الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا بعد؟ لبنان في اليوم التالي

معقل زهور عدي

لعل السؤال الكبير اليوم ليس متى سيوقف نتنياهو حربه على حزب الله بل على لبنان، لكن ماذا بعد أن يوقف تلك الحرب؟

شروط وقف الحرب بعضها سيكون معلناً وبعضها الآخر سري على الغالب، مع ذلك فليس من الصعب تخمين البنود الرئيسة: تراجع حزب الله إلى ما وراء الليطاني, منطقة منزوعة السلاح, تدعيم عدد وصلاحيات قوات اليونيفل, وجود الجيش اللبناني إلى جانب اليونيفل في الجنوب, تعهد من جانب حزب الله بعدم مخالفة الإتفاق سواء بالتمدد مستقبلاً جنوب الليطاني أو بإنشاء الدشم والأنفاق في المنطقة منزوعة السلاح ومراقبة ذلك بصورة مشتركة وفعالة .

تلك هي أهم البنود المتوقعة في مشروع اتفاق وقف اطلاق النار .

لكن ماذا بعد؟

حزب الله سيخرج مهزوماً وجريحاً, لقد فقد قائده التاريخي وكوكبة من قادته من الصف الأول والثاني, لم يحقق المساندة لغزة, ولم يتمكن من ردع العدو من التمادي في التدمير والقتل إلى حد غير مسبوق, نزحت حاضنته كلها تقريباً, وحتى حين تعود ستجد بلدات وقرى الجنوب ركاماً, والضاحية أصبحت مدينة كئيبة تصفر فيها الرياح, الخراب فيها ينافس ما تبقى من أبنيتها وشوارعها ومحلاتها التجارية .

ببساطة لقد تدمر عالم حزب الله عما كان قبل أيلول/ سبتمبر, وهو يواجه عالما آخر اليوم .

كيف سيتفاعل حزب الله مع الكارثة, وكيف سيخرج منها؟

هناك طريقان لا ثالث لهما:

الطريق الأول؛ الاستقلال التدريجي عن إيران والتخلي عن  ثوب المقاومة والتحول لشيء يشبه حركة أمل, وعدم النظر للخلف, والمرور بمرحلة مراجعة يحاول فيها إعادة تموضعه السياسي ليس بصفته مهيمناً على الدولة اللبنانية لكن بصفته شريكاً سياسياً كما هو حال بقية الشركاء بنصيب أقل أو أكثر من غيره لكن ليس باحتكار القرار السيادي أو السياسي. واضعاً كل ثقله على إعادة الإعمار وجبر ما انكسر من سمعته ومكانته ضمن بيئته الحاضنة .

ذلك يتطلب تفهماً من الأطراف اللبنانية الأخرى, وبالطبع فإن محاصرة حزب الله والضغط عليه لتجريده من السلاح بضربة واحدة لن يكون مفيداً بقدر ما يُولد ردود فعل تقطع الطريق على هذا المسار .

أما الطريق الثاني؛ فيمكن أن ينشأ وفق سياسة إيرانية لا تتصور التخلي عن أهم  ذراع لها في المشرق العربي, سياسة تنحني للعاصفة دون أن تغير خطها الاستراتيجي, بالتالي فسوف تختار إيران تعيين قيادات متصلبة عقائدية لتحاول استعادة مكانة حزب الله في الداخل اللبناني بعد إقفال ملف المواجهات مع إسرائيل, بما في ذلك الإصرار على الهيمنة على الدولة اللبنانية وذلك سيطرح مساراً خطراً للغاية .

خطورة ذلك المسار تنبع من أن حزب الله يصبح حينها مجبراً على استخدام القوة في الداخل للتعويض عن خسارة سمعته ومكانته وهزيمته السياسية والعسكرية ولاستعادة مكانته السابقة .

وبالتأكيد فإن حزب الله يمتلك ما يكفي من السلاح والمقاتلين لفعل ذلك, لكن مثل ذلك التوجه سيعني واقعياً شيئاً يشبه الحرب الأهلية التي ستتكفل بالقضاء على البقية التي تركها التدمير الاسرائيلي للبنان .

بالطبع فإسرائيل ستكون سعيدة وهي تراقب مثل تلك الحرب الأهلية, ولن تتدخل قبل أن يصبح لبنان رماداً ويهاجر معظم سكانه هرباً من الموت .

للأسف لا يمكن للمرء المراهنة على وعي الأحزاب اللبنانية التي تعكس بالدرجة الأولى الطائفية السياسية في لبنان, طائفية طالما امتازت بضيق الأفق والعجز عن الخروج من أزقتها وزواريبها نحو فضاء الوطنية الحقيقية .

هي لحظة فارقة وخطيرة لبلد انتزعته فرنسا من حضنه الطبيعي كجزء من الشام, لتصنع منه كياناً لم يتمتع بالاستقرار في تاريخه سوى لفترة قصيرة ذهبت ولم تعد.

المصدر: ملتقى العروبيين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.