عدي جوني *
كثيرة هي الكتب والمقالات والبرامج التلفزيونية التي خُصّصت للحديث عن الذكاء الاصطناعي، ولا أحسب الأمر سيتوقف عند مقال هنا أو كتاب هناك، بل سينال هذا الموضوع حصّة الأسد في مواقع مسكوت عنها، وليس في المساحات المفتوحة للنقاش وحسب. وما يثير الفضول في هذه الفورة الاحتفالية في ميدان علمي يقوم على أسس ومفاهيم تستعصي على فهم الأفراد غير المختصين أنّ ثمة مساحة كبيرة من الآمال والتوقعات التي ستساعد البشرية على تجاوز مشكلاتٍ كثيرة في ميادين شتّى بفضل الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى ما يمكن تسميتها المدينة الفاضلة. بيد أن هذه النشوة الاحتفالية التي تصل إلى حدِّ المبالغة تستدعي، في الوقت ذاته، شبهة الشك والحذر على مبدأ “كاد المريب أن يقول خذوني”.
من بين هذه الكتب التي تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي، هناك كتاب للعالم والمخترع الأميركي راي كيرزويل بعنوان: “التفرّد قريباً: عندما يتخطّى البشر البيولوجيا” (Singularity Is Near: When Humans Transcend Biology). يربط كيرزويل الهيمنة المتوقّعة للذكاء الاصطناعي بمستقبل العملية التطورية للعرق البشري في منحى يثير الفزع والدهشة معاً، وما يرمي في عنوان الكتاب “التفرّد قريباً” يقارب الخريطة الموسوعية لما طرحه بيل غيتس في كتابه الذي نشر عام 1995 بعنوان “طريق المستقبل”، وتحدّث فيه عن مآلات الثورة الحاسوبية على مستقبل البشرية جمعاء، وفكرة العولمة. ما يقدّمه كيرزويل في كتابه رؤية طوباوية لمستقبلٍ قريب يتفوّق فيه الذكاء الاصطناعي على البيولوجي، ويفتح المجال أمام ما كان بالأمس القريب خيالاً محضاً لكي يصبح واقعاً طوع البنان، وعلى مرمى البصر. ويشير العالم والمخترع الأميركي في هذه التوقّعات، التي تعود، في غالبيتها، إلى عام 2005، تاريخ نشر الكتاب، إلى أنّ البشرية باتت، في مطلع الألفية الجديدة، تقف على شفا مرحلة من التحوّل هي الأكبر والأخطر في التاريخ تستحيل فيها طبيعة ما يسمّى الإنسان، أكثر غنًى وتحدّياً مع تحرّر العرق البشري من قيود الإرث البيولوجي وبلوغه مراحل لا يمكن تخيّلها من الذكاء والتطوّر المادّي والعمر المديد وصولاً إلى التفرّد والتمايز عن باقي المخلوقات.
في كتابه “The Age of Spiritual Machine” (ترجمه عزت عامر إلى العربية تحت عنوان “عصر الآلات الروحية” ونشرته دار كلمة، بالتعاون مع دار كلمات عربية في أبوظبي، 2010)، يطرح كيرزويل ما مفاده بأنّ الكمبيوترات ستتفوّق على الذكاء البشري، بفضل هذا الإيقاع المتسارع للتطوّر التكنولوجي، في حين يرى في كتابه “التفرّد قريباً” أنّ قفزة نوعية عملاقة ستقع في هذا الميدان، تتمثل في اندماج الإنسان والآلة على نحوٍ تكتسب بوساطته أدمغتنا مقدّرات ووسائل معرفية جبّارة. ويعرض ملخصٌ وُضِع على غلاف الكتاب الأمامي يقول: “هذا الاندماج هو، بحد ذاته، ماهية التفرّد؛ حقبة يستحيل فيها ذكاؤنا وعلى نحو متزايدٍ لا بيولوجي، وأقوى بتريليونات المرّات مما هو عليه الآن، إنه فجر حضارة جديدة ستجعلنا نتخطّى القيود البيولوجية ونزيد من قدراتنا الإبداعية. في هذا العالم الجديد، لن يبقى هناك فرق واضح بين الإنسان والآلة، بين الواقع الحقيقي والواقع المفترض”. ويتابع في استهلال الكتاب: “هذا واحد من جوانب فرادة جنسنا: يرتفع ذكاؤنا بقدرٍ كافٍ فوق العتبة الضرورية اللازمة لنرتقي بقدراتنا إلى مستوياتٍ غير محدودة من الإبداع، ولدينا الإبهام المقابل في اليد اللازم لجعل الكون طوع إرادتنا”. يستخدم كيرزويل في هذه العبارة اصطلاح “opposable appendage”، والمقصود بها العضو الزائد في كفّ اليد، وهو الإبهام الذي يستطيع التحرّك ومقابلة الأصابع الأخرى، وضمّها معاً في تكويرة القبضة كناية عن القدرة على التحكّم والسيطرة.
يستشهد كيرزويل بهاري بوتر عندما يدمدم هذا الأخير بالتعويذة المناسبة ليطلق سحره، لافتاً إلى أن الأمر لا يقتصر على اكتشاف التعويذات وتطبيقها، بل يحتاج الأمر إلى معرفة تسلسل وإجراءات وقواعد تطبيق التعويذة المناسبة بالشكل الصحيح. تمثل هذه العملية على وجه التحديد تجربتنا مع التكنولوجيا، كما يقول كيرزويل. فالتعويذات، في هذا السياق، “هي المعادلات والخوارزميات التي يقوم على أساسها سحر عصرنا الحديث”. إذ، وبوساطة التسلسل الصحيح، بمقدورنا أن نجعل حاسوباً يقرأ كتاباً بصوتٍ مرتفع، ويفهم الكلام البشري، بل ويتنبّأ ويمنع حدوث نوبة قلبية، أو يتوقّع حركة أسواق البورصة. لكن في حال كانت “التعويذة” غير صحيحة، فلا يمكن لهذا لسحرٍ أن يعمل، أو سيكون ضعيف الأثر على الأقل.
يعتمد كيرزويل في تفسيره على قانون مردود التسارع “Law of Accelerating Returns” الذي يتوّقع تزايداً أُسيّاً في تكنولوجيا الروبوتات، والحواسيب، وعلم الجينات، وتقانة النانو “المُصغَّرات”، وبالطبع الذكاء الاصطناعي. والتزايد أو النمو الأُسي تعبيرٌ رياضي يصف عملية تزايد قيمة “س” خلال فترات متساوية بمعدل الزيادة. والأسّ في لغة الجبر والإحصاء هو القوَّة التي يُرفع إليها عدد أو رمز ما أو تعبير أو اصطلاح رياضي، فالتَّعبير “س4” يعني أنّ الكميّة مضروبة في نفسها أربع مرّات، “س” هنا تسمَّى قاعدة والعدد 4 يُسمَّى أُسّاً. الجدير بالذكر أنّ التزايد الأسّي يتزايد بشكل بطيء في البداية، لكنه يتسارع على نحو يفوق التخيل مع تزايد الزمن متجاوزاً الزيادة الخطية أو الزيادة التربيعية أو التكعيبية، مما يجعل تصوّرنا له بعيداً عن الحقيقة. وحالما نبلغ مرحلة التفرّد، حسب ما يقوله كيرزويل، سيتخطى ذكاء الآلة نظيره البشري بمراحل كبيرة، ويضع عام 2045 تاريخاً متوقعاً لبلوغ هذا التفرّد الذي يمثل “تحوّلاً عميقاً وخطيراً في القدرات البشرية”. صحيحٌ أن العالِم الأميركي يعترف بأن التزايد الأُسّي سيبلغ، في نهاية المطاف، حدّه، لكنه يشير، في الوقت ذاته، إلى أن هذا الحد سيكون قد تخطّى حينذاك الأدمغة البشرية مجتمعة بمراحل تصل إلى رقم خيالي من فئة التريليونات، أي إن الدماغ البشري سيكون متخلّفاً أمام ذكاء الآلة.
وبدلاً من إعادة هندسة الدماغ البشري لفهم الذكاء الاصطناعي ومحاكاته، يطرح كيرزويل فكرة تحميل “uploading” الدماغ بكلّ عملية ذهنية تقوم على “قاعدة حاسوبية جبارة مناسبة”، موضحاً أنّ هذه التقنية ستكون متاحة بحلول عام 2040. وعوضاً عن هذا “التحميل الإضافي” والتحوّل إلى الشكل الرقمي، يرى كيرزويل أنّ البشر، وعلى الأرجح، سيشهدون تحوّلاً تدريجياً مع تعزيز أجزاء من دماغهم بزراعات عصبية “neural implants” تزيد نسبة الذكاء اللابيولوجي لديهم تدريجياً مع مرور الزمن. وعلى الرغم من أنّه لن يكون هناك “اختبار موضوعي يحسم بشكل قاطع” وجود الوعي أو الإدراك، فإنّه يقول إن الذكاء الاصطناعي سيدعي امتلاكه وعياً و”مجالاً كاملاً من التجارب العاطفية والروحية التي تُعزى للبشر”.
وفي أثناء مرحلة التفرّد هذه، يتوقّع كيرزويل “أن تتبدّل حياة الإنسان على نحو لا رجعة فيه” ليتخطى البشر بذلك “القيود البيولوجية المفروضة على أجسادنا وأدمغتنا”، ومن ثم سيرتقي هذا المنحى التصاعدي وصولاً إلى واقع جديد تصبح فيه “آلات المستقبل بشرية وإن كانت لا بيولوجية”. بعبارة أخرى، ستكون هناك تغييرات جذرية على الطريقة التي سيتعلم بها الإنسان، ويعمل، ويلعب، ويشنّ الحروب. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد وحسب، بل يتوقّع أن نشهد ظهور روبوتات نانوية لا يزيد عرضها عن مائة نانو متر (نانو متر يعادل: (10−9 m) معدّة للقيام بوظائف محدّدة مثل إيصال الدواء (ديلفيري) مباشرة إلى العضو المصاب بمرضٍ ما داخل الجسد، أو القيام ربما بتدخّل جراحي دقيق في مواضع لا يمكن للجراحة التقليدية الوصول إليها. أي يمكننا أن نسترسل في التخيّل إلى حدّ القول إنّ الجسد البشري سيكتسب مزايا، والكلام لكيرزويل، تجعله قادراً على “تغيير ملامحه البدنية”، كما تغيّر الحرباء لونها.
لذلك ليس مستغرباً أن نشاهد يوماً ما إنساناً يطير، وآخر يغوص تحت الماء من دون معدّات للغطس، ويتسلق قمة الهيمالايا برشاقة يحسده عليها ماعز الجبال. أمّا النسبة إلى الهويات الفردية أثناء هذه التغيّرات الجذرية، يرى كيرزويل أنّ الناس سينظرون إلى أنفسهم بصفتهم نموذجاً قيد التطوّر، وليس مجموعة محدّدة من الجزئيات، مما يعني (كما يقول كيرزويل) أنّ هذا التطوّر ينحو نحو “مزيد من التعقيد، وحسن المظهر، وسعة المعرفة، وحدة الذكاء، وقدرٍ أكبر من الجمال والإبداع، ووفرة من الصفات الرفيعة مثل المحبة”. بالطبع من يقرأ هذا التوصيف يتبادر إلى ذهنه مفهوم الكمال، إن لم يكن ما هو أكثر من ذلك. وما يؤكد أرجحية هذا التفسير أنّ كيرزويل يقول “إن التحرر من الجذور البيولوجية هو في حقيقة الأمر توجه روحاني”.
على الرغم من هذه الهالة المبهرة التي أحاط بها كيرزويل التقنية الجديدة، فإنّه يعترف يقيناً أن كلّ تكنولوجيا جديدة تحمل في طياتها مخاطر سوء استخدامها وفسادها، بدءاً من الفيروسات والروبوتات النانوية، وصولاً إلى فقدان التحكّم والسيطرة بآلات الذكاء الاصطناعي. وتنحصر الطريقة المثلى لمواجهة هذه المخاطر، حسب رأيه، بالاستثمار في تكنولوجيات دفاعية مضادة، منها على سبيل المثال السماح بوراثيات وعلاجات طبية جديدة، ومراقبة العوامل المرضية الخطرة، وتعليق استخدام تكنولوجيات محدّدة لفترة مؤقتة. أمّا في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فيرى كيرزويل أن أفضل وقاية لدرء مخاطر سوء استخدامه تكمن في تعزيز “قيم الحرية والتسامح، واحترام المعرفة والتعددية، لأن الذكاء النانوي اللابيولوجي سيغدو متجذراً في مجتمعنا ويعكس قيمنا”.
الكتاب بما احتواه من معلومات مثيرة تقاسَم عبارات الاستحسان والاستهجان من مصادر مختلفة، منها ما كان منتشياً بفرحة لا توصف بالبشرى التي سيحملها عصر الذكاء الاصطناعي إلى البشرية جمعاء. لكن معظم من هلّلوا للكتاب، مثل بيل غيتس وغيره، هم أصلاً ينتمون إلى القطاع الاستثماري في التكنولوجيا المتقدّمة، لأنّهم وجدوا في الكتاب فرصة لتسويق هذا القطاع الاستثماري وزيادة الأرباح. كذلك الأمر، استقبل كتاب ومحللون سياسيون أميركيون كثيرون الكتاب بحفاوة بالغة، لأنهم رأوا فيه ما يعطي الأمل في ديمومة القرن الأميركي، واستمرار “التفرّد” في السيطرة على موازين القوى العالمية، الأمر الذي يدلّل على أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستشكّل حافزاً جديداً على توفير وسائل جديدة للصراع الجيوسياسي.
بالمناسبة، هذا تحديداً ما طرحه مايكل كنعان في كتابه “العد التنازلي للذكاء الاصطناعي والسعي الجديد للسيطرة على العالم (T-Minus AI: Humanity’s Countdown to Artificial Intelligence and the New Pursuit of Global Power.) الذي نشرته دار بن بيلا في أغسطس/ آب 2020. يربط المؤلف البعد الجيوسياسي لمفاعيل برمجيات الذكاء الاصطناعي بمواقف الدول الكبرى في سعيها إلى السيطرة على العالم، ويستشهد على ذلك بموقفين: أولاً، في عام 2017 وجهت الصين رسالة واضحة جريئة، عندما أطلقت خطة وطنية للسيطرة على جميع مجالات الذكاء الاصطناعي في العالم. ثانياً، قال الرئيس الروسي بوتين، وبعد الإعلان الصيني بأسابيع: “من يتحكّم بالذكاء الاصطناعي سيحكم العالم”. وليس مستبعداً أن يكون هناك الآن تطبيقات ذات طبيعة عسكرية من أسلحة متطوّرة وغيرها تعتمد برمجيات الذكاء الاصطناعي، بل يمكن القول إنّ الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزّة يشكلان حقلاً تجريبياً لهذه البرمجيات. وما يمنح هذا الكتاب مصداقية علمية أنّ مايكل كنعان هو أول من ترأس لجنة الذكاء الاصطناعي في القوات الجوّية الأميركية، حيث أشرف ووجّه الأبحاث والدراسات التي تتصل بإعداد استراتيجيات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطويرها وتطبيقها، أي ينطبق عليه القول المأثور “أهل مكة أدرى بشعابها”.
كذلك انبرى مختصّون عديدون لانتقاد الكتاب، استناداً إلى أسسٍ علمية، وتحديداً ما يخصّ “خرافة التزايد الأسي” التي اعتمدها كيرزويل. ومن هؤلاء العالِم والأكاديمي الفيزيائي البريطاني بول ديفيز الذي يقول إنّ التزايد الأُسّي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، بل يواجه معوّقات تحدّ من استمراريته. ردّ الفيزيائي البريطاني، ثيودور موديس، على كيرزويل بالقول: “لا شيء في الطبيعة يتبع منحنى أُسّياً خالصاً”، مشيراً إلى أنّ المنحنى المنطقي أو الدالة اللوجستية، وهو نوع شائع من المنحنى السيني، يناسب عملية النمو أو الزيادة الحقيقية. ويوضح موديس أنّ الدالّة اللوجستية تبدو شبيهة بالدالة الأُسية في البداية، لكنها تضعف تدريجياً وتتراجع إلى أن تتسطح كلياً. واستشهد على ذلك بالإشارة إلى أنّ تعداد السكان العالمي وإنتاج الولايات المتحدة من النفط بدآ على شاكلة منحنى تزايدٍ أسّي صاعد، لكنهما تراجعا لأنّهما منحنيان منطقيان (دالة لوجستية). بعبارة مبسطة، يؤكد قانون الطبيعة أنّ أي شيء يصل إلى ذروته، ويبلغ منتهاه، يبقى محكوماً بالنقصان ولا يمكن أن يستمر بالزيادة والنمو على نحو مطلق على مبدأ “لكل شيء إذا ما تمَّ نقصان/ فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان”.
وإن رأى أكاديميون مختصون في اعتماد كيرزويل على التزايد الأُسّي مبالغة لا تتفق مع قانون الطبيعة، لمَّح آخرون من غير المختصّين إلى أن الدوافع الدينية وراء فكرة التفرّد عند كيرزويل، بل وعدّوها محاولة لمنطقة (من المنطق) التفسير اليهودي المسيحي لنهاية العالم. ومن هؤلاء جون غراي (فيلسوف بريطاني) ومن المناهضين لفكرة عولمة الرأسمالية، الذي يقول “إن كتاب التفرّد يعكس مقولات أسطورية لنهاية العالم يكون فيها التاريخ على وشك أن يشهد حدثاً يغير العالم بأسره”.
بعد أن انتهيت من قراءة كتاب كيرزويل، تذكّرت مسرحية “روبوتات روسوم” للكاتب التشيكي كاريل تشابيك التي نُشرت عام 1920، وقدَّم فيها اصطلاح الروبوت “الرجل الآلي”. عُرضت هذه المسرحية التي تنتمي إلى أدب الخيال العلمي في بلدان عديدة، وتُرجمت إلى لغات عدة. تتناول المسرحية التي تحوّلت لاحقاً إلى فيلم سينمائي عن مصنع لإنتاج رجال آليين من مواد عضوية مركبة ويتشابهون في هيئاتهم مع بني البشر، لكن الرجال الآليين يقودون تمرّداً يؤدي إلى فناء العرق البشري. ومن هنا جاء عنوان هذا المقال “الذكاء الاصطناعي: التمرد قريباً” بتلاعب لفظي على كلمة “تفرد” باستبدال حرف بحرف من باب محاكاة فكرة كيرزويل باستبدال الآلة بالبيولوجيا، وتبديل الواقع الحقيقي بآخر افتراضي ليفتح المجال أمام مجموعة واسعة من الاحتمالات التي لن يخلو بعضها من حسّ الفكاهة. وعلى سبيل المثال لا الحصر طبعاً، لا تستغربن، عزيزي القارئ، أن يأتيك اتصالٌ ذات يوم من شخص ما يقول لك “أنا عبد الحليم حافظ” بصوته نفسه الذي غنى فيه قارئة الفنجان. وبفضل التحرّر من القيود البيولوجية، سيكون بمقدور السيّدات تغيير لون العينين أو لون الشعر حسب الطلب، وقِس على ذلك أمثلة أخرى.
سيسارع قرّاء عديدون إلى الاعتراض بالقول إنّ المشكلة ليست في مفهوم برمجيات الذكاء الاصطناعي، بل في مجالات توظيفه، ومن ثم لا يمكن أن نحرم البشرية من تقدّم علمي يساهم في حلّ مشكلات مستعصية. يذكّر هذا الكلام بفكاهة جرت على لسان صديق عندما أبلغه الطبيب بأنه يعاني من التهاب حاد في الزائدة يستدعي استئصالها. امتقع وجه الرجل وفزع فزعاً شديداً، فما كان منّا إلا أن نعتناه بالجبن والخشية من عملية بسيطة. لكنه ردّ علينا رداً مُفحِماً بقوله: “والله لا أخشى المبضع بل أخشى يداً حمقاء قد تعبث به”، وفهمكم كفاية.
* كاتب ومترجم سوري
المصدر: العربي الجديد