حسن مدن *
ليس رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير دفاعه المقال غالانت أول مسؤولين تُصدر محكمة الجنايات الدولية قراراً باعتقالهما، فقد سبق لها أن أصدرت، في بداية مارس/ آذار 2023، وعلى خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، قراراً مشابهاَ ضد الرئيس الروسي بوتين ووزير دفاع روسيا السابق سيرغي شويغو، كما طاولت أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة زعماء عرباً سابقين، هم الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، طبقاً لتهم بالمسؤولية وراء جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية، كما واجه الزعيم الليبي، معمّر القذافي، مذكرة اعتقال من المحكمة نفسها، في يونيو/ حزيران عام 2011، صحبة ابنه، سيف الإسلام، وعدة مسؤولين في نظامه، وصدرت، أيضاً، أحكام مشابهة ضد زعماء أفارقة بتهم مشابهة، بينهم لروران غبابو، رئيس ساحل العاج السابق، وويليام روتو رئيس كينيا.
بعض ردود الفعل الدولية، خاصة الأميركية منها، على أمر اعتقال نتنياهو وغالانت دليل ساطع على ازدواجية المعايير، فحين رحّبت عواصم كثيرة، في مقدّمتها واشنطن، بقرارات اعتقال بوتين وشويغو وعمر البشير ومسؤولين كبار في نظامه، والقذافي وابنه، ثارت ثائرة واشنطن ضد قرار المحكمة باعتقال نتنياهو وغالانت، علماً أن ما اقترفه الاثنان، وما يزالان، من جرائم في غزّة ولبنان يفوق بكثير ما اقترفه سواهما.
تضمّن قرار المحكمة باعتقال نتنياهو وغالانت القول إن قضاتها توصلوا إلى قناعة بأن الاثنين مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومهاجمة السكّان المدنيين، بين الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والعشرين من مايو/ أيار 2024، وتعدّ مذكّرتا اعتقالهما، بوصف المراقبين، “سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، كونها أول مرّة يواجه فيها مسؤول إسرائيلي اتهامات خطيرة من هيئة قضائية دولية، بخصوص الإجراءات التي يتخذها ضد الفلسطينيين. وقالت المحكمة إنّ قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري، بسبب “وجود أسباب منطقية للاعتقاد أنهما ارتكبا جرائم حرب، وأنّ ثمّة أسبابا منطقية تدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكّان المدنيين في قطاع غزّة، تشمل: “استخدام التجويع سلاح حرب والقتل والاضطهاد و”غيرها من الأفعال غير الإنسانية”.
أحد ابعاد هذا القرار المهمة أنّه وجّه ضربة للسردية الصهيونية الزائفة إن إسرائيل دولة ديمقراطية، تملك قضاءً مستقلاً ونزيهاً، فالقرار، وباعتراف مراقبين إسرائيليين، “يدلّ على أن المحكمة لا تحترم المؤسّسات الإسرائيلية ولا تثق في الديمقراطية الإسرائيلية” المزعومة. لذا جاءت ردّة الفعل الإسرائيلية على القرار غاضبة ومتشنّجة. قال نتنياهو إنّ مذكرة المحكمة الدولية “لن تمنعه من الدفاع عن إسرائيل”، فيما قال مكتبه إنّ إسرائيل “ترفض رفضاً قاطعاً الأكاذيب السخيفة والكاذبة” التي وجهتها إليها محكمة الجنايات الدولية، وكالعادة الممجوجة أدرج مكتب نتنياهو القرار في خانة “معاداة السامية”، ووصف المحكمة بأنّها “هيئة سياسية متحيّزة وتمييزية”.
وصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يوم صدور القرار بأنه “مظلم على العدالة والإنسانية”، متهماً المحكمة بأنها حوّلت العدالة الدولية إلى “مادّة للسخرية الدولية”. وقال وزير الخارجية، جدعون ساعر، إنّ المحكمة “فقدت كل شرعيتها” بعد إصدارها مذكّرتي اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق بشأن حرب غزّة. وفي رفض القرار وإدانته، اتفق نتنياهو ومن يوصفون بمعارضيه، حيث قال زعيم المعارضة يائير لابيد، إنّ “إسرائيل تدافع عن نفسها ضد المنظمات الإرهابية”، وأنّ “مذكرتي الاعتقال مكافأة للإرهاب”، ووصف رئيس حزب الوحدة الوطنية، بيني غانتس، العضو السابق في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، قرار محكمة الجنايات الدولية بأنه “عمى أخلاقي ووصمة عار تاريخية لن تُنسى أبدا”.
تنمّ هذه التصريحات عن الأثر البالغ الذي تركه قرار المحكمة الجنائية الدولية في الطبقة السياسية الإسرائيلية، بعد أن اعتقد قادتها أنّهم محصّنون ضد أي مساءلة دولية. صحيحٌ أن المحكمة لا تملك آلية اعتقال من تتخذ قرار اعتقالهم، لكن وضع نتنياهو وغالانت في خانة المطلوبين للعدالة الدولية سيوقع حلفاء إسرائيل الأوروبيين وغيرهم في مأزق، فبوصفهم داعمين المحكمة وملتزمين بقراراتها، فإنّهم مطالَبون باعتقالهما في حال زيارتهما أياً من هذه الدول، وهو ما أشار إليه الصحفي والمحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، الذي بيّن أنّ “نتنياهو لا يستطيع الخروج إلى أوروبا ولا حتى أستراليا، وإنما يستطيع الخروج فقط إلى الدول التي تعارض هذا القرار”، ما سيؤثر على علاقات إسرائيل الدولية.
* كاتب وباحث بحريني
المصدر: العربي الجديد