محمد المنشاوي *
مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وفوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلسي الكونجرس، تنتقل موازين القوة الأمريكية لتتمحور حول شخص الرئيس الذي نجح في دفع الحزب الجمهوري وأغلبية الشعب الأمريكي تجاه اليمين الشعبوي بما يملكه من راديكالية في التعامل مع القضايا الداخلية التي تهم الأمريكيين، والقضايا الخارجية التي تهم بقية العالم.
ولا يجب أن يتوقع أحد أن تلعب المؤسسات الأمريكية البيروقراطية الراسخة دوراً كبيراً في فرملة أو عرقلة خطط ترامب أو تفضيلاته. تعلَّمَ ترامب الكثير من فترة حكمه الأولى، وستتغير طريقة اتخاذ القرار داخل البيت الأبيض، ولن تكون قرارات السياسة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط استثناءً. وستحدد هذه السياسات وتُتخذ القرارات المتعلقة بها طِبقاً لما يفضله السيد الرئيس، وليس بالضرورة بناء على خدمة المصالح أو الثوابت الأمريكية المتعارف عليها.
وعلى الرغم من لعب المؤسسات الفاعلة كوزارتي الخارجية والدفاع وأجهزة الاستخبارات المختلفة أدواراً أساسية في عملية صنع القرار، كما هو الحال، مع اللجان المتخصصة في مجلسي الكونجرس، طغى ترامب وخلفيته بصورة كبيرة على هذه المؤسسات بسلسلة من التعيينات ضمنت وفاقاً تاماً في الآراء، وولاءً كاملاً للسيد الرئيس.
- • •
مع وصول ترامب للبيت الأبيض، أصبح التعامل الحاسم سلماً أو حرباً مع إيران أكثر احتمالاً من الجانب الأمريكي، وإيرانياً، يذهب البعض للدفع باتجاه الإسراع نحو امتلاك سلاح نووي. لكن التأثير الأكبر سيكون على فلسطين والفلسطينيين. وتظهر اختيارات ترامب لفريق الأمن القومي والسياسة الخارجية ليس فقط لإعطاء الضوء الأخضر لكل ما تريد إسرائيل القيام به، لكن سيدفعها للقيام بالمزيد. وإن كان الرئيس الحالي جو بايدن قد أعطى إسرائيل الضوء الأخضر والأدوات اللازمة للإبادة الجماعية في قطاع غزة، سيمنحها ترامب الغطاء لـ«إنهاء المهمة». ويؤمّن الكثير ممن اختارهم ترامب بحق إسرائيل في الضفة الغربية، ولا يؤمنون بحق الفلسطينيين فى دولة خاصة بهم.
يُعد أفضل دليل للتنبؤ بما سيفعله ترامب في فترة ولاية ثانية هو ما فعله كرئيس في فترة حكمه الأولى. ومن المُرجح أن يحاول ترامب دفع الاتفاقيات الإبراهيمية إلى الأمام، سعياً لتطبيع سعودي إسرائيلي يُدخله قائمة المتنافسين على جائزة نوبل للسلام التي يحلم بها. في مقابلة الشهر الماضي مع قناة العربية، قال ترامب إن السلام بين إسرائيل والسعودية سيكون «أولوية مطلقة» إذا فاز في الانتخابات.
على الرغم من وعد ترامب، إلا أن الإشارات القادمة من المملكة العربية السعودية تشير إلى أن التطبيع الذي طال انتظاره سيكون أكثر صعوبة الآن مما كان عليه عندما ترك ترامب منصبه في عام 2021.
وقال ولى عهد السعودية محمد بن سلمان في قمة الرياض قبل أيام، والتي جمعت الدول العربية والإسلامية، إن إسرائيل ارتكبت «إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني» ودعا كذلك إلى احترام «سيادة جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة».
تصريحات بن سلمان هي جزء من تقارب حذر بين الرياض وطهران منذ آذار/ مارس 2023، عندما توسطت الصين في اتفاق بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين البلدين.
ستشهد الأسابيع القادمة ضغطاً إسرائيليا لتصفية القضية الفلسطينية، والقفز للتطبيع مع السعودية، لكن ربما تكون رغبة ترامب في تشكيل شرق أوسط جديد بها ما يُمّكن للجانب العربي والفلسطيني استغلاله لجعل هذه الخريطة معبرة، ولو بحد ضئيل، عن تفضيلات الجانب العربي.
- • •
قبل خمس سنوات، اقترحت خطة الرئيس السابق دونالد ترامب لما بات يعرف باسم «صفقة القرن»، إقامة دولة فلسطينية، ولكن مع العديد من الشروط والقيود المهمة التي دفعت الجانب الفلسطيني لرفضها.
وتضمنت الصفقة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن التفاصيل كشفت عن نية إدارة ترامب تصفية القضية من خلال عدة نقاط وشروط. ومن أول هذه الشروط أن هذه الدولة الفلسطينية ستنشأ على حوالى 70٪ من أراضي الضفة الغربية، مع بقاء المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة بها، وحيث يعيش ما يقرب من 750 ألف مستوطن تحت السيطرة الإسرائيلية. وأظهرت الخريطة التي قدمتها خطة ترامب أن الدولة الفلسطينية ستتألف من جيوب منفصلة تربطها طرق، مع احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على الأمن العام والعديد من المناطق الرئيسية. وبموجب الخطة، والتي كشف عنها بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، أعطى الفلسطينيين عاصمة في القدس الشرقية، لكنها لن تكون ذات سيادة، وستكون موجودة في مناطق القدس الشرقية خارج المناطق الأمنية الإسرائيلية. وتضمنت الخطة بنوداً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية على حدود الدولة الفلسطينية ومجالها الجوي وبعض وظائف الأمن الداخلي. كانت الفكرة هي أنه سيتعين على الحكومة الفلسطينية المستقبلية إظهار التعاون الأمني مع إسرائيل، ويمكن للجيش الإسرائيلي أن يعمل فى مناطق معينة إذا اعتبر ذلك ضرورياً لأغراض أمنية. وتضمنت الخطة انتفاء حق العودة، واقترحت بدلاً من ذلك، إعادة توطين اللاجئين في الدولة الفلسطينية المقترحة أو في بلدان ثالثة.
وفشلت صفقة القرن في تلبية الحد الأدنى من المتطلبات لدولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، ولم تعالج القضايا الأساسية مثل الحدود أو اللاجئين أو وضع القدس بطريقة عادلة ومنصفة.
- • •
يبقى الفلسطينيون العامل الحاسم والمعيار الواقعي للحكم على نجاح أو فشل ترامب في إعادة تشكيل المنطقة. وبعد تدمير إسرائيل لقطاع غزة رغم استمرار المقاومة حتى الآن، تبقى الكلمة الأخيرة في الملعب الفلسطيني، وتحديداً لدى السلطة الفلسطينية في رام الله، وكيف ستتعامل مع واقع جديد وقاس. هل ستقبل بأي فتات يتركه لها التحالف الإسرائيلي الأمريكي، أم تلقي بالكرة في وجه الآخرين بإعلان حل نفسها والانسحاب من اتفاقيات أوسلو، وعودة منظمة التحرير الفلسطينية للعمل على تحقيق هدف استقلال فلسطين وتحريرها من الاحتلال؟
* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن
المصدر: الشروق