الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ترامب.. الرئيس الأسبق والرئيس القادم

محمد المنشاوي *

أصبح دونالد ترامب ثاني رئيس في التاريخ الأمريكي يشغل منصب الرئيس لفترتين غير متتاليتين بعد الرئيس الأسبق “جروفر كليفلاند”، كما سيكون ترامب أول رئيس في التاريخ يفوز بعد إدانته جنائياً بارتكاب العديد من الجرائم الفدرالية وعلى مستوى الولايات.

ومثلت محاولة ترامب الثالثة لدخول البيت الأبيض قصة تاريخية في حد ذاتها، بعدما نجح عام 2016 وفشل عام 2020، وهو الذي جاء مُكّسراً ومُطيحاً بكل قواعد التقاليد السياسة الأمريكية الراسخة، ونجح في السيطرة المطلقة على الحزب الجمهوري، ويؤمن مناصروه أن انتخابات 2020 قد تمت سرقتها منه ومنهم. ومنذ خروجه من البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني/ يناير2021، واجه ترامب سيلاً من الاتهامات الجنائية، أسفرت إحداها عن حكم بالإدانة من قبل هيئة محلفين فى ولاية نيويورك بتهمة تزوير السجلات التجارية فيما يتعلق بمدفوعات مالية سرية لنجمة أفلام إباحية في الأيام الأخيرة من حملة عام 2016، بينما يقول ترامب إنه بريء وقرر استئناف الحكم.

بعد إعلانه الترشح لانتخابات 2024، واجه ترامب انتخابات تمهيدية داخل الحزب الجمهوري مع أكثر من 10 منافسين، بمن فيهم نائبه الأسبق مايك بنس، لكن معظمهم انسحبوا قبل المؤتمر الحزبي الذي شهدته مدينة ميلواكي بولاية ويسكونسن في تموز/ يوليو الماضي.

  • • •

جاء هذا الانتصار بعد حملة انتخابية تاريخية مليئة بالتقلبات والمنعطفات غير المسبوقة ومحاولتين لاغتياله، وذلك بعدما تم إدانته جنائياً في الوقت ذاته. وبهذا الفوز يصبح ترامب أكبر الرؤساء سناً في التاريخ الأمريكي الذي يصل للمنصب إذ يبلغ عمره 78 عاماً. وهزم ترامب نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، التي دخلت هذا السباق قبل ما يزيد قليلاً عن 100 يوم بعد إقناع الرئيس بايدن، الذي فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، بالتنحي بعد تراجع واضح في قدراته الذهنية والعقلية.

قام ترامب بحملته الرئاسية الثالثة حيث ركز على إخفاقات إدارة بايدن- هاريس. واستغل الرئيس الأسبق بعض سياسات بايدن المختلفة عن سياساته كأسباب لارتفاع التضخم وتفاقم أزمة الحدود الأمريكية الجنوبية مع المكسيك.

واجه ترامب انتخابات تمهيدية مزدحمة للحزب الجمهوري، لكنه ظهر باعتباره المرشح الأوفر حظاً مرة أخرى، حيث هزم خصومه بسهولة- الذين أيدوه جميعاً في النهاية ليكون الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة.

  • • •

قبل أيام فقط من قبول ترشيح الحزب الجمهوري رسمياً في مؤتمره العام، نجا من محاولة اغتيال في تجمع حاشد، في 13 تموز/ يوليو، في مدينة “بتلر” بولاية بنسلفانيا. لكن بعد أسابيع وفي شهر أيلول/ سبتمبر، تعرض ترامب لمحاولة اغتيال ثانية حيث اختبأ قاتل آخر محتمل في أشجار تحيط بملعب ترامب الدولي للجولف في “ويست بالم بيتش” بولاية فلوريدا. إلا أنه تم ضبطه من قبل عملاء الخدمة السرية الأمريكية دون أن يصاب ترامب بأذى. على العكس مما تصوره أغلب المراقبين وخبراء السياسة الأمريكية، استطاع دونالد ترامب، الرئيس الأسبق، أن يصبح الرئيس القادم بعدما هندس عودة سياسة هي الأكثر إثارة للدهشة في التاريخ الأمريكي.

اكتسح الرئيس الأسبق والرئيس القادم الولايات السبع المتأرجحة المحددة لهوية ساكن البيت الأبيض الجديد، ولم يكتفِ ترامب بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، بل تقدم في التصويت الشعبي بعدة ملايين من الأصوات وهو أول جمهوري يفعل ذلك منذ عام 2004. حقق ترامب انتصاره من خلال تشكيل ائتلاف جديد، إذ زاحم الديمقراطيين ونجح في اجتذاب الكثير من أبناء الطبقات العاملة غير الجامعيين من السود واللاتينيين إلى القاعدة التقليدية للحزب الجمهوري من الناخبين البيض.

أنشأ ترامب هذا التحالف من خلال معارضة سياسات بايدن- هاريس بشأن الاقتصاد والتضخم والحدود، وتكرار تعهداته باستعادة عظمة أمريكا. وكما كان في انتخابات 2016، نجح ترامب في تقديم نفسه للمرة الثانية كمرشح التغيير.

  • • •

تحديات ضخمة تنتظر ترامب، فالمشهد الدولي في حالة فوضى سواءً من أوكرانيا إلى تايوان إلى الشرق الأوسط. سيكون لدى ترامب مجلس شيوخ جمهوري، كما أنه لا تزال هناك فرصة ضئيلة ليسيطر حزبه الجمهوري على أغلبية مجلس النواب الديمقراطي، وتدعم ترامب محكمة عليا ذات أغلبية من القضاة المحافظين الذين عيّنَ ترامب 3 منهم.

وفي رئاسة ترامب المُقبلة، لن يرتدع ترامب بمحاولة إعادة انتخاب أخرى، ولن يكترث بأي محددات حزبية أو تعهدات قديمة سبق وأطلقها. وسيعود ترامب للبيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني/ يناير المُقبل وإلى جواره “إيلون ماسك” و”تاكر كارلسون” و”روبرت كينيدي جونيور”، وعدد آخر من الشخصيات الاستثنائية.

لا نعرف بعد إذا ما كان ترامب سيفي بتعهده بالإفراج عن مئات السجناء ممن شاركوا في محاولة تمرد مسلح باقتحام مبنى الكابيتول لعرقلة التصديق على انتخابات 2020.

  • • •

يُتهم ترامب بالفاشية، ويتطلع ليكون ديكتاتوراً أمريكياً منتخباً. لم تكن لكلمات جون كيلي، جنرال مُشاة البحرية المتقاعد ورئيس موظفي ترامب الأسبق في البيت الأبيض، ومنها أن ترامب فاشي الطباع، أيُ تأثيرٍ على ولاء الأمريكيين لترامب. قد سبق وتعهد ترامب بأن يكون «ديكتاتوراً» من شأنه أن «ينهي» الدستور ويضع الجيش في الشوارع، وسبق وهدد خصومه السياسيين الذين يُسميهم «حثالة»، و«حشرات»، و«أعداء الداخل» بالسجن، في حين وعد أنصاره بأنهم لن يضطروا إلى التصويت مرة أخرى بمجرد فوزه.

صمدت أمريكا أربع سنوات تحت حكم ترامب، وصمدت أمام رفضه المستمر الإقرار بهزيمته في انتخابات 2020، وصمدت أمام اقتحام الآلاف من مناصريه لمباني الكونجرس لعرقلة توثيق الانتخابات. ويبقى السؤال هل سيتحدى ترامب قواعد الديمقراطية الأمريكية في سنوات حكمه القادمة، أم ستمر السنوات القادمة بالعواصف والضجيج والأزمات التي لا يمكن لترامب الاستغناء عنها.

* كاتب صحفي متخصص فى الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.