أسماء عادل *
يُشكل التحالف المحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال تحولًا جيوسياسيًا مهمًا في القرن الأفريقي، يحمل في طياته تداعيات عميقة على المنطقة، وهو ما كشف عنه موقع “ميدل إيست مونيتور” في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بأن هناك نوايا إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال، ذلك الإقليم الانفصالي الذي أعلن استقلاله بشكل منفرد عام 1991، ولكن لم يتم الاعتراف به دوليًا. يأتي هذا التوجه الإسرائيلي في سياق توظيف إيران عملية طوفان الأقصى التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لتهديد المصالح الإسرائيلية من خلال المواجهات غير المباشرة، وذلك عبر وكلائها في المنطقة “جماعة الحوثيين”. وردًا على ذلك، تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات استراتيجية مع دول المنطقة، لا سيما تلك المُطلة على الممرات البحرية الحيوية، بهدف تقويض قدرات الحوثيين وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة.
المحتويات:
1). مُحفزات التقارب المُحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال
2). تداعيات مُحتملة
3). حسابات أرض الصومال
1). مُحفزات التقارب المُحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال:
نجد أن هناك مجموعة من العوامل التي تدفع إسرائيل لفتح قنوات تواصل مع أرض الصومال، والتي يُمكن استعراضها، وذلك على النحو التالي:
الموقع الاستراتيجي: تقع أرض الصومال في قلب أحد أهم الممرات المائية العالمية؛ إذ تطل على خليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يُعد حلقة وصل استراتيجية في طرق التجارة البحرية التي تربط المحيط الأطلسي والبحر المتوسط بالمحيط الهندي، كما يمر عبر باب المندب حوالي 4 ملايين برميل من النفط يوميًا في طريقه إلى أوروبا، وحوالي 25 ألف سفينة، أو 7 في المائة من حجم التجارة البحرية العالمية كما يمتد ساحل أرض الصومال على طول خليج عدن لمسافة تزيد عن 500 ميل، مما يوفر لها نفوذًا كبيرًا على التجارة البحرية الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تبعد أرض الصومال حوالي 70 ميلًا عن مضيق باب المندب. هذا الموقع الجغرافي المتميز لأرض الصومال، ترغب إسرائيل في توظيفه لتقويض نشاط حركة الحوثيين، وذلك من خلال إيجاد منفذ على البحر الأحمر؛ حيث تُسيطر جماعة الحوثيين على معظم الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر.
الحسابات الأمنية: عملت حركة الحوثيين على تعطيل حركة الملاحة البحرية، وهو ما دفع عددًا متزايدًا من شراكات الشحن بإعادة توجيه سفن الشحن الخاصة بها لتجنب البحر الأحمر، مع اتخاذ بدائل أكثر استهلاكًا للوقت ومكلفة للوصول إلى وجهتها. لذا، تُشكل سيطرة الحوثيين على أجزاء من السواحل المطلة على البحر الأحمر مصدر قلق دولي، بما في ذلك إسرائيل؛ إذ تُمثل الواردات والصادرات من وإلى آسيا نحو ربع إجمالي حجم التجارة الخارجية لإسرائيل، ومعظم السفن الإسرائيلية التي تلعب دورًا في هذه التجارة تمر عبر ممرات البحر الأحمر، وهو ما يجعل من تأمين هذه المنطقة مسألة أمن قومي بالنسبة لإسرائيل. وفي ضوء ما سبق ذكره، نجد أنه في حال حدوث تقارب بين إسرائيل وأرض الصومال، فمن المُحتمل أن يكون هناك تعاون مُشترك لمواجهة الإرهاب البحري الحوثي المدعوم من إيران، وذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية للكشف عن التهديدات البحرية المحتملة، ومكافحة القرصنة البحرية، وهو ما يُسهم في ضمان حرية الملاحة.
العامل الاقتصادي: تتمتع أرض الصومال بمقدرات اقتصادية هائلة؛ إذ تحتوي أرض الصومال على ثروات طبيعية ضخمة، تشمل احتياطات نفطية محتملة تُقدر بنحو 110 مليار برميل، بالإضافة إلى الذهب والمعادن الأخرى. كما تعمل أرض الصومال على إحداث تطور في البنية التحتية، لا سيما مجال النقل والموانئ؛ حيث تم تحديث ميناء بربرة، وهو ما يجعله بوابة تجارية مهمة للمنطقة. ويمكن لإسرائيل تعزيز العلاقات مع أرض الصومال في المجال الاقتصادي من خلال إبرام اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بشأن بناء القدرات في مجالات الزراعة والسياحة والطاقة وتطوير البنية التحتية.
2). تداعيات مُحتملة:
نجد أنه من المُرجح في حال قيام إسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، أن يحمل هذا التحرك العديد من الدلالات والتداعيات، والتي يُمكن توضيحها:
تقويض النفوذ الإيراني في القرن الأفريقي: نجد أن إحدى ركائز السياسة الخارجية الإيرانية تتمثل في معارضة إسرائيل والغرب، والسعي إلى تأسيس إقليمي بديل، ولذا، برزت إيران على مدى العقد الماضي كلاعب إقليمي رئيسي في اليمن يدعم أنصار الله (المعروفين باسم الحوثيين). كما عملت إيران على توظيف موقع اليمن الجيوستراتيجي على طول أحد أهم الممرات المائية في العالم، مضيق باب المندب، وهو ما يمنحها نفوذًا كبيرًا على حركة الشحن العالمي، وهو ما اتضح جليًا منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فقد زودت إيران الحوثيين بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز؛ مما مكنهم من استهداف أكثر من 80 سفينة تجارية بطائرات بدون طيار وصواريخ، وهو ما أدى إلى تهديد السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب، وتعطيل طرق التجارة العالمية. وفي ضوء الاستعراض السابق، تُحاول إسرائيل إيجاد موطئ قدم للسيطرة على منطقة باب المندب وخليج عدن، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التقارب مع أرض الصومال. بالإضافة إلى ذلك، قرب أرض الصومال من اليمن، سيؤدي إلى إتاحة المجال أمام إسرائيل لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتسهيل إمكانية استهداف الحوثيين، وعرقلة أنشطتهم الرامية بتعطيل الملاحة البحرية.
احتمالية تشكيل تحالف أرض الصومال- إسرائيل- إثيوبيا: في حال التقارب بين إسرائيل وأرض الصومال، فمن المُرجح تغيير موازين القوى في المنطقة، وبزوغ تحالف بين أرض الصومال وإسرائيل وإثيوبيا، مع الأخذ في الاعتبار قيام إثيوبيا بتوقيع اتفاق مع رئيس أرض الصومال “موسى بيهي عبدي”، وستمنح الصفقة إثيوبيا، وهي دولة غير ساحلية، إمكانية الوصول التجاري والعسكري المباشر إلى البحر الأحمر. وبموجب الاتفاق، وافقت أرض الصومال على استئجار ميناء عسكري في خليج عدن و20 كيلومترًا من ساحل أرض الصومال إلى إثيوبيا لمدة 50 عامًا. وبحسب العديد من المسؤولين في أرض الصومال، بما في ذلك الرئيس موسى بيهي، يزعمون أن إثيوبيا قد وعدت بالاعتراف بأرض الصومال رسميًا كدولة ذات سيادة والحصول على جزء من أسهم شركة الطيران الرئيسية في إثيوبيا، الخطوط الجوية الإثيوبية. واتصالًا بما سبق ذكره، نجد أن الموقف الإسرائيلي لا يمانع الصفقة الاثيوبية مع أرض الصومال، وهو ما اتضح من خلال تصريح سفير إثيوبيا لدى إسرائيل في كانون الثاني/ يناير 2024، فقد أوضح أن المسؤولين الإسرائيليين أظهروا لفتة إيجابية لتطلع إثيوبيا للوصول المباشر إلى البحر الأحمر وخليج عدن، كما أشار السفير الإثيوبي لدى إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية تتوقع حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية كخطوة جيدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة المضطربة ولا تعارض صفقة الميناء التي أبرمتها الأخيرة مع أرض الصومال. ويمكن استنتاج، احتمالية التنسيق بين إسرائيل وإثيوبيا لإنشاء قوة بحرية في خليج عدن والبحر الأحمر، على اعتبار أنها بمثابة فرصة للتعاون لتحقيق المصالح المشتركة، لا سيما تعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة بهذه المنطقة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة. كما نجد أن هذا التحالف المُحتمل سيكون مضادًا للتحالف الذي تم تدشينه في العاشر من تشرين الاول/ أكتوبر 2024، بين مصر وإريتريا والصومال، على اعتبار أن هذا التحالف قد تم تأسيسه لمناهضة التحركات الإثيوبية في المنطقة، لا سيما بعد توقيع اتفاقية مع أرض الصومال مطلع عام 2024، وهو ما يعني أن إقليم القرن الأفريقي سيشهد تحولات نوعية تُعيد تشكيل ملامحه الجيوسياسية.
تزايد نشاط الحركات الإرهابية: لا شك أنه في حال حدوث تقارب بين إسرائيل وأرض الصومال، سيؤدي إلى تزايد الهجمات الإرهابية من جانب حركة الشباب الإرهابية، التي سترفض الوجود الإسرائيلي، وستعمل على حشد وتعبئة المزيد من المقاتلين لشن هجمات إرهابية من خلال استغلال مشاعر العداء تجاه إثيوبيا. وهناك احتمالية في أن تستفيد حركة الشباب من الاتفاق لحشد وتجنيد المزيد من المقاتلين، لشن “حرب دينية” ضد إسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. علاوة على ذلك، هناك توقعات بأن تتحالف حركة الشباب الصومالية مع جماعة الحوثيين، وأن يكون هناك تنسيق في المجالات الأمنية والاستخباراتية، لتهديد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، إلى جانب توسيع عملياتهم البحرية ضد خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يُشكل تهديدًا للأمن البحري والتجارة الدولية.
3). حسابات أرض الصومال:
على الرغم من عدم وجود أي تصريح رسمي من جانب أرض الصومال بشأن احتمالية قيام إسرائيل بتدشين قاعدة عسكرية داخل أرضيها، سواء بالتأكيد أو بالنفي حتى كتابة هذه الورقة البحثية، فإنه من خلال متابعة التفاعلات السياسية في أرض الصومال، يُمكن تقديم تصور مُحتمل بشأن حسابات النخبة السياسية في أرض الصومال، فيما يتعلق بالتقارب المُحتمل مع إسرائيل، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
دراسة ردود الأفعال المُتوقعة: نجد أن حسابات النخبة السياسية في أرض الصومال، ستضع في اعتباراتها عند دراسة العرض الإسرائيلي لإنشاء قاعدة عسكرية داخل أراضيها، أبرز ردود الفعل المُتوقعة حيال هذه الخطوة، والتي يمكن استعراضها، وذلك على النحو التالي:
على صعيد دول الجوار: لا شك أنه في حال قيام إسرائيل بالاعتراف الدولي بأرض الصومال، فإنه من المؤكد أن هذه الخطوة ستقابل بالرفض من جانب الحكومة الصومالية الفيدرالية، وكذلك الدول المُساندة لمبدأ الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، والمناهضة لأي تحرك من جانب الحركات الانفصالية في إقليم القرن الأفريقي. مع الأخذ في الحسبان، أن إثيوبيا ربما ترحب بالحضور العسكري الإسرائيلي في أرض الصومال.
على الصعيد الدولي: نجد أنه من المُرجح أن تُبارك الولايات المتحدة الأمريكية قيام إسرائيل بتدشين قاعدة عسكرية في أرض الصومال؛ حيث إن التقارب الإسرائيلي المُحتمل مع حكومة أرض الصومال سيمكنها من الوصول إلى مطار وميناء بربرة، الذي يطل على خليج عدن، وعلى مضيق باب المندب، ومن شأن ذلك حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الإسرائيلية وكذلك الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي، وموازنة الاستثمارات الصينية في المنطقة. وهنا نجد أن هناك تساؤلًا في غاية الأهمية بشأن مدى احتمالية قيام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالاعتراف الدولي بحكومة أرض الصومال، نجد أن الإدارة الأمريكية لديها موقف راسخ يتمثل في وحدة الصومال؛ حيث تتعاون مع حكومة أرض الصومال كما تتعاون مع الحكومة المركزية الصومالية لتحقيق الأهداف المشتركة، وتعتبر مسألة وضع أرض الصومال شأنًا داخليًا يقرره الشعب الصومالي، فالإدارة الأمريكية تتخوف من أنها إذا دعمت أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي، سيشجع الحركات الانفصالية في جميع أنحاء القارة الأفريقية، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في القارة. وبالنسبة للجانب الإسرائيلي، فمن المُحتمل أن تقدِم إسرائيل على الانخراط في مفاوضات مع أرض الصومال بشأن مسالة الاعتراف بها كدولة مستقلة، في مقابل تطبيع العلاقات في مختلف المستويات، وهو ما سيؤثر في وحدة وسيادة الدولة الصومالية.
إحراز تقدم في مسالة الاعتراف الدولي: من خلال الاستعراض السابق، وتوضيح أبرز ردود الأفعال المُتوقعة، نجد أن هناك احتمالًا بأن توافق أرض الصومال على ذلك العرض الإسرائيلي بإنشاء قاعدة عسكرية داخل أراضيها، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية، وفي حال تعزيز العلاقات مع إسرائيل، فإن هناك احتمالية لحصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي كدولة مستقلة، وهو ما تسعى إليه أرض الصومال. علاوة على ذلك، يبذل رئيس أرض الصومال جهودًا حثيثة للانخراط في مباحثات مع الإدارة الأمريكية، بهدف الحصول على الاعتراف الدولي “International Recognition ”. بالإضافة إلى ذلك، تعمل النخبة السياسية في أرض الصومال على تعزيز العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يُحفز الاستثمار الأجنبي في أرض الصومال، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية؛ مما يُمكن حكومة أرض الصومال من التمتع بالشرعية السياسية، والاستقرار السياسي والأمني.
وفي الختام، يمكن القول إن إسرائيل تسعى إلى توسيع نفوذها، خاصةً فيما يتعلق بإيجاد منفذ على البحر الأحمر. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تأمين مصالحها، وتحقيق أهدافها في إقليم القرن الأفريقي، ولذا يتعين على دول الإقليم الأفريقي والمجتمع الدولي العمل معًا لتعزيز سيادة القانون ومنع انتهاكات السيادة الإقليمية لخلق بيئة مستقرة في القرن الأفريقي.
* كاتبة وباحثة مصرية
المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية