وليد شقير *
تتلاحق ضربات إسرائيل على سوريا، بموازاة الحرب على لبنان. تصاعد الحديث عن ربط تل أبيب خطّتها لحزام أمنيّ في جنوب لبنان لحماية منطقتها الشمالية، بحزام في جنوب سوريا. الأساس في أهداف إسرائيل العسكرية استهداف الوجود الإيراني، سواء على الحدود مع الجولان المحتلّ أو في العمق السوري.
حسب مطّلعين، وجّهت تل أبيب إنذاراً جديداً للرئيس السوري بشار الأسد باستهدافه شخصياً، لمواصلته تسهيل نقل السلاح الإيراني إلى الحزب. ناقلو النصائح إلى رأس النظام، من روسيا ودول عربية، بالابتعاد عن حرب غزة، منذ تشرين الأوّل 2023، انزعجوا من بداية “ازدواجية” سلوكه.
قبل زهاء 20 يوماً، سعت الأمم المتحدة في اتّصالاتها مع إسرائيل وسوريا، إلى التمهيد لترميم معبر المصنع الرسمي بين لبنان وسوريا، لكنّها فشلت. كان الهدف تسهيل انتقال النازحين من أهوال الحرب في لبنان إلى سوريا، عبر المعبر الرئيس الذي عطّله القصف الإسرائيلي في 4 تشرين الأوّل، وكذلك تسهيل نقل الموادّ الإغاثية التي تُزوِّد بها المنظّمات الدولية النازحين إلى الداخل السوري.
رفض الجانب الإسرائيلي بشدّة ذلك، داعياً الجهات الأممية إلى عدم التدخّل في أمر عسكري. بل إنّ الطائرات الإسرائيلية أعادت قصف المنطقة الممتدّة بين المصنع على الجهة اللبنانية، وجديدة يابوس السورية في 24 تشرين الأوّل. وفي اليوم التالي أخرج القصف الإسرائيلي معبراً ثانياً بين البقاع الشمالي وسوريا من الخدمة هو معبر جوسية – القاع. ولم يبقَ سوى 3 معابر بين منطقة الشمال اللبناني نحو الساحل السوري.
تفيد معطيات الداخل السوري أنّ إسرائيل تقصف المعابر غير الشرعية الكثيرة التي تستخدم للتهريب، بما فيه الأسلحة الإيرانية للحزب. أحياناً يتمّ الإعلان عن هذا القصف، وأحياناً أخرى لا يعلَن عنه، في سياق ما بات يسمّى “حرب المعابر”. يأتي ذلك في سياق توجّه أكثر عمقاً لدى إسرائيل بتصعيد الجبهة مع سوريا ليس لمنع تهريب السلاح الإيراني إلى الحزب فحسب، فقد بات معروفاً أنّ الجيش الإسرائيلي يخطّط للسيطرة على مناطق سوريّة أبعد من تلك المحاذية للجولان المحتلّ، لأهداف تتعلّق بحربها في لبنان.
الشّريط الأمنيّ من القنيطرة إلى جنوب لبنان:
منذ الأسبوع الأوّل من تشرين الأوّل باشر الجيش الإسرائيلي إجراءات توغّل في محافظة القنيطرة عبر تخطّي الشريط الشائك بينها وبين الجولان. أزال ألغاماً أرضيّة وأقام حواجز في المنطقة العازلة بين الجولان والقنيطرة وسيّر دوريات ضمن عمق مئات الأمتار ورفع سواتر ترابية فيها.
كثُر الحديث عن نيّة إسرائيل إقامة منطقة أمنيّة داخل الأراضي السورية، تتّصل بمشروعها للشريط الأمنيّ جنوب لبنان. ينظر من تلقّفوا المعلومات عن النوايا الإسرائيلية الجدّية إلى هذا المخطّط. فمن القنيطرة إلى منطقة يعفور، ميسلون، ثمّ دير العشائر حيث أراضي البلدين متداخلة، وصولاً إلى حدود راشيا اللبنانية في البقاع الغربي (وهضاب جبل الشيخ)، أي مشارف مجرى نهر الليطاني، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتحكّم بمواقع الحزب من الجهة الشمالية الشرقية، بموازاة التوغّل من الجهة الجنوبية الشرقية من فلسطين المحتلّة، ومن الجهة الجنوبية الغربية.
في الجبهتيْن الأخيرتيْن يقوم الإسرائيليون بتدمير ممنهج لجعل مناطق ممتدّة على طول الحدود غير قابلة للسكن، مع تدمير البنى التحتية لقدرات الحزب. باختصار، يهدف التوغّل داخل القنيطرة إلى الإطباق على مقاتلي الحزب في الجنوب اللبناني من ثلاث جهات. هذا فضلاً عن تعطيل أنفاق بين البلدين للحيلولة دون تهريب الصواريخ والوسائل القتالية للحزب، كما حصل في حرب 2006.
لكنّ اتّساع التحرّكات العسكرية الإسرائيلية لتشمل وسط سوريا وحدودها الشمالية مع لبنان، وضع النظام في بلاد الشام في دائرة الخطر.
وقائع عن التّظاهر بالنّأي بالنّفس:
على الرغم من تفهّمها نأي النظام بنفسه عن حرب إسناد غزة، لم تعفِ طهران دمشق من استخدام أراضيها في المواجهة مع إسرائيل. وحصل ما يخالف الاعتقاد الذي ساد منذ 7 أكتوبر 2023 بأنّ “ممانعة” دمشق حيال إقحامها في وحدة الساحات تسبّبت بجفاء مع طهران. اعتمد النظام نهجاً مزدوجاً من مظاهره:
– مقابل الترويج لانزعاج الأجهزة والبيئة المؤيّدة للنظام من الانفلاش الإيراني في البلد، واصل رأس النظام التنسيق القريب مع إيران.
– قابل النظام التحذيرات والنصائح من روسيا، دولة الإمارات العربية وعُمان… منذ بداية الحرب على غزة بالوعود بضبط التحرّكات الإيرانية. على الأثر نفّذت الميليشيات التابعة لطهران خطوات “إعادة انتشار” هنا وهناك. لكنّه في الوقت نفسه منح “حرس الثورة” وبعض وحدات الحزب امتياز التحرّك تحت غطاء الفرقة الرابعة للجيش السوري التي يقودها ماهر الأسد. قصف الإسرائيليون في 30 أيلول مبنى تابعاً للفرقة الرابعة كان الضباط الإيرانيون يستخدمونه للراحة والسكن، كإنذار. وبات القصف الإسرائيلي يطال وحدات في الجيش السوري ويوقع في صفوفها الخسائر على الرغم من تعهّد تل أبيب لموسكو بعدم استهدافه، في سياق ضرباتها للوجود الإيراني.
– روسيا كانت وعدت إسرائيل بوقف هبوط الطائرات الإيرانية التي تقول إنّها تنقل مكوّنات الصواريخ والمسيّرات إلى الحزب في مطارات سوريا. ولذلك توقّفت تل أبيب عن قصف مطارَيْ دمشق وحلب اللذين أخرجتهما إسرائيل عن الخدمة مرّتين السنة الماضية. لكنّ الطائرات الإيرانية واصلت الهبوط في مطارات أخرى، منها اللاذقية، وهذا ما يفسّر قصفه أكثر من مرّة، آخرها في 17 تشرين الأوّل الجاري.
– على الرغم من الجهد الروسي لانسحاب الميليشيات الموالية لإيران من الجنوب السوري والقنيطرة وبعض محافظتَيْ درعا والسويداء، استمرّ وجودها بأشكال مختلفة، منها “المقاومة السورية لتحرير الجولان” التي تشكّلت من سوريين ولبنانيين تابعين للحزب… وهم هدف للقصف الإسرائيلي.
– رصدت إسرائيل قيام عناصر موالية لإيران ومعهم ضبّاط وجنود سوريون بنقل جزء من حمولة إحدى الطائرات باعتماد طرق التهريب نحو شمال لبنان بدل البقاع. ولذلك قصفت أحد هذه المعابر غير الشرعية قبل ثلاثة أسابيع.
تسليم كورنيت حديث… خلافاً لإرادة موسكو:
تراوحت التحذيرات التي نُقِلت إلى دمشق مجدّداً من موسكو ودول عربية، بين “فقدان الأمل” بتغيير سلوكه، وبين إبلاغه بأنّه سيحصد نتائج ازدواجية موقفه. فالتواصل بين موسكو وتل أبيب لم يتوقّف في أيّ لحظة على الرغم من الخلاف بخصوص المواقف الإسرائيلية المنحازة لأوكرانيا. ويجزم المنخرطون في تفاصيل دور موسكو في سوريا بالآتي:
1- لا مصلحة لها في الخلاف مع إسرائيل بسبب استمرار تدفّق السلاح الإيراني لسوريا. فالدولة العبرية تتصرّف مع روسيا على أن لا مشكلة لديها مع وجود جيشها في سوريا بل مع وجود إيران.
2- تعتمد موسكو، على الرغم من تحالفها مع إيران في ميادين عدّة، منها حرب أوكرانيا، نهج التحالف معها “على القطعة” في سوريا.
3- سبق لموسكو أن حذّرت دمشق من تسليم الحزب سلاحاً روسيّاً متطوّراً أعطته للجيش السوري. إلا أنّ دمشق سلّمته صواريخ “كورنيت” حديثة، وهذا ما أغضبها.
4- الشرطة الروسيّة التي اتّخذت مواقع مراقبة على الحدود مع الجولان المحتلّ، للحؤول دون انتشار التشكيلات الموالية لطهران انسحبت قبل أسابيع. والسبب استمرار وجود هذه الميليشيات، بل تعزيزها، فيما موسكو على علم أنّ إسرائيل ستستهدفها.
5- الجيش الروسي الموجود قرب منشأة مصياف السورية للصناعات العسكرية، التي كان يديرها الجانب الإيراني، لم يتحرّك لمواجهة قوّات خاصّة إسرائيلية نفّذت إنزالاً مباغتاً في 12 أيلول الماضي. وفي 25 أيلول أطفأت القاعدة العسكرية الروسية القريبة من المدينة أنوارها حين قصفت إسرائيل مستودعات تابعة للجانب الإيراني في المرفأ.
6- بلغ السأم الروسي من تجاهل بشار الأسد التحذيرات حدّ استغراب استقبال الأسد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي في 5 تشرين الأول. كان يكفي أنّه التقى رئيس الحكومة السورية ونظيره وزير الخارجية. وفي ذروة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية التي بلغت اغتيال السيّد حسن نصرالله قبل أيام، كان من الحكمة أن يمتنع الأسد عن ذلك. وشمل الاستغراب الروسي والعربي أيضاً الحديث عن التعاون الاقتصادي بين البلدين.
الأسد لا يثق إلّا بإيران؟
في رأي المتابعين لمجريات الحرب الدائرة من غزة إلى لبنان وسوريا وصولاً إلى إيران، أنّ رأس النظام السوري يضع البلد في مهبّ الريح. فعلى الرغم من أنّ أكثر ما يقلق الأسد أن تكون إسرائيل معادية لبقاء نظامه، فهو يقامر بنظامه باللعب بينها وبين إيران. يدعو هؤلاء إلى ترقّب مدى تأثير “خوفه” من إسرائيل، التي سبق أن اعتبرت أنّ بقاء نظامه يضمن الهدوء على الجبهة مع سوريا، على خياراته المقبلة. فالأسد يعتبر بالعمق أنّ الدولة الوحيدة التي يمكنه الوثوق بها من أجل البقاء هي إيران بحسب تعبير خبراء في عقل الرئاسة السورية.
* كاتب صحفي لبناني
المصدر: أساس ميديا