وفاء هاني عمر *
يتناول الكُتاب الثلاث (“سكوت وينشيب Scott Winship” و”كيفن كورينث Kevin Corinth” و”توماس أورورك Thomas O’Rourke“) ملامح تدهور جوانب الحياة الاجتماعية في أمريكا وذلك في موقع (The American Enterprise Institute)، منها قضاء وقت أقل مع الأصدقاء، والابتعاد عن تأسيس حياة زوجية مستقرة، والانصراف عن المؤسسات الدينية.
لذا باتت ثقة الفرد تجاه الآخر أقل مما كانت عليه في الماضي، وبالتالي قلت مستويات دعم الناس لبعضهم.
الغريب في الأمر هو تركيز صناع السياسات على الفقر الاقتصادي بدلاً من الاعتراف بمشكلة الفقر الاجتماعي الصارخة. إضافة إلى جهود المدن الأمريكية لتوفير دخل أساسي مضمون للسكان بالمشاركة في مشاريع تجريبية.
وعلى المستوى الوطنى، دعا الديمقراطيون وبعض الجمهوريين في الكونجرس إلى توفير آلاف الدولارات الإضافية للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال توسيع نطاق الإعفاء الضريبي للأطفال.
لماذا يركز صناع القرار على حل قضية الاقتصاد التي تتحسن بالفعل، بدلاً من حل مشكلة الفقر الاجتماعي التي تتفاقم؟
إن السبب وراء ذلك يرجع جزئياً إلى أن الحكومة تجمع معلومات هائلة عن دخول الأفراد والأسر والمناطق- وبالتالي تستطيع الحديث بدقة عن التغييرات والتفاوت في الدخل ومستويات المعيشة المادية.
على الجانب الآخر، تفتقر الحكومة إلى البيانات الدقيقة عن الرفاهية الاجتماعية الفردية، وخاصة فيما يتصل برأس المال الاجتماعي، أي قوة وعدد العلاقات مع الناس والمؤسسات القيمة لدى الفرد. إذن من الصعب حل مشكلة لا يمكن قياسها.
ينفي الكُتاب الغياب التام للإلمام بجوانب مشكلة الفقر الاجتماعي. على سبيل المثال، وثق روبرت بوتنام، عالم السياسة الأمريكي، تراجع تأثير الأندية والمؤسسات المدنية، كما أظهرت اللجنة الاقتصادية المشتركة كيف اختلف رأس المال الاجتماعي عبر الولايات الأمريكية. وقارن تشارلز موراي، الكاتب وعالم السياسة الأمريكي، بين العلاقات الاجتماعية للطبقة العاملة والطبقتين المتوسطة والعليا في الولايات المتحدة، إضافة إلى استخدام فريق راج شيتى، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، ومدير مؤسس لمؤسسة Opportunity Insights بيانات فيسبوك لقياس مدى انتشار الصداقات عبر المستويات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. لكن لم يكشف هذا البحث عن الفئة المعنية بالضبط بالفقر الاجتماعي، ولأي مدى يصل التأثر بهذا الفقر، وعلاقة هذا الأمر بالفقر المادي، فمن الصعب تصميم حلول سياسية تستهدف المشكلة دون توافر إجابات واضحة ودقيقة.
قام كُتاب المقال بتجميع بيانات جديدة عن الرفاهية الاجتماعية للأمريكيين بجانب بيانات شاملة عن الرفاهية الاقتصادية للمساعدة في إيجاد تفسيرات أوضح لمشكلة الفقر الاجتماعي. ويستند مقياس الرفاهية الاجتماعية لدى وينشيب، وكورينث، وأورورك إلى مجموعة من السمات: الترابط الاجتماعي، والمشاركة المجتمعية، وقوة العلاقة الأسرية، والمشاركة الدينية، والثقة الاجتماعية، والعمل.
وجد وينشيب، وكورينث، وأورورك أن المجموعات الديموغرافية التي تميل إلى مواجهة أكبر قدر من العوائق الاقتصادية تواجه أيضًا أكبر قدر من العوائق الاجتماعية. بمعنى أوضح، تكون الرفاهية الاجتماعية أعلى لمن هم في منتصف العمر مقارنة بأكبر وأصغر الأمريكيين سنًا، ويتمتع خريجي الكليات بمعدل رفاهية اجتماعية أعلى ممن لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وكذلك ترتفع معدلات الرفاهية لدى الأفراد البيض عن أقرانهم الأمريكيين السود واللاتينيين.
تُسلط نتائج البحث الضوء على العلاقة بين الدخل المادي والرفاهية الاجتماعية. فالأمريكيون من ذوي أدنى مستويات الدخل يميلون إلى أن يكونوا الأكثر فقراً اجتماعياً أيضاً. إذن تزداد مستويات الرفاهية لدى الأمريكيين بزيادة الدخل، ولكن إلى حد معين. بعبارة أخرى، إن فجوة الرفاهية الاجتماعية بين الأمريكيين الفقراء وذوي الدخل المتوسط أكبر كثيراً من الفجوة بين الأمريكيين من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع.
يعتقد كُتاب المقال أنه يجب على صناع السياسات الجادين في معالجة مشكلة الفقر الاجتماعي التركيز على الفئات السكانية التي تعاني من الفقر الاقتصادي، مع العلم أن تحويل المزيد من المال ليس هو الحل. لأن الأفراد الذين يعتمدون على الحكومة في الحصول على نصف دخلهم هم الأكثر عرضة للمعاناة من الفقر الاجتماعي.
يتطلب حل قضية الفقر الاجتماعي إيجاد السبل لبناء وتعزيز العلاقات داخل الأسر والمجتمعات والمؤسسات المدنية.
خلاصة الأمر، يرى وينشيب، وكورينث، وأورورك أن مشكلة الفقر الاجتماعي متعددة الأوجه، لذا فإنها تتطلب مجموعة متنوعة من الحلول. ويؤكد الكُتاب أن مساعدة المحرومين على الازدهار لن تتم إلا من خلال معالجة تآكل الروابط الاجتماعية بجانب توفير مستوى معيشي لائق لهم دون تفضيل حل على آخر.
…………….
ـــــــــــــــــــــ
* كاتبة ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق