الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حربٌ إسرائيلية على العالم

مالك ونوس *

حين وقف رئيس مجلس الحرب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، قبل أشهر، متحدّثاً عن دور كيانه في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، قال إن الأمر ليس صداماً بين الحضارات، في وصفه ما يعدّه صراع دولة الاحتلال الإسرائيلي والغرب مع الإسلام، بل ابتدع صراعاً يبرزه بطلاً عالمياً حين تحدّث عن صدامٍ بين الحضارة و”البربرية”. ولم ينسَ أن يعطي كيانه دوراً دولياً في حماية الحضارة نيابةً عن كل الدول، مشرِّعاً لنفسه استخدام كل الأدوات المتاحة له لمحاربة تلك “البربرية” التي حصرها بإيران و”محورها”، “محور الإرهاب”، كما سماه. ويأتي هذا التنظير لحروب مستقبلية يشنها كيانه مع المضي بالمشروع العدواني الذي أَعلَن عن بدء تنفيذه مع أعلانه الحرب على غزّة قبل أكثر من سنة، مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقسم المنطقة إلى جبهتين، لن يتأخّر الصدام بينهما، إن تماشى زعماء المنطقة المعنيين مع جنونه.

وفي قاعة الكونغرس، تنافخ نتنياهو كثيراً حتى وصل الأمر به درجة من المغالاة قال فيها للأميركيين “عندما نمنع إيران من امتلاك السلاح النووي فإننا بذلك … لا نحمي أنفسنا فحسب، بل إننا نحميكم”. وفي هذا، يبدو نتنياهو وكأنه يقزِّم القوة الأميركية، أو يرسلها إلى التقاعد، لينيط ببلاده الدور الذي أناطته أميركا بنفسها عقوداً، دور شرطي العالم. وليس غريباً أن نتنياهو قد اتخذ الدعم الأميركي الدبلوماسي والعسكري منقطع النظير، ومن ثم الشرعية عبر التصفيق الطويل والمتكرر الذي تلقاه من المشرِّعين الأميركيين على كلامه، تفويضاً يستغله ليوجه حرابه لمن يشاء، وليهدد سلام المنطقة برمتها كما يشاء. وبالاعتماد على تفويض الأميركيين ودعمهم، ومشروعه للشرق الأوسط، يمكن تصنيف الضربة الكبيرة التي وجهها سلاح الطيران الإسرائيلي لدفاعات إيران الجوية وبعض منشآت تصنيع الصواريخ، وغيرها من المنشآت العسكرية، صبيحة يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في إطار الصدام الذي تحدث عنه. كما يمكن أن تكون بداية تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، وربما استفتاحاً لحروبٍ إسرائيلية تطاول شظاياها العالم، حروبٌ لم يُخفِ سياسيون إسرائيليون من مجانين اليمين الديني الفاشي الرغبة في شنها من أجل تحقيق حلمهم بـ”إسرائيل الكبرى”.

ربما يُعدُّ استخدام كلمة بلاء توصيفاً متواضعاً عند الحديث عن الكوارث المتوالدة التي تسببها دولة الاحتلال للشعب الفلسطيني ولشعوب الدول المجاورة. غير أن ما لا يتحدث عنه كثيرون هو ذلك التحدي الذي يواجه السلام الدولي جراء الحرب الإسرائيلية على الشعبين الفلسطيني واللبناني، والتهديدات الدائمة التي تتضمنها خطط الإسرائيليين لتغيير الشرق الأوسط ليصبح على مقاسهم، لما يمكن أن تسبّبه هذه الخطط من قلاقل وتهديدات أمنية لدول العالم. وإذا كان منع عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وواقعة قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة مواقع لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، في العاشر من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، بمثابة التحدّي للمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن قصف مواقع “يونيفيل” يُعدُّ، من جهة أخرى، تهديداً ورسالة تحدٍّ للدول المشاركة في هذه القوات الأممية، ومنها دولٌ أوروبية نالت نصيبها من الضرر جراء الضربات الإسرائيلية. ثم كان التهجم على أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وغيره من مسؤولين أممين وزعماء في أوروبا وخارجها ممن انتقدوا الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان، ليشكل رسالة واضحة يريد الإسرائيليون أن يغرسوها في رؤوس كل المعنيين، ضحايا في المنطقة، أو متفرجين في العالم، مفادها بأننا سنهدّد كل من نرى فيه خطراً علينا، وسنضرب أينما نشاء ونقتل من نريد، ولن يستطيع أحد إيقافنا أو حتى توجيه مجرد انتقادٍ أو لومٍ لنا.

وبعد أن تَحصَّل نتنياهو على شرعية من الكونغرس الأميركي في خطابه الذي ألقاه أمامه، في 24 يوليو/ تموز الماضي، لمهاجمة كل من يرى فيه تهديداً لكيانه، وهو ما فعله بمهاجمته إيران ولبنان، قصد الأمم المتحدة، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، ليلعب على أوتارٍ جعلتها حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني تطلق نغمات ناشزة. أراد نتنياهو في الأمم المتحدة، وعبر خرائط رفَعَها أمام قلةٍ بقوا في القاعة بعد أن غادرها زعماء دول ودبلوماسيين حين بدأ إلقاء خطابه، أن يبرر حربه على الشعب الفلسطيني والهجمات على لبنان وسورية واليمن، كذلك الهجمات التي خطط لتنفيذها على العراق وإيران. وحين قال مهدداً بلهجته العدائية الدائمة: “لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه. وهذا ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”، أراد أن يوصل رسالةً يُفهِمُ فيها من يسمعونه، بأنهم أيضاً معنيين بتهديداته، فلا أصدقاء لإسرائيل إن داس أحدهم على طرفٍ لها.

وإذ تحدّى نتنياهو قرارات الأمم المتحدة حين رفع خريطةً تظهر الكيان الإسرائيلي يضم قطاع غزّة والضفة الغربية، اتبع سياسة الولايات المتحدة في تصنيف الدول وفق ولائها لواشنطن أو عدمه. فقد حاول نتنياهو تقسيم العالم حين أشهَرَ على الملأ خريطتين؛ الأولى مكتوب عليها “الحلف المبارك”، ويضم كيانه ودولاً عربية، والأخرى تضم إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن، ومكتوبة عليها عبارة “الحلف الملعون”. وبتقسيمه المنطقة بهذه الطريقة مطلقاً التسمية الشاذة؛ “الحلف الملعون”، بدا نتنياهو وكأنه يريد حشد دول أخرى إلى صفه، مستلهماً التجربة الأميركية بعد تفجير برجي مركز التجارة العالمي، سنة 2001، وطريقة تحشيد واشنطن دول العالم إلى جانبها في حربها على (الإرهاب)، ولم يكن ينقصه سوى أن يكرر كلام الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأبن، حين قال يومها: “من ليس معنا فهو ضدنا”. إلا أن القربة التي ينفخ فيها نتنياهو صارت قربةٌ مثقوبةٌ. هي كذلك لأن عددين من زعماء العالم ودبلوماسيي دول كثيرة غادروا القاعة حين بدأ عرض بضاعته الكاسدة. وصارت مثقوبة بسبب المجزرة المتواصلة التي ينفذها جيشه في غزّة ولبنان على الهواء مباشرة.

إذا قال المثل العربي “خذوا أسرارهم من صغارهم”، فإننا في الحالة الإسرائيلية يمكن أن نأخذ أسرار الإسرائيليين من مجانين يمينهم المتطرف من أضراب الوزير الفاشي، بتسلئيل سموتريش، الذي قال مرةً في لقاء مع إحدى قنوات التلفزة العبرية، ما مفاده، إن دولة إسرائيل يجب أن تضم العاصمة السورية دمشق والأردن، وأراضٍ من مصر والعراق والسعودية. ذلك هو حلم الإسرائيليين الذي أعلن نتنياهو الشروع في تحقيقه، فما هو واقع العرب إزاء هذا الحلم الكابوس؟ وما الذي هم لمواجهته فاعلون؟

* كاتب ومترجم سوري

المصدر: العربي الجديد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.