الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

قمة الرياض: أقوال تنتظر أفعالاً

أحمد عويدات *

أخيراً، وبعد مضي 400 يوم عُقدت القمة العربية ـ الإسلامية بحضور أربع وخمسين دولة. عُقدت في ظل قمة الإبادة والتطهير العرقي في شمالي غزة، تنفيذاً لخطة الجنرالات. عُقدت في ظل التجويع المتعمد والممنهج، وقطع كل شرايين الحياة عن جباليا ومخيمها وبيت لاهيا ومشروعها. عُقدت وما زالت النار مشتعلةً في خيام النازحين في المواصي والنصيرات. عُقدت قمة المتابعة – كما سموها- والغائب الأبرز كان الشعوب العربية والإسلامية وطموحاتها، وأعداد الشهداء في غزة ناهز 44 ألفاً والجرحى نحو 104 آلاف.

تحدث الزعماء وكانت كلماتهم تنديداً واستنكاراً واحتجاجاً، وشجباً واستهجاناً وقلقاً.. بقيت كلماتهم أسيرة أروقة القاعة الفاخرة الفارهة، يتردد صداها في فراغ. بقيت كلماتهم وغابت أفعالهم، وتوزعت ابتساماتهم أمام عدسات الكاميرات التي جالت بينهم، تحصيهم عدداً وحضوراً، وتُذكّر شعوبهم بحضورهم اللافت لإنقاذ الأوضاع، واتخاذ ما يلزم بما ملكت أيمانهم، وليطمئنوا شعوبهم بأنهم قاموا بواجبهم الوطني، ووصلت أصداء كلماتهم ومواقفهم إلى أصقاع الدنيا الأربعة، قاطعةً مئات الآلاف من المسافات عبر القارات والصحارى والبحار والمحيطات، لكن لم يستطيعوا أن يدخلوا رغيف خبز، يقتات به طفل يتضور جوعاً بين ثنايا أنقاض بيته وأشلاء أجساد أمه وأبيه وأخته وأخيه. بقيت كلماتهم الجميلة الرنانة تعزف موسيقى الحزن والألم على الضحايا، لكنهم لم يستطيعوا إيصال حبة دواءٍ لمريضٍ استغاثهم «وا عرباه.. وا إسلاماه»، وجاءه الغوث من أبناء مانديلا وغيفارا وكولومبيا وأيرلندا، ومن مغيثين لا نعرف جنسياتهم.

ملأت مشاعر قادة العرب والإسلام فضاء العالم، غير أنهم لم يقدروا على إدخال قطرة ماء تطفئ ظمأ جريحٍ مُلقى على قارعة الطريق، يحتضن ابنه الذي أسلم الروح لبارئها، لكنهم أرسلوا لنا أكفاناً لأطفالنا الذين يموتون قبل أن يُولدوا. يا لفرحنا! لقد دعا الزعماء البررة من كل الأطياف: الصديق والشقيق والحليف والمطبّع والمساوم والوسيط، النزيه وغير النزيه، الصامت والمتخاذل، والضعيف والقوي، والقريب والبعيد؛ كلهم دعوا إلى «التضامن والوحدة» ونسوا إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإطعام الجائع، وصون شرف الحرائر، لكنهم – بارك الله بإيمانهم- تذكروا «المقدسات».

كل هذا وما زال المواطن العربي يتساءل: ما بال زعماء العرب والمسلمين يعقدون قمةً تلو الأخرى، وكأنهم يرون بهذه القمم سلاحاً فعّالاً، بل فتّاكاً في مواجهة العدوان المتواصل على غزة ولبنان؟ ما بالهم وهم يتناوبون على منصة المؤتمر بخطابٍ تلو خطاب، وأكثرهم أصبحوا أساتذة في الدبلوماسية وصون العلاقات الدولية. وآخرون منهمكون في متابعة رسائل جوّالاتهم، أو يراجعون بعضاً من أوراقٍ كُتبت لهم.

رائع أنهم قرروا السعي لحشد الدعم لتجميد عضوية «إسرائيل» في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبوركت جهودهم أن قرروا أيضاً المطالبة بحظر تصدير الأسلحة، وطلبوا من مجلس الأمن إلزام «إسرائيل» بوقف إطلاق النار. لكن السؤال هنا؛ هل هذا يطعم الجائعين، وينقذ المصابين والمرضى في غزة، ويقي الأطفال والنساء من فتك القذائف والصواريخ؟ وهل هذه القرارات «الحاسمة والجريئة» تنقذ لبنان من إعادته إلى «العصر الحجري»، كما هدد زعماء الإرهاب الصهاينة بذلك؟ من مرارة الواقع نتحدث، ومن استمرار نزف دماء الأطفال والنساء، ومن قساوة مشهد المجازر وهمجية العدوان وبربريته، يطالب المواطن العربي والمسلم بيقظة الضمير والإحساس بالإنسان. المطلوب أكثر من كلماتٍ جوفاء لا يتعدى تأثيرها مسامع الحضور في هذه القمة. المطلوب وقفة حازمة جادة تُفعّل فيها كل الإمكانات المتاحة لدى هذه الأنظمة (وما أكثرها).

إننا نتحدث هنا بلغة البسطاء والبعيدين عن السياسة ودهاليزها وحساباتها، فيتساءل المواطن العربي والمسلم، الذي لا حول له ولا قوة: لماذا لا يُوقف ضخ البترول والغاز إلى الدول المساندة والمشاركة بالعدوان على الأمة؟ لماذا لا تُقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع دولة الكيان وحلفائها؟ ولماذا لا تُقاطع بضائع ومنتجات الشركات الداعمة للاحتلال ومسانديه؟ لماذا لا تُقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة العدوان والإرهاب؟ ولماذا لا يُطرد السفراء الإسرائيليون؟ ولا يُوقف التطبيع؟ لماذا لا يبادر العرب والمسلمون بأنفسهم لكسر الحصار عن غزة المستمر منذ 18 عاماً؟ ويتساءل المواطن العربي والمسلم، أما آن لأمة العرب والإسلام أن تتحرك فعلاً، ليس دفاعا عن أهل غزة ولبنان فحسب؛ بل دفاعا عن شرفهم وكرامتهم المنتهكة، وعن وجودهم ومستقبلهم بين الأمم؟ ويتساءل أيضاً هل خلع العرب عباءة العروبة، وتركوا إخوة الدين إيمانهم؟ وهل اختزلَ الوطن العربي والعالم الإسلامي بمساحة صغيرة كقطاع غزة وأجزاء من لبنان، ليدافعا عن هذه الأمة؟ أما من أحد يسمع نداء وامعتصماه!

يبدو حقا أنهم مثلما قال الشاعر محمود درويش «باعوا روحهم لرومهم». واتفقوا على إنهاء وجود المقاومة في غزة ولاذوا بالصمت والتخاذل والجبن؛ فأصبحوا لقمة سائغة للبلطجة والهيمنة الأمريكية والغربية. وما زال المواطن العربي والمسلم يتساءل: ماذا فعل زعماء العرب والمسلمين في قمتهم الأولى في الرياض؟ وهل غيّرت من الواقع شيئا، أم زادته تدميراً وتجويعاً وقتلاً وإبادة؟ بل ماذا أنجزه زعماء العرب والمسلمين في القمة الأولى حتى يتابعوه في قمتهم الثانية؟

* كاتب فلسطيني

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.