الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مصائر السوريين في إدلب والتخوف من العدوان

أحمد مظهر سعدو

يتخوف السوري الذي يقطن محافظة إدلب، والشمال السوري خارج سيطرة النظام، من احتمالات باتت متوقعة لهجوم عسكري من قبل الميليشيات وعناصر النظام السوري، من جراء الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بالمنطقة، وتداعياتها المفترضة على الإقليم برمته، وأن يستغل ذلك الحدث نظام بشار الأسد ومعه ميليشيات إيران وروسيا، في الانقضاض على محافظة إدلب وساكنيها، ومن ثم قضم ما تيسر لهم من الأراضي والمدن، بعد أن كانت لهم تجارب شتى في الاستحواذ والسيطرة على الأرض والأرياف والمدن الكثيرة عام 2020 إبان حرب همجية تدميرية كانت قد شنتها في حينها ميليشيات إيران والنظام السوري، وأدت فيما أدت إليه، إلى الاستيلاء على معظم ريف محافظة حماة، وكذلك بعض ريف إدلب وأيضًا بعض المدن مثل معرة النعمان وخان شيخون وكذلك سراقب.

ما برحت هذه الصورة ماثلة في المخيال السوري المعارض مع كل عدوان جديد تشنه آلة الحرب الأسدية على محافظة إدلب والشمال السوري، ويبدو أن التخوف الشعبي الكبير من احتمالات الانقضاض على إدلب وما حولها  بات مسألة واقعية ومحتملة عيانيا، في ظل إحجام نظام بشار الأسد عن الرد على كل أنواع العدوان الصهيوني الجاري يوميا، على غير مكان من الجغرافيا السورية، مستهدفا جل أماكن وتموضعات ميليشيا إيران وحزب الله، وباقي الميليشيات التي تتبع ما يسمى (الحرس الثوري الإيراني) وتحتل أجزاء كبيرة ومساحات ممتدة من الوطن السوري.

وإذا كان هذا التساؤل الجدي للسوريين في محافظة إدلب بات مشروعاً ومبرراً ضمن سياقات واحتمالات وإمكانية فتح معركة وعدوان، عبر الاشتغال ميدانياً على تقويض وجود السوريين المعارضين للنظام، وهي معارك بالضرورة  يقوم بها نظام بشار الأسد بين الفينة والأخرى ضد ما يمكن تسميته بالحاضنة الشعبية السورية للمعارضة في الشمال السوري، فإن ذاك يُبنى موضوعياً على عدة نقاط ومحددات أضحت واضحة للعيان، وتنتج حالة من الخوف المتواصل وعدم الركون للوعود، التي تطلق من هذا الطرف أو ذاك، من أجل حماية الواقع الآني في إدلب (كما يقولون) ليبقى جامدًا على حاله، تطبيقًا للاتفاق البروتوكولي الموقع في 5 آذار/ مارس 2020 بين روسيا وتركيا، والذي أسهم منذ تلك المرحلة في أن تستمر أوضاع إدلب على حالها، رغم مئات الاختراقات الكثيرة والمتنوعة، التي يقوم بها نظام بشار الأسد وأدواته الأمنية والعسكرية، ضد المدنيين المستقرين في إدلب، وجل الريف الإدلبي والحلبي الشمالي. ومن هذه المحددات يمكن أن نذكر ما يلي:

  • أنه قد ترسخت استراتيجياً للنظام السوري موضوعة سياسية أمنية مفادها: أن العدو الأساسي للنظام السوري ليست إسرائيل المحتلة للجولان السوري، بل إن عدو النظام السوري هم أهل المعارضة في الشمال، والذين يسميهم نظام بشار الأسد (الإرهابيين).
  • كما أن الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة أظهرت وأوضحت أوهام شعار (وحدة الساحات) وتبعثر دول ما يسمى محور (الممانعة والمقاومة) وعدم قدرتها على مواجهة إسرائيل، لأن ذلك ليس في حسبانها ولا ضمن أساسيات خططها الاستراتيجية، ولا التكتيكية أيضاً، وهي لا تريد الانجرار أبداً إلى فتح معركة كبرى مع الإسرائيليين والأميركيين، من الممكن أن تؤدي فيما لو فتحت على مصراعيها إلى زوال أنظمة في المنطقة، منها بالضرورة نظام إيران/ الملالي وكذلك نظام بشار الأسد وطغمته الحاكمة.
  • علاوة على أن قدرة إيران الفعلية السياسية والأمنية، التي أدت إلى إعاقة عمليات التطبيع المفترضة، بين تركيا والنظام السوري، رغم الجدية الروسية في ذلك جعلت من احتمالات فتح معارك مع الشمال السوري، مسألة وقت، وفرصة قد لا تعوض بالنسبة للنظام وحلفائه، وقد لا تمتلك سواها دول محور (الممانعة والمقاومة).
  • ولأن إسرائيل تدخل إلى الجولان، وأراضي درعا، وتقضم بعض الأراضي، وتتقدم بالسياج والحدود، وهي مازالت تهدد بالمزيد وصولًا إلى وسط دمشق، فإن نظام بشار الأسد قد (حلف اليمين) في أنه لن يواجه إسرائيل أبداً، وسيكتفي بمواجهة الشمال السوري المعارض. وهو الأسهل بالنسبة له ولمحوره الممانع، الذي يعيش حالة من الفوات والتفكك وقلة الحيلة، بعد جملة من الخسارات الكبرى، ليس آخرها مقتل حسن نصرالله ثم صفي الدين وسواه كثير.

إنما وبالرغم كل هذه المحددات والمرتكزات فإن هناك معوقات مازالت بالحسبان وتسهم هي الأخرى في تأخير الإنفاذ العملي للاستراتيجيا الأسدية، في الهجوم على محافظة إدلب ومن ثم العمل على تغيير ملامح الواقع هناك، فيما لو تم الأمر من دون معوقات، إذ إن أوضاع إدلب كانت ومازالت في حكم المؤقت، لكن دوام المؤقت أيضا من المستحيل، أما حيز وزمن استمراره فهو ما يزال ضمن سياق الممكنات الزمنية المتوسطة.

من منطلق أن الدولة التركية التي تتواجد عسكريا في محافظة إدلب والشمال السوري، ما انفكت غير قابلة لأي انسحابات من المناطق المتواجدة فيها، إلا عبر اتفاق مازال يصعب تحقيقه، وهو  ليس بمتناول اليد، بينها وبين نظام الأسد، وهو الذي لن يقدر عليه أبدا في ظل واقع صعب أوصل فيه بشار الأسد ونظامه البلاد إلى حالة (الدولة الفاشلة) غير القادرة (حتى لو أرادت) أن تنفذ أي اتفاق مهما كان، بينها وبين تركيا، فلاهي قادرة على استقبال 3 ملايين لاجئ، قد يعودون، ولا هي قادرة على السيطرة على شمال شرقي سوريا، وحماية الأمن القومي التركي، ولا هي متمكنة من حماية خط ترانزيت تجاري يربط معبر (باب الهوى) بحدود المملكة الأردنية الهاشمية.

وفق هذه المعطيات فإن اشتغال النظام السوري على فكرة الانقضاض على الشمال السوري وقضم الأراضي ليست قابلة للتنفيذ حاليًا، وليست المتغيرات التي تجري في فلسطين المحتلة وما حولها في لبنان وخارجه بمواتية لمثل ذلك، رغم رضى إسرائيل التام عن سياسات (الصمت الاستراتيجي) التي تتبعها حكومة بشار الأسد، وكل حلف (الممانعة والمقاومة).

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.