الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

محور (الممانعة والمقاومة): هل مازال قائمًا؟

أحمد مظهر سعدو

ينهار أي تجمع سياسي أو عسكري، بدلالة عدم فاعليته العملانية على الأرض، واضمحلال قوته أو تلاشيها كسرة إثر كسرة. كما أن تبعثر القوى المشكلة للتجمع أو المحور، وقلة حيلتها، وعدم قدرتها على التماسك، وتلبية النداء وقت الحاجة والضرورة، كل ذلك يؤشر بالضرورة إلى انفراط تكوينات المحور وتشظيه، وانفلات قوته، حيث المفترض أنها متماسكة. وهذا ما يجري واقعًا وحقيقة اليوم ضمن جوانية ما يسمى محور (المقاومة والممانعة) إبان الانهيارات الكبرى في صفوفه، وانكشاف مدى هلاميته وعدم قدرته على تلبية أي جزء من منتجات أو ملحقات هذا المحور،  فقد وقف النظام الإيراني وهو زعيم المحور المفترض متفرجًا طيلة سنة كاملة على كل المجازر المرتكبة بحق أهل قطاع غزة،  مترقبًا من بعيد للحرب العدوانية، وحرب الإبادة الكبرى التي تمارسها إسرائيل وآلتها العسكرية الهمجية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية أيضًا، وبقيت حرب (الإسناد) مجرد حرب شكلانية لفض العتب ولحفظ ماء الوجه من الانفضاح والانكشاف، حتى جاءت المبادرة العدوانية من قبل إسرائيل، وليس من ميليشيا حزب الله لاستغلال حرب إسناد نصر الله، وتلقين هذه المليشيا درسًا ومعها إيران، لن تنساه أبدًا، ومن الممكن أن يؤدي (فيما لو استمر) إلى مزيد من التراجع والتفتت داخل أسوار محور (الممانعة والمقاومة) وكذلك إلى انحسار امتدادات وأطماع المشروع الإيراني بتصوراته التوسعية، في مواجهة المحيط العربي، وليس إسرائيل، بعد أن هيمن  نظام إيران / الملالي سابقاً على أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت.

إن الضربات الصاعقة والقاتلة التي تلقاها محور (الممانعة والمقاومة) في لبنان وسورية واليمن، وهذا الخراب والانهيار الكبير في صفوفه، رغم كل الإشارات بل والهدايا التي قدمتها طهران إلى الأميركان، بعد أن اعتبر الرئيس الإيراني الأميركان إخوة له، ثم استعداد المفاوض الإيراني وعلى رأسه (جواد ظريف)  للانبطاح أكثر وأكثر وتقديم كل ما تريده الاستراتيجيا الأميركية في المنطقة،  أمام استمرار الصلف والعنجهية الأميركية والإسرائيلية، إلا أن إسرائيل ما انفكت تمارس كل ما تستطيع،  وما تمتلكه عبر السلاح الأميركي من إمكانيات و تقانة، وأدوات  وآلة حرب، وقد باتت حرب نجوم عالية المستوى تقنيًا، بدعم أميركي واضح وعلني، مستغلة الظرف والفرصة، وهي مازالت تهدد النظام السوري يوميًا وتنتهك سيادته، بقصفها المتواصل لأهداف منتقاة داخل الجغرافيا السورية، حيث  يستمر نظام بشار الأسد  بصمته وصبره (الاستراتيجي) الذي لم يعد له حدود، حتى لو طال القصف فيلا ماهر الأسد شخصيًا، أو طاول وسط العاصمة السورية دمشق في حي المزة وسواها، ونظام الأسد (الممانع) ما برح يحتفظ بحق الرد، الذي لا يبدو أنه سوف يأتي أبدًا، إلا بالطبع والضرورة الأسدية ضد أهل الشمال السوري، في إدلب وشمال حلب خارج سيطرة النظام السوري. وهذا النظام (المقاوم) مازال يحافظ على (رباطة الجأش) وقوة (العقلانية) الاحتمال لتلقي الضربات، حتى لا يشغله ذلك أبدًا عن مواجهته المفترضة (كما يقول) ضد الإرهابيين ومن ثم خوض حرب الإرهاب المدعاة، والمقصود بها هنا الحرب الهمجية ضد معارضيه من الشعب السوري المناهض له، وضد حاضنة ثورة الحرية والكرامة في سورية.

نعم يمكن القول إن ما جرى منذ سنة ونيف وحتى الآن قد أثبت للقاصي والداني أن سلاح محور (المقاومة) لم يكن أبدًا قد تكدس وجمع من أجل دعم الشعب الفلسطيني، ولا من أجل تحرير القدس ولا الجولان كذلك، ولا حتى نصرة الحق ضد العدو الصهيوني المنفلت من عقاله كليًا في منطقتنا العربي، بل كان وما يزال يراكم من أجل دعم وإنفاذ وتعويم مشاريع إيران الفارسية الطائفية في المنطقة العربية، إيران/ الملالي التي ماتزال تحلم في إعادة بناء صرح امبراطوري فارسي طائفي ما انفكت تعتقد أنه سيأتي ويتحقق يومًا ما. لكن الانكشاف كان كبيرًا مع استمرار العدوان على قطاع غزة ثم على لبنان، وقد أوضح ذلك استمرار صراع المصالح بين المشروعين الأخطر على أمتنا، وهما المشروع الفارسي والمشروع الصهيوني، حيث يتابع المشروع الصهيوني وبإمكانيات عالية في القتل والعدوان،  تحقيق النقاط لصالحه على حساب العرب المغيبين، وأيضًا ضد المشروع الإيراني، ولو حصل ذلك مؤقتًا بما تمتلكه إسرائيل، ومعها العالم الغربي من قدرات ودعم،  حيث  تمكنت من تقويض التمدد الإيراني وانحسار النفوذ الكبير لدولة الملالي، وتفكك تسلسلي للمحور بكليته، وانفراط عقده آنيًا، دون انتهائه كليًا، إذ مازالت إيران تصر على إعادة قيامة أدوات محورها في لبنان والعراق واليمن وسوريا، رغم هلامية وهشاشة ميليشياتها في لبنان، وكمون إن لم كن ركوع أداتها الأسدية في دمشق . وهي مرحلة لن تكون سهلة على محور إيران، رغم عدم استسلامها النهائي، فهي مازالت تقاتل بأجساد غيرها من العرب ، ومازالت تتاجر بالقضية الفلسطينية، ومعاداة إسرائيل، في وقت يمكن القول فيه أنها  لم تقدم أي شيء جدي من أجل معركة الشعب الفلسطيني الحقيقية، والصعبة والصادقة مع الكيان الصهيوني، وكل صواريخها المرسلة نحو الكيان الصهيوني كانت من أجل  لملمة شرفها المسفوح على الأرض بعد اغتيال الزعيم الفلسطيني إسماعيل هنية في طهران، وبعد مقتل حسن نصر الله وسواه من القادة، ولحفظ ماء الوجه، وليس من أجل دحر إسرائيل أو الانتصار عليها وهو ما أثبته الواقع المعاش، وأدركته معظم قوى الشعب الفلسطيني الحية، في حربها المشروعة مع العدو التاريخي لها وللأمة الذي يحتل أرض فلسطين .

هذا إن لم نقل إن مشروع إيران ومحورها قد انهار كليًا، فإنه يمكن القول: إنه قد تم تقويضه ولن تستطيع إيران إعادة بنائه من جديد قبل حيز كبير من الزمن. لكن ذلك يحصل بكل أسف في ظل غياب وانحسار أي مشروع عربي يمكن له أن يملأ الفراغ، وفي ظل حالة عربية من الفوات والفرجة، التي يمارسها النظام العربي الرسمي، على ما يجري من عدوان وهمجية ضد شعبنا الفلسطيني المقاوم، وضد المدنيين في لبنان الذين لم ولن يحميهم النظام الإيراني، ولا أدواته المنتشرة، كمليشيا تابعة للولي الفقيه في طهران.

المصدر: الوعي السوري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.