بسام مقداد *
على الرغم من دعوة الإدارة الأميركية إيران إلى عدم الرد على الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير، وإعلان ممثلها أن هذا الهجوم ينبغي أن يكون الحلقة الأخيرة في مسلسل الردود المتبادلة بين الدولتين، لا يزال هذا المسلسل في عداد المواضيع الأكثر تناولاً في الإعلام. بعد شهر من حبس العالم أنفاسه، وهو يتابع التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة “مؤلمة” لإيران، وسيناريو النقاش الأميركي الإسرائيلي حول أهداف الرد الإسرائيلي، جاء هذا الرد “مدروساً” للغاية. وكما انشغل العالم حتى الآن بمتابعة تطور اختيار أهداف هجوم إسرائيل في إيران، ينشغل الآن في تفسير “تواضع” الهجوم الإسرائيلي، وما إن كان نتيجة للضغوط الأميركية، أم لحسابات إسرائيلية وإيرانية أخرى.
موقع الاستشارات القانونية الروسي 9111 نقل في 27 الجاري عن موقع news.ru الروسي نصاً، بحث في أسباب ضبط النفس “المدهش” الذي اتسم به الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني مطلع الشهر الجاري. أشار الموقع في مطلع نصه إلى ما اعتبره صعوبة تعاني منها كلاً من إيران وإسرائيل في الموازنة بين مطالب الصقور في كل منهما مع تصورات الجمهور الداخلي، وكذلك مع تصورات الساسة الأعداء بمن فيهم الصقور بينهم.
رأى الموقع أن الرد الإسرائيلي، وعلى العكس من الرد الإيراني، لم يتم توثيق آثاره بالصور وشرائط الفيديو على نطاق واسع. ووصف الموقع الرد بأنه كان منضبطاً بشكل مدهش، على الرغم من الضجة التي رافقت فترة انتظاره والمخاوف بشأن التصعيد الخارج عن السيطرة. فلم تتعرض لهجوم مباشر أي من البنى التحتية الإيرانية الحيوية، بما فيها المفاعل النووي الوحيد ومحطات تكرير النفط. لكن صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مصادر في البلدين لم تذكرها، أن إسرائيل دمرت أنظمة الدفاع الجوي القريبة، لتترك إيران عرضة لهجوم أكثر إيلاماً إذا قامت الأخيرة بالانتقام. وأفاد موقع “أكسيوس” أيضًا أن إسرائيل أبلغت إيران تحذيرًا مسبقًا عن هجومها من خلال أطراف ثالثة، في محاولة لردع الانتقام، والذي قد يتصاعد إلى صراع أوسع، وذلك وفقاً لمنحى تطوره.
نقل الموقع عن مصادر إعلامية عربية وإيرانية تأكيدات إيرانية متضاربة بين إصرارها على الثأر من الضربة الإسرائيلية، وبين إبلاغها إسرائيل عبر أطراف ثالثة بأنها لن تقوم بذلك. لكنه نقل عن صحيفة جيروزاليم بوست قولها إن إسرائيل تتوقع فعلياً رداً إيرانياً على هجومها، إلا أنه قد يتولى تنفيذ الهجوم حلفاء إيران في محور المقاومة. ولذا، ليس من الواضح ما سيكون عليه الأمر لاحقاً.
في تحليله للانضباط “المدهش” للرد الإسرائيلي، نقل الموقع عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفيه لما يُشاع بأن إسرائيل غيرت أهدافها تحت الضغط الأميركي، وذلك لتفادي التصعيد غير المنضبط الذي قد يعقب قصف البنى التحتية الإيرانية الحيوية. ويرى أن من الصعب أن نتصور أن مقاومة الولايات المتحدة لم تلعب دورها في هجمات الثأر الإسرائيلية. ففي حال رد إيراني واسع النطاق، ستعتمد إسرائيل على الدعم الأميركي في أثنائه وفي ما يعقبه. ولهذا السبب، وتحسباً لضربة انتقامية إيرانية، نشرت الولايات المتحدة أحد أنظمة ثاد السبعة الخاصة بها في إسرائيل. لكن نظام الدفاع الجوي الرئيسي هذا، كان يُنظر إليه على أنه عامل تصعيد لاحتواء إيران أكثر من كونه دعمًا تكتيكيًا ذا مغزى حقيقي، حيث يمكن بسهولة التغلب عليه بضربات مكثفة. ولهذا السبب، يرى الموقع أن إسرائيل قد اتفقت مع الولايات المتحدة على عدم قصف البنى التحتية الإيرانية الحيوية خلال الهجوم الأخير، مقابل نشر أنظمة الردع هذه.
يقول الموقع إنه، إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن إسرائيل لا تريد فعلاً المخاطرة بتصعيد شامل مع إيران، وذلك بسبب إيمانها بمفهوم “التدمير المتبادل المؤكد”. ووفقاً لهذا المفهوم، فإن إسرائيل وإيران قادرتان على إلحاق ضرر غير مقبول ببعضهما البعض في مثل هذا السيناريو. لذا فإن من مصلحة كل منهما تجنب ذلك من خلال إدارة التوترات بشكل مسؤول. لكن المشكلة هي أن الصقور على الجانبين ما زالوا يريدون تسلق سلم التصعيد. ويستنتج الموقع مما سبق أن قاله في مطلع النص بشأن الصعوبة التي يعاني منها كل من الطرفين في الموازنة بين مطالب صقوره وبين تصورات جمهوره الداخلي، وكذلك موازنة هذا مع تصورات ساسة العدو، بمن فيهم الصقور.
الصحيفة الروسية المخضرمة MK نشرت في 26 (تشرين الأول/ أكتوبر) الجاري نصاً تحدثت فيه عن الاختلاف بين الخبراء بشأن الحرب المقبلة بين إيران وإسرائيل.
نقلت الصحيفة عن كبير المحللين في المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية Malcolm Davis قوله إن إسرائيل، وعلى الرغم من أنها وصفت هجومها على إيران بأنه “محدود” و”دقيق”، إلا أن هذا الهجوم وضع إيران في وضع حرج. لكن السؤال المطروح على إيران: هل تريد فعلاً السير على طريق الثأر من إسرائيل على هذا الهجوم “المحدود”، ومن ثم تنتظر هجوم الصقور الإسرائيليين على مواقعها النووية والنفطية؟ ويرى أن بوسع إسرائيل استهداف أعضاء القيادة الإيرانية. ويقول إنه يعتقد أن من مصلحة إيران في الحالة الراهنة تقبل هذه الضربة، والتراجع والإقرار بحقيقة أن إسرائيل وجهت إليها الضربة تلك.
كما نقلت الصحيفة عن الكاتب الإيراني الأصل عزيز أراش قوله لشبكة CNN إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي تجنبت البنية التحتية المدنية ومواقع الطاقة قوبلت من الإيرانيين “بالارتياح بشكل عام”. وقال إنه تواصل بعد الهجوم مع عدد من المصادر الإيرانية، ولاحظ أن مخاوف الغالبية من السكان لم تتحقق. وأضاف، أن إسرائيل امتنعت عن الهجوم على مصافي النفط والبنية التحتية للطاقة ومرافق إمدادات المياه، كما أنها لم تستهدف مسؤولين سياسيين أو عسكريين. لكن ثمة من يرى أن إسرائيل بوسعها اللجوء إلى التصعيد لاحقاً، وهم متفقون على أنهم لا يريدون توسيع نطاق الصراعات، مثل البيت الأبيض. وعلى الرغم من ثقة إدارة بايدن بأن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران ستتوقف بعد الرد الإسرائيلي الأخير، ينظر بعض الخبراء إلى الأمر بعين الحذر.
لكن الباحث في معهد واشنطن للسياسة الشرق أوسطية Andrew Tabler يرى أن من الصعب على أي إدارة أميركية أن تكون واثقة كلياً من رد فعل أعداء الولايات المتحدة وحلفائها. ويقول إن معرفة رد فعل إيران على الهجوم الإسرائيلي ستكشف عنه التصريحات والبيانات اللاحقة، مع العلم أن الجهود المبذولة خلف الكواليس يمكن أن تساعد في بناء فهم متبادل أكثر تحديداً بين الطرفين. ويعتقد أن صور الأقمار الصناعية التي من المتوقع أن تلتقط للمنطقة ستساعد في تقييم أفضل للوضع.
نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للإدارة الحكومية Trita Parsi يحذر من أنه إذا تم التأكد من وجود مسؤولين كبار وسط ضحايا الهجوم، فقد تضطر إيران إلى اتخاذ إجراءات ثأرية. ويرى “أننا جميعاً الآن على طريق التصعيد، وسيستمر الأمر كذلك إلى حين وقف المذبحة في غزة ولبنان، أي وقف العمليات الحربية الإسرائيلية في المنطقتين. وإذا لم يتم ذلك، فسوف نشهد على الأرجح تبادل ضربات جديدة بين إيران وإسرائيل، فد يكون بعد أسبوعين أو شهرين”. ويعبر الخبير عن الأسف لأن من المحتمل أن تكون هذه الضربات أكثر عنفاً من سابقاتها.
* كاتب صحفي لبناني
المصدر: موقع المدن