ياسمين عبداللطيف زرد *
نشرت صحيفة هآرتس الصهيونية مقالاً للكاتبة جودي مالتز، تناولت فيه أبرز ما جاء في كتاب جديد عن سر ميل الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، لليهودية وإسرائيل، رغم أنه مسيحي، ولا يشكل يهود الأرجنتين سوى أصغر أقلية دينية بالبلاد وغير مؤثرة في سياساتها.. نعرض ما ورد بالمقال فيما يلي:
الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، معروف بين أتباعه باسم «المجنون»، ويدرس التوراة بانتظام، كما يظهر في المناسبات العامة مرتديا “الكيباه” (قبعة من القماش يرتديها الذكور اليهود كتقليد ديني)، ويخطط للتحول إلى اليهودية، لكن يقول إن السبب الوحيد الذي منعه من تنفيذ ذلك حتى الآن أنه لن يتمكن من أداء واجباته- كرئيس للدولة- إذا ما طُلب منه أن يلتزم بصلاة يوم السبت.
من المعروف عنه أيضاً أنه استشهد في فعاليات حملته الانتخابية وخطاب تنصيبه، وفي التجمعات العامة، بالآية التالية من سفر المكابيين: «النصر في الحرب لا يعتمد على حجم القوات المسلحة بل على قوى السماء». من هنا استعار رانان راين، أستاذ التاريخ اللاتيني الأمريكي والإسباني في جامعة تل أبيب، وبابلو مينديز شيف، طالب الدكتوراه في نفس الجامعة، عنوان كتابهما الجديد، «قوى السماء: الأرجنتين وميلي واليهود» (من المفترض أنه نشر الأسبوع الماضي بالإسبانية).
يتألف الكتاب من 24 مقالاً، وقصة قصيرة واحدة، كتبها مثقفون يهود من أصول أرجنتينية. يعد الكتاب المحاولة الأولى من نوعها لفهم هوس ميلي بدين ليس دينه، وشعب له تأثير ضئيل أو معدوم على سياسات بلاده. صحيح الأرجنتين موطن لأكبر جالية يهودية في أمريكا اللاتينية، ولكن اليهود يشكلون أصغر أقلية دينية في الأرجنتين.
يشير راين إلى أن هذا التماهي المفرط ليس فقط مع اليهودية الأرثوذكسية، بل وأيضاً مع الحكومة الإسرائيلية الحالية». مثلاً، عندما قطعت بلدان في أمريكا الجنوبية علاقاتها مع إسرائيل أو استدعت سفراءها بسبب الحرب في غزة، قام ميلي بأول زيارة خارجية له كرئيس إلى إسرائيل، وأعلن عن خطته لنقل السفارة الأرجنتينية إلى القدس.
يضيف راين في فصل بالكتاب عنوانه «الأرجنتين، الأرض الموعودة الأخرى»، إلى أن ميلي «يتحدث عن نفسه وأخته كارينا، التي تعد مستشارته الأولى، باعتبارهما موسى وهارون، الأخوين اللذين أخرجا بني إسرائيل من مصر وقاداهم إلى الأرض الموعودة». ويعلق راين: «لقد كنتُ أشعر بالفضول لمعرفة سبب قيامه بهذا، وأعتقد أن جزءًا من ذلك يتعلق بأسطورة القوة اليهودية، فكرة أنه إذا تمكن من الاتصال بشخصيات رئيسية في العالم اليهودي فقد يكون ذلك مفيدًا لحملته السياسية ولشعبه، على الرغم من أن اليهود هم أصغر أقلية دينية في الأرجنتين».
- • •
يذكر راين أن أحد الموضوعات التي تبرز في كل المقالات تقريباً هو الخوف من أن «التعاطف المفرط» الذي يظهره ميلي مع اليهود قد يؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية قائلاً: «هناك مخاوف بالتأكيد داخل المجتمع اليهودي بالأرجنتين من أنهم قد يصبحون كبش فداء إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية أو تبين أن رئاسته كانت بمثابة فشل ذريع. ولا أعرف عدد الأشخاص المتخوفين بدقة، ولكن العديد من اليهود في الأرجنتين يشعرون بعدم الارتياح إزاء هذا التعاطف، على الرغم من أن قلة منهم يشعرون بالابتهاج».
إحدى مقالات الكتاب كتبها أليخاندرو سويفر، متخصص في تاريخ حركة “حباد” في الأرجنتين، وحركة “حباد” هي فرقة في اليهودية الأرثوذكسية. حاول سويفر أن يشرح الروابط الوثيقة بين الحركة ورئيس الأرجنتين الكاثوليكي- وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن حركة “حباد”، باعتبارها حركة أرثوذكسية، لا تشجع على التحول الديني، وأن ميلي لم يخفِ خططه لتغيير ديانته.
كتب سويفر: ليس من المستغرب أن تختار حركة “حباد” التحالف بشكل وثيق مع ميلي. كانت أيديولوجيتهم تميل تقليديًا نحو اليمين المحافظ في الطيف السياسي، وتحتضن الثقافة والهوية الأمريكية بالكامل، إلا أنها تُظهر البراجماتية. إذ تسعى حركة “حباد” إلى اكتساب حلفاء في مناصب السلطة، وبارعة في هذا السياق. لذا في هذه الحالة يبدو الأمر وكأنه زواج مصلحة: إذ تتجاهل حركة “حباد” معارضتها القوية للتحولات الدينية، في حين يجد ميلي في حركة “حباد” عقيدة تتوافق مع نظرته للعالم.
- • •
القسم الأخير من الكتاب مخصص لمقالات عن الأرجنتين وإسرائيل واليهود في عالم ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ومن بين الذين قُتلوا واختُطفوا في يوم مذبحة حماس كان عدد كبير منهم من أصول أرجنتينية. والواقع أن العديد من الكيبوتسات على حدود غزة أسسها مهاجرون من الأرجنتين.
يلاحظ راين أن بوينس آيرس (عاصمة الأرجنتين) لم تشهد نفس المظاهرات الحاشدة ضد الحرب في غزة التي انطلقت في العواصم الكبرى الأخرى، كما أن الأرجنتين لم تشهد مظاهرات في الجامعات مثل تلك التي كانت فى جامعتي كولومبيا وهارفارد. باختصار، كان رد الفعل تجاه الحرب في الأرجنتين مختلفاً تمام الاختلاف عن أي مكان آخر في أمريكا الجنوبية، وهناك سبب وجيه لذلك. فالأرجنتين- وليس اليهود الأرجنتينيون وحدهم- أخذت أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على محمل شخصي للغاية.
…………….
ــــــــــــــــــــ
* كاتبة ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق