الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ما لم تحققه إسرائيل بعد 76 عاماً من إنشائها

نبيل السهلي *

مع استمرار عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها الدولة العصابة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول / أكتوبر من العام المنصرم 2023 ثمة أسئلة تبرز إلى الأمام وفي مقدمتها هل حققت الدولة المارقة أهدافها الاستراتيجية الإجلائية الإحلالية أم هناك دوائر مفقودة تسعى للبحث عنها وتحقيقها بقوة المجازر؟

الهاجس اليومي:

مضى على إنشاء العصابة إسرائيل أكثر من ستة وسبعين عاماً، حيث كان من أهم تداعياتها تشريد القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني، بقوة المجازر الإسرائيلية. وتبعاً لعملية الإحلال اليهودي مكان العربي الفلسطيني، صاحب الأرض، برز العامل الديموغرافي، باعتباره ركيزة أساسية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي. ولهذا كله، اهتمت المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية على حد سواء بالصراع الديموغرافي، على اعتبار أنه هاجس إسرائيلي يومي، واتضح ذلك في الدراسات الأكاديمية الإسرائيلية، مثل دراسات الدكتور الباحث الإسرائيلي أرنون سوفر، وكذلك ما تم من وضع توصيات في مؤتمرات إسرائيلية استراتيجية، مثل مؤتمرات هرتسيليا ومركز جافي ومراكز بحث إسرائيلية أخرى؛ فما هي مؤشرات الصراع الديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين منذ عام 1948، وما آفاق الصراع المذكور؟ أسئلة عديدة، نحاول الإجابة عنها في سياق عرضنا هذا.

صمد في المناطق الفلسطينية التي أُنشئت عليها إسرائيل في أيار/ مايو 1948، والبالغة (78) في المئة من مساحة فلسطين التاريخية (27009 ) كيلومترات مربعة، صمد (151) ألف فلسطيني، تركزت غالبيتهم في منطقة الجليل الفلسطيني والنقب، ووصل عددهم خلال العام الجاري نحو مليون وسبعمئة وخمسين ألف عربي فلسطيني. وبفعل الزيادة الطبيعية العالية بين الفلسطينيين ارتفع مجموعهم ليصل إلى (14) مليون ونصف المليون فلسطيني خلال العام الحالي 2024، في مقابل مليون وأربعمئة ألف فلسطيني عشية نكبة الفلسطينيين الكبرى في شهر أيار/ مايو من عام 1948. والملاحظ أنه على الرغم من السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى عمليات «ترانسفير»، طالت نحو (70) في المئة من الشعب الفلسطيني خلال عامي 1948 و1967 والسنوات اللاحقة، فإن (80) في المئة من الفلسطينيين يتمركزون في حدود فلسطين التاريخية والدول العربية المجاورة.

ومن نافلة القول أن نصف مجموع الفلسطينيين يقطنون داخل وطنهم فلسطين التاريخية، أي في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة والداخل المحتل. ووفق الإسقاطات السكانية يتضاعف مجموع الشعب الفلسطيني كل عشرين عاماً حيث سيصبح عددهم في عام 2048 نحو (29) مليون فلسطيني جلهم من الأطفال. في حين بلغ عدد المستعمرين اليهود في فلسطين والمستعمرات القائمة خلال العام الجاري 2024 سبعة ملايين ومئتي ألف مستعمر يهودي تنحدر أصولهم من أكثر من مئة دولة في العالم.

اعتمدت الحركة الصهيونية وإسرائيل على ركيزتين أساسيتين، لفرض صورة ديموغرافية، تجعل من اليهود أكثرية على حساب العرب الفلسطينيين وأرضهم. تمثلت الأولى بارتكاب المجازر لطرد غالبية الفلسطينيين من أرضهم، واستطاعت العصابات الصهيونية ارتكاب 44 مجزرة في عام 1948، بدعم بريطاني مطلق، ما أدى إلى طرد 850 ألف فلسطيني من أرضهم، حتى الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948، شكلوا آنذاك (61) في المئة من إجمالي عدد الفلسطينيين المقدر آنذاك بنحو مليون وأربعمئة ألف عربي فلسطيني، ينتمي هؤلاء اللاجئون إلى (531) مدينة وقرية فلسطينية. وبفعل الزيادة الطبيعية التي تصل إلى نحو ثلاثة في المئة سنوياً، قدر عدد اللاجئين الفلسطينيين خلال العام الجاري 2024 وصل إلى نحو ستة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني يستحوذ الأردن على 41 في المئة منهم، يليه قطاع غزة 22 في المئة، ثم الضفة الغربية 16 في المئة فسوريا ولبنان (10.5) في المئة على التوالي. كما توجد بضعة آلاف من اللاجئين، في كل من مصر والعراق والمنافي البعيدة، بيد أنهم غير مسجلين في «أونروا» لأسباب مختلفة. وهناك تقديرات بتهجير نحو (150) ألف فلسطيني من سوريا إلى لبنان والأردن ومصر وتركيا واربيل والقارة العجوز والبرازيل.

وتجلت الركيزة الثانية لفرض الديموغرافيا اليهودية في القيام بعملية إحلال للمهاجرين اليهود من بقاع الأرض في المناطق الفلسطينية المحتلة؛ وفي هذا السياق، استطاعت الحركة الصهيونية بدعم بريطاني وغربي جذب 650 ألف يهودي من مختلف أنحاء العالم، ليصبحوا المادة البشرية لإسرائيل وقوتها العسكرية التي أنشئت في الخامس عشر من مايو/ أيار 1948، بعد القيام بعملية تطهير عرقي، مبرمجة ومدروسة بشكل محكم.

آخر الغزاة:

تبقى الإشارة إلى أنه بعد مرور أكثر من ستة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، ونكبة الفلسطينيين الكبرى، فإن ركائز المشروع لم تكتمل بعد، سواء في شقها البشري الديموغرافي، أو المادي، أي الأرض، فثمة حلقات مفقودة، ولم تكتمل، فالاستيطان على أشده، والموازنات المخصصة لذلك خير دليل، والفلسطيني ملاحق في أرضه، سواء في الجزء المحتل عام 1948، أو المحتل عام 1967، بجعل حياته صعبة، والمشهد الإجرامي الدموي الإسرائيلي ماثل للعيان. وتبعاً لذلك، تسعى العصابة إسرائيل إلى ترسيخ فكرة يهودية الدولة الصهيونية على كل مساحة الأرض الفلسطينية عبر ارتكابها عمليات إبادة جماعية بحق الفلسطينيين لكنها فشلت في تحقيق عمليات تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة ، وبصمود الشعب الفلسطيني سيرحل آخر الغزاة عن جنبات الوطن الفلسطيني كما رحلت جحافل غزاة مرت على التاريخ الفلسطيني. وصدق الشاعر محمود درويش الحاضر دائماً رغم غياب الجسد “الأرض لا تتسع لهويتين إما نحن أو نحن”.

* كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.