زياد عيتاني *
لا يُحسد الرئيس نبيه برّي على هذا الكمّ من المسؤولية والضغوطات التي يعيشها ويتحمّلها هذه الأيام. سيّد عين التينة يتولّى خمس حمايات لخمس جهات:
1- حماية الشيعة في لبنان.
2- حماية الحزب في لحظة الهوان.
3- حماية موقع رئاسة مجلس النواب.
4- حماية الرئيس نجيب ميقاتي بهدوء وبتركيز ما يجب أن يُقال داخل البلاد وخارجها في اللقاءات والاجتماعات والمفاوضات إن كان هناك مجال للأخذ والردّ وبعض الكلام.
5- حماية السلم الأهليّ من مراكز إيواء النازحين وانتهاء بفاجعة فقدان المكان عند الأهل والخلّان.
كلّ البلد موجود اليوم في عين التينة. هذا هو الواقع سواء أعجب ذلك البعض، أم أفقد البعض الآخر التركيز عند التصريح والكلام. هو الوحيد المكلّف من الحزب ومن إيران وممّا لا يقلّ عن نصف أعضاء مجلس النواب، بالبحث عن المخارج وابتكار المبادرات والأوراق. من أجل كلّ ذلك، اتّصل به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمبعوث الخاص آموس هوكستين وقبلهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واللائحة مستعدّة لاستقبال المزيد من الأسماء. هو حامل المفتاح لانتخاب رئيس للجمهورية قبل كلّ ذلك الآن.
الهاجس الشّيعيّ..
قدر الطوائف في لبنان أن تتبادل عيش الهواجس والقلق على المصير. في كلّ مرحلة تعيش طائفة ذلك. تفكّر بخوف وتقرّر بقلق وتتحالف بتردّد وتهاجر بصمت. عاش هذا الواقع المسيحيون، وبخاصة الموارنة في أوائل التسعينيات. كان نذير ذلك اغتيال حلمهم الرئيس بشير الجميّل في 14 أيلول 1982، بعبوة وضعت في مبنى مقرّ حزب الكتائب بالأشرفية بيد حبيب الشرتوني المنتسب للحزب السوري القومي. هواجس أنتجت إحباطاً في الشارع المسيحي، المقسوم بين مسجون ومنفيّ وضائع. وتمرّ بعد ذلك عدّة سنوات، فإذا بالمسجون يطلق سراحه، وبالمنفيّ يعود ليصبح رئيساً للجمهورية، فتسقط الهواجس وتبقى المصائب حتى وصلنا اليوم إلى ما نحن عليه من أحزان.
عاش السُّنّة هواجسهم بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005. تحوّلت إلى قهر مع إحباطات لحقت بسعد الحريري في الحكم والتحالفات التي انتهت جميعها إلى الاعتكاف وتعليق العمل السياسي.
مرّت عدّة سنوات ولم يعد أحد يتناول تلك الهواجس، بل تحوّل السُّنّة ومعهم اتفاق الطائف ملاذاً لكلّ الطوائف للبحث عن المخارج والاستمرار على قيد الحياة.
يخوض الشيعة في لبنان اليوم تجربة الهواجس والتعايش معها. يرون كيف تبدّد فائض القوّة والهيمنة والسلاح ببضعة أسابيع، إن لم نقل بضعة أيام، ولو أنّ “الحزب” يسطّر في الجنوب مواجهات شرسة تسمح لهم بالصمود والردع. كلام من هنا وهناك يكاد لا يفارق أذني الرئيس بري يحمله إليه كلّ زائر شيعي، أكان وزيراً أو نائباً أو سيّداً أو معمّماً أو رجلاً من العوامّ. كلّ المفردات تتحدّث متسائلة: الشيعة إلى أين؟
لا خوف على أحد..
لم يكن المسيحيون ولا السُّنّة محقّين بهواجسهم. لقد تمّ الخلط بين حصانة الوجود والدور الذي يكفله اتفاق الطائف والدستور، وبين الانتهاكات المرتكبة بحقّ الطائف والدستور من قبل فريق ضدّ الآخرين في لعبة تبادل الكراسي وأوهام الإلغاء.
لم ينزع أحد من المسيحيين في ذروة هواجسهم مواقعهم ولا مناصبهم ولا صلاحياتهم من رئاسة الجمهورية إلى قيادة الجيش وصولاً إلى حاكمية مصرف لبنان. ولم يتمكّن أحد أن ينزع من السُّنّة رئاسة الحكومة ولا مواقعهم الرئيسيّة في الإدارة. ولن يتمكّن أحد أن ينتزع من الشيعة مواقعهم ودورهم وامتيازاتهم. كما منح الطائف الحصانة للسُّنّة وللموارنة والدروز في الدولة ومؤسّساتها، يمنحها أيضاً للشيعة بكلّ مواقعهم وصلاحيّاتها الممنوحة لها وفقاً للدستور والقوانين المرعيّة الإجراء.
الخوف فقط يجب أن يتلبّس المعتدين على حقوق الآخرين من الشركاء. بعدما تساوت الطوائف بالخيبة والتجربة كلّ منها على طريقته وبعدما ألقت كلّ الطوائف فائض حمولتها من القوّة والسلاح والدعم الخارجي القادم من كلّ مكان، لم يعد بمقدور أحد منها محاولة الهيمنة على أحد أو مصادرة دور أحد في المعادلة الوطنية. ستسقط حقوق المعتدين فقط لا حقوق الطوائف، لأنّ الدستور لم يكفلها بل وُضع لمواجهة الاعتداء من أيّ طرف صدر وفي أيّ زمان.
هو الطائف الذي يضمن حقوق الجميع ويوفّر الحماية للجميع في المواطنة والحقوق والواجبات. الفرصة اليوم سانحة، وهي فرصة للأسف دفعنا من أجلها أغلى الأثمان. الفرصة سانحة لاعتماد هواجس الوطن، حيث الساحة تسع الجميع فقط تحت علم لبنان.
* كاتب صحفي لباني
المصدر: أساس ميديا