رضوان السيد *
هل اقترب ظهور الجديد المختلِف بعد إبادات غزة ولبنان؟ الذي يبدو أنّ ما بعد وقف النار لن يقلّ صعوبةً عمّا يجري تحت النار، طبعاً باستثناء توقّف القتل. والعامل الأساسي هو التواصل أو التفاوض الأميركي – الإيراني. وقد نجح في تخفيف الضربة الإسرائيلية على إيران، فهل ينجح في المسائل الأخرى، وهي كثيرة ومعقّدة؟
الإجابة على هذا السؤال صعبة جداً وليس في لبنان فقط بل وفي غزة أيضاً. ليس هناك مشروع إسرائيلي جدّي لإبقاء الجيش في غزة أو زرع المستوطنين بحراسته! إنّما المشكلة إذا توقّف إطلاق النار (وهذا غير مؤكَّد في التوقيت على الأقلّ!)، ماذا سيحدث للقطاع وفيه؟ يصوّر الإسرائيلي الأمر على أنّه هبة أو هديّة يريد لها مقابلاً! بينما يقول له الجميع بمن فيهم الأميركيون: هو عبءٌ ثقيلٌ جداً حتى لو اقتصر على نشر الأمن والبدء بإعادة الإعمار العمراني والإنساني (الصحّة والتعليم)، فكيف إذا أصرّ الدوليون والحديد حامٍ على البدء بالمفاوضات حول الدولة الفلسطينية؟
لكن حتى مفاوضات الدولة الجديدة التي تعارضها إسرائيل بشدّة ولن يضغط أحدٌ إذا عاد دونالد ترامب رئيساً، لا بدّ أن يسبقها توافق بين “حماس” و”فتح”. وكنت أحسب أنّ “حماس” عارضت، ثمّ سمعتُ أنّها تطلب وساطةً مع “أبي مازن” للتوافق. صحَّح لي أُناسٌ خبر الوساطة والتنازل. لكن نبّهوا إلى اعتبارات أبي مازن: كيف سيكون موقف “الحماسيّين” إذا جاءت شرطة السلطة إلى غزة؟ ثمّ كيف سيتشارك معهم أبو مازن إذا كان الإسرائيليون والأميركيون ومعظم الدول الأوروبية يعتبرون “حماس” تنظيماً إرهابياً؟! وأوّلاً وآخِراً من سينفق العشرين أو الثلاثين مليار دولار على الإعمار، وهذا علاوة على مبالغ مماثلة من التعويضات لإعادة بناء الأُسَر والممتلكات.
قال لي فلسطينيّ مطّلع: كلّ هذه العقبات يمكن تذليلها إذا جاءت إدارة أميركية مصرّة، بشرط تغيّر الحكومة الإسرائيلية بانتخابات جديدة. وهكذا نحن باقون وسط ظلمات بعضها فوق بعض، ووسط ظلمات لا يمكن تصوّر الجديد أو الضوء في نهاية النفق.
مصير الحزب:
لا يعني الانتقال إلى الملفّ اللبناني أنَّ الهمَّ الفلسطيني انتهى، لكن لنجرّب. ينقسم اللبنانيون والمراقبون الإقليميون والدوليون إلى قسمين: قسم يقول إنّ الحزب انتهى عسكرياً، لكنّه سيظلّ قوّة سياسية داخلية، والتضامن الشيعي الداخلي والعربي في ذروته معه الآن وفي المستقبل القريب. أمّا القسم الثاني من المراقبين فيذهب إلى أنّ القوّة العسكرية للحزب لا تقاس بالمقاييس الداخلية، بل ولا بعدد الصواريخ الاستراتيجية أو البالستيّة، بل المهمّ اليوم وفي المستقبل الدور الذي كان يلعبه وسيلعبه بالنسبة لإيران.
بالطبع ما عاد الأمر متعلّقاً بالإرادة الإيرانية فقط، بل بالإرادة الرباعيّة إذا صحّ التعبير: أميركا وإيران وإسرائيل والعرب. لقد كان التنسيق بين الثلاثة الأوائل ممتازاً في الأيام الأخيرة حين ضربت إسرائيل إيران فلم يُقتل الذئب ولم تفنَ الغنم! ولذلك تجري وستجري مفاوضات حول ميليشيات إيران بالمنطقة، ومنذ عقود يريد الإيرانيون تطبيعاً مع الولايات المتحدة، وسيتّفقون بلا شكّ على حلولٍ وسط، ومن ضمنها دور الحزب.
الغالب أن لا يعود للحزب دور خارجي حتى تجاه إسرائيل، لكن سيكون هناك تفاوض على دورٍ له بالداخل اللبناني وكم يحتمل النظام. وهذا يستغرق وقتاً، وبخاصّةٍ إذا حلّ دونالد ترامب محلَّ الديمقراطيين في الرئاسة. ولذلك الهدف المحدّد والمحدود الآن وقف النار وإخلاء منطقة الليطاني. ولا ننسى الملفّ السوري وهو ذو شقّين: الدور الإيراني في سورية، وإمكان إعادة ترميم النظام هناك. وسيتأثّر لبنان كثيراً بالأمرين. إيران مهتمّة جدّاً بالحزب بقدر اهتمامها بالنفوذ الإقليمي، وأمّا استراتيجيّتها ذات الأولوية فتتمثّل في البقاء في العراق، والمفاوضة بمقابل على سورية ولبنان.
وفي كلٍّ من هذه الملفّات يبرز أو يظهر دور العرب إذا كانوا مهتمّين باستعادة الزمام. إنّ المشكلة في إيران منذ البداية أنّها مستعدّة للتفاوض إلى ما لا نهاية مع الأميركيين، وربّما مع الإسرائيليين من خلالهم، لكنّها حتى الآن فيما يبدو ليست مستعدّةً لعلاقات حسن جوار متميّزة مع دول الخليج ومع الأردن. قيل هناك إعدادات لمناورات بحريّة بين إيران والسعودية، وهناك تأكيدات من إيران بشأن علاقات حسن الجوار.
أخطار ومهدِّدات:
لدى العرب أخطار ومهدِّدات كلّها آتية من إيران: على الحدود العراقية – السعودية، ومع الكويت، وفي سورية، وعلى الحدود مع الأردن، ومع اليمن في البرّ والبحر. وكما يمكن اختبار نيّات إيران في البحر الأحمر واليمن، يمكن اختبارها في لبنان الآن وعاجلاً. فخامنئي ما يزال يقول إنّ الحزب سيهزم إسرائيل. وقد فهم المراقبون من ذلك أنّ الحرب ستستمرّ، في حين صار مليون شيعي خارج بيوتهم التي تهدّم معظمها. بيد أنّ تصريح خامنئي يمكن أن يكون للمساومة في عمليات التفاوض. فقد تبيّن أنّ إيران تعتمد على قوّة “الحزب”، بقدر ما تعتمد على قواها الذاتية. ومن هنا تأتي صعوبات ظهور الجديد أو التغيير على الساحة اللبنانية، ما دام الأمر متعلّقاً بإيران إلى هذا الحدّ.
ماذا يعني هذا كلّه؟ أمّا وقف النار وإخلاء منطقة الليطاني فيمكن أن يحدث. وأمّا باقي المسائل المتعلّقة بالداخل اللبناني وبسورية وبالتفاوض الأميركي الإيراني، فكلّها مسائل هي رهنٌ بهمم وإرادات ومصالح من خارج المنطقة.
* كاتب ومفكر لبناني
المصدر: أساس ميديا