حسين عبد الغني *
لأنّ العالم تحوّل إلى حلبة صراع مفتوح، لا تتوقف فيه الهجمات والهجمات المرتدة، بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى، فإنّ التنبؤ السياسي بمستقبل تطوّر ما، يظلّ حذرًا ومتجنّبًا الوصول لخلاصات جازمة خاصة في حالة “سائلة” كالتي تمرّ بها العلاقات الدولية حاليًا.
رغم ذلك يمكن اعتبار أنّ ممر “بهارات” الذي أُعلن عنه خلال قمة العشرين الأخيرة بالهند، كجولة من جولات هذا الصراع، قد نتج عنه عدد من الرابحين وآخر من الخاسرين على المدى القصير، أي بشكل مؤقت قابل للتعديل في المدى الأبعد.
- إسرائيل:
تعتبر الرابح الأول، ويكفي باختصار شديد أن نشير فقط إلى المكاسب التالية:
– أكبر نجاح تُحقّقه دولة في أيّ مشروع متعدّد الأطراف، هو أن تتبنّى الدول الداخلة فيه اقتراحًا قدّمته هذه الدولة وهذا ما تحقّق لإسرائيل. فالمشروع في مساره العربي/ الإسرائيلي قُدّم عام ٢٠١٧ من قبل وزير المواصلات الإسرائيلي آنذاك “إسرائيل كاتس” واعتمده دونالد ترامب وقتها في إطار الاتفاقات الابراهيمية.
– هذا المقترح أعادت إسرائيل إحياءه قبل فترة في تجمّع “I2U2” الذي يضمّ أمريكا والهند والإمارات وإسرائيل، وكل ما فعله جو بايدن هو أنه قام بتوسيعه ليشمل الهند- خصم الصين الحدودي والحضاري- ليضرب بها نفوذ بكين في آسيا وأوراسيا والشرق الأوسط بخلق هذا الممر المنافس لطريق الحزام والحرير الصيني.
– عدّد بنيامين نتنياهو والخبراء الإسرائيليون مكاسبهم ووصفوها بأنها “أكبر نعمة حصلت عليها إسرائيل”، وأنها تمثل قفزة تاريخية في مكانة وقيمة الكيان ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في العالم، لدرجة أنهم عدّوه ميلادًا جديدًا للدولة ربما لا يقلّ أهمية عن تاريخ نشأتها عام ١٩٤٨.
– في تقدير مؤسسة الأمن القومي لدولة الاحتلال سيجعل الممر الجديد إسرائيل- وهي الدولة الدخيلة- الأولى في الشرق الأوسط كمفصل رئيسي لحركة التجارة العالمية.
– يدمج إسرائيل إقليميًا في تطبيع فعلي دون ضجيج مع السعودية أهمّ دولة في النظام العربي حاليًا دون حلّ للقضية الفلسطينية، وربما بأسلوب جديد لا يحتاج التطبيع فيه إلى إعلان رسمي.
– مكاسب إسرائيل- على عكس باقي الفائزين- هي مكاسب فورية، وكل ما تفعله حاليًا هو أنها تفرك يديها ابتهاجًا وانتظارًا لقطف الثمار، إذ إنها من الناحية العملية جاهزة، فقد سبق وأن مدّت خط سكة حديد من الجليل الأعلى وحيفا حتى “بيسان” على نهر الأردن، ولم يعد متبقيًا من السكك الحديدية في هذا الممر إلا الجزء العربي المقترح الذي يشمل الأردن والسعودية والإمارات.
– الخطة المقترحة تزيد من عمق التحوّل الحاصل في السياسة الهندية في عهد ناريندرا مودي نحو إسرائيل، وتحوّل من كانت في عهد نهرو وانديرا حليفًا للعرب وفلسطين إلى حليف استراتيجي لتل أبيب، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أنّ نيودلهي هي أكبر مستورد في العالم للسلاح الإسرائيلي.
– من المكاسب الواضحة أنّ اتفاق الممر قادر على أن يحلّ واحدة من أخطر الأزمات الوجودية لإسرائيل وهي الانقسام الداخلي بين حكومة أقصى اليمين المتطرّف وكل من مؤسسة القضاء ومؤسسة الأمن القومي والتيار العلماني وجماهيره. هذا الانتصار يسوقه نتنياهو لحلفائه كنصر سياسي يستدعي الحفاظ عليه. أن تقوم الحكومة بتأجيل هذه التشريعات لمدة عام ونصف، وينتهي بالتالي الانقسام الوطني وينتهي معها أيضًا واحد من أخطر الخلافات التي عرفتها العلاقات الإسرائيلية الأمريكية بسبب رفض واشنطن هذه التشريعات لاعتدائها على الديمقراطية.
- الهند:
الرابح الثاني من اتفاق الممر، بدءًا من أول إصرار ‘مودي’ على تسمية الممر المقترح باسم قديم للهند، مرورًا بوضع نيودلهي الخامسة على العالم اقتصاديًا بفضل الدعم الأمريكي في وضع جيوسياسي أكبر من حجمها الاقتصادي تنافس فيه غريمتها الصين- الثانية على العالم اقتصاديًا- بما ينطوي عليه ذلك من تحريض غربي مستتر للهند أن تعود إلى طريق المنافسة والخصومة مع الصين بدلًا من طريق البحث عن مصالح مشتركة، وهو الطريق الذي بدا أنّ البلدين الجارين مالا إليه في السنوات الأخيرة، بتشجيع من موسكو واستياء من واشنطن.
– إغراءات الاستثمارات المذهلة للاقتصاد الهندي بدلًا من الصين التي تعرضها الدول الغربية واليابان تسير في سكة التلميحات الغربية نفسها التي تشير إلى قدرتها كتحالف أغنياء على إحلال الهند تدريجيًا مكان الصين في المرتبة الاقتصادية والنفوذ الجيوسياسي.
الإغراءات تشمل تلميحات إلى إزاحة العراقيل الغربية الحالية على تصدير أسلحة متقدّمة ترغب الهند فيها، وهي عراقيل أبقت الجيش الهندي إلى الآن معتمدًا بنسبة ٧٠٪ على الأسلحة الروسية وأبقته حائط صد منع حكومة مودي ذات الميول الأمريكية من معاداة موسكو في الحرب الأوكرانية. ومن شأن إزالة هذه العوائق إزالة فيتو المؤسسة العسكرية الهندية ومؤسسة السياسة الخارجية اللتين ترفضان أن تكون نيودلهي جزءًا من كتلة أو محور ومن ثم تحويل مسار الهند للاعتماد بشكل رئيسي على الأسلحة الغربية .
– في إطار سياسة أمريكا إحياء المحاور والتوترات واتخاذها الهند كحليف، ستعود علاقة الهند والصين إلى الوضع القديم وضع حافة الأزمة، وساعتها لن يعود محور الصين/ باكستان الراسخ والذي تعتبره نيودلهي موجّهًا ضدها محورًا متفوّقًا، فهنا ستصبح صداقة الهند الجديدة أهم لواشنطن بكثير من الصداقة القديمة مع باكستان.
– عمليًا قد يُضعف ممر بهارات الميزة النسبية التي تمنحها الصين في ممر الحزام والطريق لباكستان عدوة الهند، وهي جعل ميناء كوادر نقطة انطلاق أساسية في ربط تجارة الصين بالخليج والشرق الأوسط وأفريقيا.
- أمريكا:
المخطط والراعي للاتفاق من أكثر الرابحين. ويكفي لمعرفة حجم المكاسب التي حققتها واشنطن من هذه الخطوة، الإشارة في البداية إلى تقييم استراتيجي توافق عليه عدد من الاستراتيجيين الغربيين. هذا التقييم اعتبر أنّ مشروع الممر هو أهم خطوة استراتيجية اتخذتها واشنطن في القرن الـ ٢١.
ويمكن تعداد المكاسب الأمريكية في:
– توجيه ضربة عالمية للمشروع الكوني للصين الذي تبنّاه شي بينغ، وهو السعي إلى تحويل نظام القطب الواحد إلى نظام متعدّد الأقطاب. وهو المشروع الذي يعد طريق الحرير الصيني أداته الأساسية، أي أنّ الممر الجديد يهدّد بقسوة إنجاز الصين السابق في وضع نحو ٧٥ دولة في مساره.
– وإذا وضعت هذا الممر التجاري مع ممر آخر في أفريقيا تعهّدت واشنطن وبروكسل في قمة العشرين أيضًا بدعم بنيته التحتية هو ممر “لبيتو- الأطلسي” بين أنجولا والكونغو وزامبيا، نجد أنّ واشنطن تسدّد أول طلقة في الهدف لوقف ما بدا في السنوات الأخيرة كأنه هيمنة اقتصادية وأمنية متزايدة للصين وروسيا على معظم الدول الأفريقية.
– باجتذاب السعودية والإمارات للممر الهندي المنافس أضعفت واشنطن من قيمة الخطوة الهامة التي قامت بها الصين الشهر الماضي عندما ضمّت الدولتين لعضوية تجمع “بريكس”. وربما بات هذا الانضمام شكليًا وبلا قيمة فعلية، والأخطر أنه مع احتمال عودة الرياض وأبو ظبي للتغريد داخل السرب، ومع اجتذاب الهند شريكة بكين في “بريكس” لصفها، وانتقال الهند لموقع أقرب للغرب استراتيجيًا، قد تصبح عملية صنع القرار في “بريكس” بالتوافق مشلولة كما هو حال تجمّعات أخرى كالجامعة العربية.
– المكسب الأمريكي الثالث؛ هو التقدّم خطوة نحو إعادة الصين من الناحية الجيوسياسية إلى قوة كبرى إقليمية، ولكن ليست قوة كبرى عالمية، أي تخسير بكين النفوذ العالمي الذي حازته في العقد الأخير. وإذا وضعنا ممر “بهارات- التطبيع” بجانب تحركات أخرى فيما يُعرف باستراتيجية الهندي/ الباسيفيكي الأمريكية، نستطيع أن نعرف كيف تسعى أمريكا بدأب لتأليب كل جيران الصين عليها وإشعال كل الصراعات الحدودية والتاريخية بينهم، وبالتالي إشغال الصين في نفسها وإقليمها وليس مزاحمة واشنطن على قيادة العالم .
– بمقتضى اتفاقية الممر بين الهند والسعودية والإمارات وإسرائيل والأردن، نقلت واشنطن الهند إلى مرتبة سياسية دولية أعلى، أي إلى مرتبة الحليف الأول الجيوسياسي مع دول الجنوب في مبادرتها العالمية المعروفة بدعم البنية التحتية والاستثمار.
– بعد انسحاب وتراجع في الهيبة عادت واشنطن بهذا الاتفاق إلى الشرق الأوسط بقوة وأعادت الحرارة إلى علاقة كان أصابها الفتور مع السعودية، واستردت جزءًا من نفوذ كانت خسرته لصالح الصين وروسيا بسبب الأسلوب الذي اعتُبر متعجرفًا مع بعض قيادات المنطقة. إنّ بايدن الذي ظهر معزولًا في العامين الماضيين وكأنه فقد صداقة ولي العهد السعودي ورئيس دولة الإمارات، وأنه جاء لتصفية حساب ما يُعتقد أنه انحياز الرياض وأبو ظبي لترامب والجمهوريين ومكافأة جارتهم قطر بإعطائها وضع عضو في “الناتو” على ما يُعتقد أنه دعم منها للديمقراطيين، يأتي هذا العام ومن نيودلهي ليثبت أنه ما زال قادرًا على استعادة هذه الصداقة بشكر حار للشيخ محمد بن زايد لدوره الكبير في إنجاز اتفاق ممر بهارات، والإعلان بصوت عال ليسمعه الأمير محمد بن سلمان أنّ هذا المشروع يبرز دورًا قياديًا للسعودية.
– مع إدماجها السعودية في اتفاق اقتصادي مع إسرائيل تكون قد حققت خطوة فعلية في مسعاها لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وهو التطبيع الذي يحيي بقوة آمال واشنطن في إعادة هيمنتها المطلقة على هذه المنطقة عبر ركيزتين مترابطتين، الأولى؛ بناء تحالف إقليمي أمني يضمّ إسرائيل ومصر والأردن ودول الخليج، والثانية؛ إقامة هذا الحلف أساسًا ليواجه إيران وحلفائها، بعبارة أخرى يمثّل اتفاق الممر الجديد فرصة لواشنطن لإفشال اتفاق التطبيع السعودي- الإيراني وإزاحة النفوذ الصيني الذي ترتّب عليه باعتبارها الدولة الراعية للاتفاق.
– ربما يكون سابقًا لأوانه التأكّد من هذا المكسب؛ لكن هذا النجاح الأمريكي قد يسهل الاستجابة لطلبات تسليح سعودية وإماراتية متقدّمة بضوء أخضر اسرائيلي لتسهيل التطبيع، وهي طلبات كانت واشنطن رفضتها في السابق. وإن حصل ذلك فإننا قد نشهد تباعدًا كبيرًا في سلوك الرياض الاستقلالي الذي تباين واختلف كثيرًا عن واشنطن في السنوات الثلاث الأخيرة، مقابل توافق وتناغم أكثر مع السياسات الأمريكية كما كان الحال في الماضي.
أما الخاسرين الثلاثة من إبرامه، وهُم: القضية الفلسطينية وإيران والصين:
- القضية الفلسطينية:
هذا الاتفاق كما استهدف فوزًا تاريخيًا لإسرائيل استهدف أيضًا هزيمة القضية الفلسطينية هزيمة تاريخية وإحالتها إلى متحف التاريخ. فهو من الناحية العملية ينقل الشرق الأوسط كلّه إلى فصل جديد تمامًا، فإذا كان هدف “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”وادي عربة” – أمريكيًا وإسرائيليًا – هو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، فإنّ اتفاق التطبيع بين الخليج وإسرائيل بساتر أو “ساري” هندي يهدف إلى الانتقال لإدماج إسرائيل بشكل تام في المنطقة دون المرور ببوابة الدولة الفلسطينية و”حلّ الدولتين” الذي أصبح في هذا التصوّر أمرًا من الماضي.
يقول الإسرائيليون بصلافة إنّ الاتفاق يثبت صحة وجهة نظرهم أنّ العلاقات التجارية والاقتصادية والتحالف الأمني مع العرب السنّة ضد إيران كافٍ لإقامة شرق أوسط مزدهر ومستقر، وأنّ القضية الفلسطينية لم تعد أولوية متقدّمة أو أولوية من أيّ نوع لدى الدول العربية.
من الناحية المقابلة هذه هزيمة كاملة للسردية الفلسطينية والعربية حتى في حدود النظام الرسمي العربي وليس الموقف الشعبي، وهي السردية التي تعبّر عنها المبادرة العربية التي تقول إنّ دمج إسرائيل في المنطقة مرهون بانسحابها من الضفة الغربية وقيام دولة فلسطينية مستقلة تضمّ الضفة وغزة وتكون القدس الشرقية عاصمتها.
إذا أضفنا إلى ذلك مقترحًا أمريكيًا بمدّ الخط الحديدي الإسرائيلي في ممر بهارات إلى أراضي السلطة الفلسطينية لعرفنا أنّ ذلك سيحقق هدف إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية برفع الصفة السياسية الوجودية عنها وتحويلها إلى معالجة للمعيشة اليومية للفلسطينيين “المساكين!!”، كما يمكنها من مسعاها تحويل السلطة إلى مؤسسة إدارية تابعة للاقتصاد الإسرائيلي تحيا به وتموت من غيره، بالتوازي مع مسعاها جعلها أداة أمنية عازلة بين المقاومة وبين الجيش والشرطة.
والمسعى الأخير شهد نشاطًا أمريكيًا وإسرائيليًا مثيرًا للشبهات، إذ تشير مصادر إسرائيلية إلى موافقة نتنياهو- بعد أن أقنعته إدارة بايدن أنّ ذلك سيساعد في تسهيل خطوات التطبيع الإقليمي- على نقل مركبات مدرعة وأسلحة متطورة ومعدات تنصّت وحرب إلكترونية من الأراضي الأردنية إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي معدات وفّرتها إدارة بايدن إلى السلطة الفلسطينية بهدف زيادة قدرتها على كبح عمليات المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في جنين ونابلس وطولكرم.. إلخ.
بعبارة أخرى، في مناخات الممر الجديد وخطواته الموازية عى المسار الفلسطيني، قد تدفع عسكرة السلطة إلى حافة حرب أهلية فلسطينية تصبح معها حرب انفصال غزة المريرة ٢٠٠٧ نزهة رياضية.
الخسارة الفلسطينية الأفدح هي ما يبدو أنّ قدرة الفلسطينيين حتى على مجرد رفض خطوات التطبيع مع إسرائيل قبل حلّ قضيتهم كما فعلوا منذ “كامب ديفيد” مرورًا بصفقة القرن وصولًا لاتفاقات إبراهام لم تعد موجودة. وتنقل مصادر متعددة أنّ السلطة الفلسطينية أبلغت أطرافًا عربية أنها لن تهاجم تطبيع الممر الجديد أو حتى إعلان تطبيع كامل للرياض مع تل أبيب لاحتياجها للسعودية ماليًا وسياسيًا كأكبر قوة عربية حاليًا.
بعبارة أخرى يحق لليمين العنصري الحاكم في إسرائيل أن يتباهى بتحقّق مقولاته من أن “الفلسطينيين لم يعد لهم حق الاعتراض على علاقات تنشئها الدول العربية مع إسرائيل، وإنّ القضية الفلسطينية لم تعد تمنع الدول العربية من إقامة علاقات دبلوماسية وعلاقات مصالح مشتركة مع اسرائيل”.
- إيران:
خاسر كبير آخر من هذا التطور، ليس فقط بالمعنى الاستراتيجي العام باعتبارها عضوًا أصيلًا في المحور الصيني الروسي الساعي لنظام متعدّد القطبية فتخسر عندما يخسر حلفاؤها، ولكن بصفة خاصة ومباشرة.
فالاتفاق حول ممر بهارات بما يعيده من حرارة في علاقات واشنطن الرياض يهدّد المكسب الاستراتيجي الذي حققته طهران من توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع السعودية في مارس من هنا العام، وهو فكّ الطوق الذي أحاطته بها واشنطن وتل أبيب في العقد ونصف العقد الماضيين وعزلتها به عن محيطها الإقليمي في الخليج والعالم العربي بتحويل طهران إلى الخطر الذي يهدّد استقرار المنطقة وأنّ استعادة الاستقرار لن يتمّ إلا بتحالف (عربي سنّي/ إسرائيلي) يواجه إيران الفارسية الشيعية.
العلاقات الاقتصادية والعسكرية الجيّدة بين الهند وإيران، بما في ذلك ممر تجاري هندي برّي تحت الإنشاء يمر عبر إيران لوسط آسيا قد يتهدّدها أيضًا التطوّر الجديد مع احتمالات أن تتراجع الهند عنه أو على الأقلّ تعطي أولوية للممر الجديد مع الضفة الأخرى للخليج.
- الصين:
هي الخاسر الأكبر من النقلة الأمريكية الاستراتيجية في قمة العشرين سواء ممر الهند- الخليج- إسرائيل أو ممر ليبوتو- الأطلسي في أفريقيا الجنوبية، كما تمت الإشارة في المكاسب الأمريكية. فالنفوذ الشرق أوسطي والأوراسي والأفريقي الذي حازته بكين بصبر ودأب واستثمارات هائلة في العقد الأخير بات مهددًا، وتجمّعات بريكس وشنغهاي التي تعوّل عليها قد تضرب من الداخل بحصان طروادة هندي أو عربي أو أفريقي أو آسيوي.. لا أحد يعرف من أين ستأتي الضربة.
لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه بكين هو ما أثبتته الخطوات الأمريكية الأخيرة من فارق كبير في الميكيافيلية والجرأة الشديدة والقدرة على أخذ المخاطرة التي يتميّز بهما المخطّط الأمريكي عند مقارنته بالحذر والتردّد وتعقّد الحسابات عند المخطّط الصيني.
خذ عندك تنازل الولايات المتحدة الميكافيلي عن دعوة زيلينسكي للقمة وهي التي كانت قد أصرّت على حضوره في القمة السابقة، وخذ عندك تنازلها عن أن يدين البيان الختامي للقمة روسيا في شنّها الحرب على أوكرانيا كما أصرت على ذلك في بيان قمة العشرين السابقة.
قدّمت واشنطن هذه التنازلات- مؤقتًا- في قضية حيوية لديها حتى تستطيع تمرير اتفاقية الممر الاستراتيجي الذي يدفع بكين في المكانة الدولية للوراء ويعيد المنافسة العالمية على القيادة لصالح الولايات المتحدة ومجدها الامبراطوري.
الاستعادة النسبية لثقة دول الخليج العربية والثقة لدى بعض الأفارقة بممر “لوبيتو” وقبول مطلب دول الجنوب المزمن بإعادة النظر في شروط القروض وطريقة عمل البنك الدولي الذي يكرهه الأفارقة، هي مكاسب خاطر الأمريكيون في قمة نيودلهي في مقابلها بتنحية الأولوية الأوكرانية المهيمنة منذ نحو سنتين على جدول الأعمال الأمريكي.
فهل يخاطر المخطط الصيني ويعمل على كشف أنّ أمريكا وحلفاءها لم يرصدوا المبالغ الكافية الهائلة المطلوبة لإنجازهم مشاريع غربية عديدة للتنمية في أفريقيا، خصوصًا تلك التي تمّ الوعد بها ولم تتمّ فعليًا وكانت عملية دعائية فحسب؟. هل يغامر الصينيون بضخّ مبالغ أكبر وإنجاز مشروعات الحزام والطريق بصورة أسرع مع دول الجنوب فتكون فوائد التحالف معهم واضحة وضوح الشمس للقادة والشعوب في أفريقيا وآسيا؟.
* كاتب صحفي وإعلامي ومحلل سياسي مصري
المصدر: “عروبة 22“