنها لن توافق على صفقة، إلّا إذا انسحبت إسرائيل من جميع مناطق القطاع، وتم تقديم ضمانات أميركية لوقف إطلاق نار دائم.
- السلطة الفلسطينية: تُظهر عجزها وعدم كفاءتها. تطالب بعقد مؤتمر دولي يعمل على إخراج إسرائيل من القطاع، وتدعو إلى تشكيل قوة دولية تستلم السيطرة على القطاع. وفي الوقت نفسه، تحاول تعزيز حكومة وحدة من التكنوقراط لتحكم قطاع غزة أيضاً.
- الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية: يطلق نشاطاً شعبياً عنيفاً ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وضد القيادة الفاشلة للسلطة الفلسطينية، مطالباً بتغييرها وإجراء انتخابات فورية. يتوسع التمرد الشعبي عبر أعمال عنف و”إرهاب” ضد المستوطنين على الطرقات، واقتحامات للمستوطنات، واقتحامات تتجاوز الخط الأخضر نحو البلدات الإسرائيلية المتاخمة له. يتطلب ذلك تعزيز قوات الجيش الإسرائيلي بشكل واسع، يؤدي إلى تقليل القوات المنتشرة في ميادين المواجهة في الشمال.
- إيران وحزب الله: راضيان عن الأثمان الباهظة التي تتكبدها إسرائيل. تلتزم إيران مواصلة حرب الاستنزاف ضد إسرائيل عبر حلفائها، وتمنحهم حرية العمل في مهاجمة إسرائيل، وكذلك مهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط والإضرار بمسارات الشحن. ترى طهران أن الوضع الجديد يقلل من احتمالات شن هجوم إسرائيلي واسع النطاق ضد حزب الله في لبنان، ومع ذلك، تعلن أنه إذا صعّدت إسرائيل إلى حرب مع حزب الله، فإن إيران ستهاجم إسرائيل وحلفاءها في المنطقة، مباشرةً من أراضيها. يُراكم زعيم حزب الله حسن نصر الله ثقته بقوته، ويرفع مستوى الهجمات ضد إسرائيل، من حيث القوة ونطاق العمل. في الوقت نفسه، يتم تعزيز الجهود لتهريب الأسلحة والأموال لدعم “الإرهاب” في الضفة الغربية، عبر الأردن.
- مصر: تخسر أوراقها الرابحة وقدرتها على تعزيز مصالحها في قطاع غزة (مثل إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع). تُلقي مصر المسؤولية الكاملة على كاهل إسرائيل، وترفض تشغيل معبر رفح، وتعزز قواتها على طول حدود القطاع لمنع الهروب الجماعي للفلسطينيين، وبذلك تنتهك التزامها بشأن الحد من انتشار قواتها في سيناء، بموجب اتفاقية السلام. بالإضافة إلى ذلك، تستدعي القاهرة سفيرها من تل أبيب للتشاور، وتمنع إسرائيل من تشغيل مجمّع سفارتها في القاهرة. في الوقت نفسه، تعمل مصر مع الأردن على محاربة إسرائيل في المنتديات الدولية، وتنضم إلى جنوب أفريقيا بشأن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية.
- الأردن: يعيش وضعاً استراتيجياً حرجاً، تتفجر تظاهرات عنيفة في صفوف فلسطينيي الأردن للمطالبة بإلغاء اتفاقيات السلام ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. يتوقف الجيش الأردني عن محاولات اعتراض الطائرات من دون طيار، ويقلل أيضاً من اعتراضه على ملف تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية.
- المملكة العربية السعودية ودول الخليج: تتوقف عمليات التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه، يجري تعزيز العلاقات السياسية والتجارية مع إيران.
- روسيا والصين: تتحدان في إطار جهد دولي موجّه ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وتعززان صفقات الأسلحة مع إيران.
- المجتمع الدولي: يهدد بفرض عقوبات قاسية ضد إسرائيل، إذا شجعت هجرة الفلسطينيين من القطاع، أو ضمت أراضي في الضفة الغربية؛ يتهم إسرائيل بانتهاك أوامر المحكمة الجنائية الدولية؛ تقوم المحكمة الجنائية الدولية بتوسيع نطاق أوامر الاعتقال ضد كبار المسؤولين في إسرائيل وقادة الجيش الإسرائيلي؛ يتخذ المجتمع الدولي قراره بشأن تعزيز ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بصفتها وكالة مركزية لإغاثة الشعب الفلسطيني.
الاستنتاجات التي أُثيرت في المحاكاة:
احتلال القطاع يخدم أعداء إسرائيل، وعلى رأسهم إيران، التي تحصل على شرعية لمواصلة حرب استنزاف متعددة الساحات، عبر التنظيمات المتحالفة معها ضد إسرائيل. يواصل حزب الله مهاجمة إسرائيل من لبنان، ويمنع عودة السكان الإسرائيليين المهجّرين من خط المواجهة. في الوقت نفسه، تتمتع إيران بحُرية العمل، وتسرّع تقدُّمها في مشروعها النووي. تجد إسرائيل نفسها في عملية تراجُع استراتيجي متعدد الأبعاد، بما في ذلك في الساحة الداخلية، حيث تزداد المعارضة للحكومة، وتتفشى ظاهرة عدم الاستعداد للتطوع في الاحتياط، بناءً على المرسوم الرقم 8 [مرسوم التجنيد الشامل].
أشارت المحاكاة إلى عدد من الإسقاطات السلبية على إسرائيل، لكن، ليس من الواضح إلى أيّ مدى يمكن لهذه الإسقاطات أن تتطور، ومنها: الضرر الذي سيلحق بالعلاقات القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والجمود الذي سيصيب معاهدات السلام القائمة، ولعله يؤدي إلى إلغائها، والعبء العسكري الناجم عن جبهات القتال جميعها، فضلاً عن أن احتلال القطاع لا يساعد في حلّ معضلة العثور على جهة تكون مسؤولة عن إدارة القطاع من بعدها، إلى جانب السؤال المتعلق بقدرة إسرائيل على بلورة استراتيجيا للخروج من الورطة التي ستجد نفسها فيها.
ومع ذلك، ناقشت المحاكاة مسألة توفير احتلال القطاع حلاً للمشاكل الأمنية التالية: منع نموّ حركة “حماس” وتجديد آليات سيطرتها على القطاع ونزع السلاح منه، وضمان حرية العمل العسكري الإسرائيلي للقضاء على الخلايا “الإرهابية”، وتأمين المساعدات الإنسانية ووصولها إلى السكان، والحيلولة دون انتشار الفوضى المتمثلة في سيطرة العناصر “الإجرامية والمتطرفة” على القطاع، ومنع صوملته. وتعزيز عمليات محاربة التطرف، من خلال مراقبة المناهج التربوية والأطر التعليمية في القطاع.
لكن احتلال القطاع ينطوي على عدد كبير من الأضرار، منها: الدخول في حالة تفرض على إسرائيل كثيراً من الديون والأعباء، من دون توفُّر يقين بشأن متى وكيف يمكن إنهاء هذا الاحتلال. وتفيد تقديرات جهات مختلفة بأن تكلفة هذا الاحتلال ستتمثل في عشرات المليارات من “الشواقل” في كل سنة، فضلاً عن تكلفة بقاء قوات الجيش في القطاع بعديد قوات يتكون من ثلاث فرق. وواجبات الحكم العسكري ومجالات مسؤوليته من ناحية: النظام العام، توفير الوقود، توفير الخدمات الصحية، مكافحة الأوبئة، الاهتمام بالقطاع الصحي، توفير الكهرباء، تنظيم السكن، جمع النفايات، ورفع ركام المباني، الخدمات الدينية وخدمات الدفن، المجال التعليمي، التوظيف، الرعاية الاجتماعية، إصلاح شبكات الطرق والبنى التحتية، الاهتمام بإقامة خدمات إطفاء وإنقاذ، إدارة سجل السكان، بناء منظومة فرض القانون، ومنها العمل الشرطي، والتحقيق، والاعتقال، والمحاكمة، والحبس، ولاحقاً: الخدمات الاجتماعية العامة. وقد تمت في المحاكاة مناقشة عداء السكان تجاه الحكم العسكري الذي أدى أيضاً إلى رفع منسوب العمل “الإرهابي”، ومظاهر الانتفاض والمقاومة الشعبية. كل ذلك سيؤدي إلى ضغط دولي ثقيل على إسرائيل، قد يصل إلى حدود العزلة الدولية والاقتصادية.
في أعقاب إعلان احتلال القطاع وإقامة حُكم عسكري، ستتواصل، بل ستتعاظم، حرب الاستنزاف التي تمارسها إيران ضد إسرائيل بواسطة وكلائها. وعلاوةً على ذلك، فإن أضراراً ثقيلة ستلحق بمكانة إسرائيل الاستراتيجية، وأهمها القضاء على فرصة توقيع اتفاقية تطبيع مع السعودية، وإقامة تحالُف أمني إقليمي تقوده الولايات المتحدة، وتشركُ فيه الدول العربية المعتدلة إسرائيل.
المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية العدد 4385