بشير البكر *
جاء انعقاد القمة العربية الإسلامية في الرياض، الاثنين الماضي، ليكسر جليد الصمت الذي هيمن على هذا العدد الكبير من الدول تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية في غزّة. وقد تكون متأخّرة جدّاً، وبلا نتائج مهمّة، مثل سابقتها التي التأمت في المكان والتاريخ نفسيهما قبل عام، لكن انعقادها أفضل من استمرار الحال على ما هو عليه من عجز وتنكيس للرؤوس في الرمال. ويشكّل اللقاء في حدّ ذاته مناسبةً لتحريك القضية، حتى لو لم تُحلّ، من دون أن يُعفي هذا أحداً من الحاضرين من المسؤولية السياسية والأخلاقية، والاكتفاء بالحدّ الأدنى، المتمثّل بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وفي لبنان، وإصدار بيان يطالب مجلس الأمن بقرار ملزم لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً، وتحميل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات.
تعمل الأمم المتحدة منذ عام وحدها من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزّة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ومواجهة الإجراءات الإسرائيلية لمنع عمل مؤسّساتها الأممية في القطاع، وخاصّة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، التي اتّخذت اسرائيل قراراً رسمياً بحظرها، ومنع أمينها العام من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولذلك تحتاج المنظّمة الدولية إلى من يقف بجانبها، ويدعم جهودها ومبادراتها، ويساند مساعيها التي تواجه رفضاً إسرائيلياً و”فيتو” أميركياً طيلة عام، ومن شأن الموقف العربي الإسلامي أن يشكّل قوةً دافعةً لها، ويسلّحها بورقة قوة في مواجهة السياسات الإسرائيلية، خاصّة أنها مطالبةٌ بالعمل لترجمة دعوة القمة لإصدار قرارٍ ملزمٍ بوقف الحرب.
عدم تحرّك العرب والمسلمين من أجل ترجمة قرارات القمة السابقة، التي انعقدت في الرياض من أجل غزّة، ترك الساحة الدولية فارغةً أمام إسرائيل، التي لم تواجه ضغطاً دولياً فعلياً يجبرها على وقف حرب الإبادة، ويكمن القصور في أن قرارات القمة السابقة لم تضع آليةً من أجل تنفيذها، وخاصّة على مستوى تحدّي الحصار الإسرائيلي، ومُجرَّد عقد القمة أخيراً يعبّر عن استيعاب هذا الدرس، لكنّ العبرةَ تكمن في الاستفادة منه، وذلك باتخاذ خطوات جريئة لنجدة أهل غزّة، الذين يواجهون حرب إبادة وتجويع من أجل دفعهم إلى الهجرة إلى الخارج، وتؤكّد ذلك الإجراءات العسكرية الجارية في شمال قطاع غزّة، من أجل تفريغه من سكّانه بصورة نهائية، تمهيداً لاستيطانه من جديد.
لا يكفي أن يلتقي العرب والمسلمون من أجل غزّة ولبنان ويلقوا كلمات، تندّد بجرائم إسرائيل ومخطّطاتها التوسّعية، وتتضامن مع شعبي غزّة ولبنان، كما ليس بالبيانات يمكن دفع إسرائيل إلى وقف الحرب، بل بالانتقال من الكلام إلى الفعل، وهذا يتطلّب مواقفَ جادّةً من بعض دولها مثل مصر، قبل التحرّك نحو الدول المؤثّرة وفي طليعتها الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، من أجل التوصّل إلى موقف ضاغط على إسرائيل يوقف الحرب قبل كل شيء، وما لم يبادر العرب والمسلمون، ويطبّقوا قراراتهم على أنفسهم، ستبقى البيانات حبراً على ورق، وسينسى العالم مؤتمرهم، مثلما حصل لمؤتمرهم السابق، الذي لم يساعد في وقف الحرب.
الوضع في منطقة الشرق الأوسط على درجة عالية من الخطورة، وما لم تُوقَف إسرائيل عند حدود القانون الدولي، فإنها سوف تتمادى أكثر، وتذهب في حربها أبعد ممّا هي عليه اليوم، وعندئذ لن تقف الكوارث عند حدود فلسطين ولبنان، بل ستمتدّ إلى العديد من البلدان العربية، وستشهد المنطقةُ انهياراتٍ تعقبها انفجاراتٌ وحروبٌ وتغييرٌ في الخرائط، ومن هنا يشكّل اللقاء العربي الإسلامي فرصةً مهمّةً، قبل أن يتأخّر الوقت، ويغرق العالم العربي في فوضى، تكون إسرائيل المستفيد الوحيد منها.
* شاعر وكاتب سوري
المصدر: العربي الجديد