الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

التوثيق التاريخي وتوثيق الذاكرة

يأتي رأي الموقع بداية هذا الشهر مع زحمة من التغييرات والتحولات الإقليمية والدولية مع نهاية العام الحالي وتسلم الإدارة الأمريكية الجديدة، مترافقاً باستمرار انحسار دور إيران وحلفها المشبوه، ويأتي كذلك بسيطرة المعارضة السورية شبة الكاملة على مدن حلب وإدلب و حماة و أريافها، ثم البدء بتحرير ريف حمص الشمالي على طريق تحريرها وجميع المدن السورية كاملةً، وهذه العملية الكبرى استمدت زخمها السريع من الرغبة والاستجابة الشعبية لهـا.

فالشعب السوري في أربع أرجاء سورية ضاق ذرعاً من ممارسات نظام القتل والنهب واللصوصية القابع بدمشق، وحالة الاحتقان والوضع الحالي السائد في عموم سورية يتحملهما فقط النظام الأسدي الفاشي المجرم، وأن الناس مستعدون للتجاوب مع أي جهة تساعد في إنقاذهم من الجحيم الذي وَضعهم فيه؛ فلا تدفئة ولا مواصلات، والجوع منتشر ومستشرِ، وهناك افتقاد لأدنى متطلبات الحياة، فحين تقتحم قوى الثورة والمعارضة التي حررت حلب وإدلب لكي تحرر أي مدينة سورية أخرى ستُسّتقبل بالورود والزهور، وستدخل إلى كل المدن بنفس السرعة والسهولة التي دخلت فيها إلى حلب وإدلب حماة.

إن الحكم بالسياسة ينبع من الناس ويُعبّر عنهم، فأن تُعبّر عن الناس يستدعي الأمر أن تختلط بهم وتتعرف عليهم وتُصاب بما يصيبهم، والسياسة بالأساس تفترض أن تخرج الآراء والقرارات ونتائج الانتخابات من الناس، ولا تهبط عليهم من فوق، لأن الناس لا يحبون ما يهبط عليهم من فوق إلا إذا كان وحياً إلهياً، وهذا لا علاقة له بالسياسة.

كذلك فإن السياسة هي علاقة موضوعية بين الناس، علاقة اتصال وتواصل وحوار ونقاش معرفي مُوثق، إنها علاقة مع الذات الإنسانية وعلاقة شكٍ ويقين؛ يُسائلُ فيه الفرد الآخرين وفي الوقت نفسه يُسائل نفسه، فهي عملية يختلطُ فيها الفردي بالجماعي ولا ينتج القرار إلا كمحصلة لهذا الاختلاط المعرفي والنقاش العام المسؤول، وبنفس الوقت بالتساؤل على جميع الأصعدة، ويتشكل من هذه العملية ما نسميه بالرأي العام، هذا الرأي العام يُخيف الزعيم أو المسؤول الذي يُخفي المعلومة والوثيقة.

ففي نظام الاستبداد يخاف الناس من المستبد وأجهزته، والنظام السياسي بطبيعته مبني على الحوار والنقاش والمعرفة والتواصل بين الناس، بينما الاستبداد مبني على الأمر، وإن من حق جميع الناس الوصول إلى جميع المعلومات عما يدور في أروقة السلطة والمجتمع واتخاذ القرار- إلّا ما هو مُصنّف بالضرورة أمناً قومياً- وأنه في نظام الاستبداد كل المعلومات عن السلطة هي تخمينات وإشاعات، فنظام الاستبداد يعمل بالسر لا بالعلانية.

وهنا تتبدى أهمية التوثيق التاريخي، الذي هو أداة أساسية لفهم الماضي، وتأطير الحاضر، والاستعداد للمستقبل؛ يتجاوز كونه مجرد عملية حفظ للأحداث أو الحقائق، ليصبح ممارسة حيوية تساهم في بناء الهوية، وتعزيز الوعي، وتشكيل وعي الأجيال المقبلة. في الوقت ذاته، يُعد توثيق الذاكرة البشرية وسيلة شخصية وجماعية للاحتفاظ بالخبرات والتجارب الفردية والمجتمعية، مما يمنحها استمرارية وقيمة معنوية عبر الزمن.

وهو عملية منهجية تعتمد على مصادر متعددة، مثل الوثائق الرسمية، الروايات الشفوية، الأدبيات، في عالمنا اليوم، أصبح التوثيق يشمل الوسائط المتعددة كالفيديوهات والصور الرقمية، ما يُضيف أبعاداً جديدة لهذا المجال.

وهي إضافة إلى كونها تحفظ الهوية الوطنية والثقافية فيتمكن الأفراد من فهم ماضيهم المشترك و هذا بدوره يعزز شعورهم بالانتماء لوطنهم وثقافتهم وخاصة في ظل العولمة والتحديات التي تواجه الثقافات المحلية، أيضاً في إرساء للعدالة التاريخية فالتوثيق أداة أساسية في مواجهة محاولات طمس الحقائق أو تزييف التاريخ، وضمان لسماع أصوات الضحايا، ليس أدل على ذلك من قدرة الناشطين السوريين (ضحايا، إعلاميين، حقوقيين…) عبر هذا التوثيق على إيصال بعض مجرمي الحرب في سوريا لآليات المحاسبة والمساءلة لمفهوم العدالة الدولية.

هذا من جانب ومن جانب آخر فهو خطوة هامة للتعلم من درس التاريخ لتفادي أخطاء الماضي، وبالتالي المساهمة في توسيع القاعدة المعرفية للأجيال القادمة.

بهذا المنطق وهذه الرؤية تم تأسيس موقعنا هذا الحرية أولاً  قبل حوالي خمس سنوات، والذي كان هدفه توثيق مرحلة هامة من نضالات شعبنا السوري خاصةً والعربي عامةً من خلال تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي العربي منذ تأسيسه عام 1964 والفكر السياسي للدكتور جمال أتاسي (1922- 2000) أيضاً حتى انطلاق الثورة السورية العظيمة في آذار 2011، وكذلك لجسّر هوة غياب التوثيق التاريخي لمرحلة من تاريخ سورية شارك به حزبٌ سياسي ديمقراطيٌ وحدوي ناصري ساهم برسم ملامح سورية العربية ودفعَ الحركة الوطنية الديمقراطية المعارضة طيلة عقود.

وعليه فقد تم، على سبيل المثال ، نشر 185 مادة توثيقة منها:

️ كتاب “في الفكر السياسي بجزأيه الأول والثاني” للمؤلفين الأربعة الكبار عبد الكريم زهور، الياس مرقص، جمال أتاسي وياسين الحافظ على مدى 56 حلقة.

المثقفون الديمقراطيون وثورة الشعب الثقافية للدكتور جمال أتاسي رحمه الله ومن منشورات حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي.

إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر وعلى فكره الاستراتيجي والتاريخي كتاب من مؤلفات الدكتور جمال أتاسي رحمه الله على مدى 14 حلقة.

سلسلة حرب تشرين والمستقبل العربي التي كتبها الدكتور جمال أتاسي رحمه الله ومن منشورات حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في 6 حلقات.

️ كتاب الحوار مقدمة العمل، والديمقراطية غاية وطريق من مؤلفات الدكتور جمال أتاسي رحمه الله ومنشورات حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي- والذي شكل ركناً أساسياً في تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي- على مدى 13 حلقة.

حوار شامل مع الدكتور جمال الاتاسي عن الناصرية والناصريين على مدى 9 حلقات.

بيان إلى الشعب.. من أجل الحرية والديمقراطية والتغيير الصادر عن التجمع الوطني الديمقراطي في منتصف آذار 1980.

️ إضافة إلى وثائق بعض المؤتمرات وبعض النشرات الدورية التي صدرت عن الحزب.

لقد تجاوزنا الكثير من التحديات والصعوبات في سبيل الحصول على الوثائق، فلم يكن متاحاً في ذلك الوقت إلا الحالة الورقية للوثائق وكانت تُحفظ في ظروف غير طبيعة شديدة السرية خشية المنع والمداهمة داخل سورية، لأنها قد تُعرّض صاحبها للاعتقال في حال وُجدت في بيته، ومع ذلك فقد ضاع الكثير منها وفُقد في زحمة الاعتقالات وبين أنقاض البيوت التي هدّمت فوق رؤوس أهليها، أضف إلى ذلك خوف الكثير من الأخوة من التواصل بسبب شدة التضييق الأمني ومراقبة الاتصالات والتواصلات..

لهذا السبب متمثلاً بشح الوثائق واستحالة الوصول إليها، سيتوقف النشر الدوري في الموقع وسيقتصر على النشر حين توافر أي وثيقة من وثائق تلك الحُقبة الزمنية.. شاكرين تفهم قراءنا الأعزاء لهذا القرار متمنين منهم تزودينا بأية وثيقة قد تكون بين أيديهم لنقوم نحن بدورنا بالتحقق منهـا ونشرهـا.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.