ابراهيم ريحان *
جاءَ مُفاجئاً خبر مقتل رئيس المكتب السّياسيّ لحركة “حماس” يحيى السّنوار في اشتباكٍ مع قوّةٍ إسرائيليّة في منطقة تلّ السّلطان في مدينة رفح. كما تدحضُ الطّريقة التي قُتِلَ بها السّنوار كلّ الرّوايات الإسرائيليّة عن تحصّنه في الأنفاق، وأنّه محاطٌ بالأسرى الإسرائيليين. كذلكَ خرجَت روايتان إسرائيليّتان عن مقتل السّنوار. الأولى تؤكّد أنّ الاشتباك وقع صدفةً، والثّانية تقول إنّ القوّة التي اشتبكَت مع السّنوار ورفاقه لم تكن تعمل في المنطقة من باب الصّدفة. فماذا في رواية اغتيال يحيى السّنوار؟ وماذا يعني اغتياله في كِلتا الحالتيْن؟
أوّل ما يردُ إلى الذّاكرة بعد مُشاهدة جثّة زعيم حركة حماس يحيى السّنوار يرتدي جعبته العسكريّة ويحمل سلاحاً تلك المشاهد التي بثّتها القنوات الإسرائيليّة بعدَ دخولها غزّة والمأخوذة من كاميرات مراقبةٍ والتي تُظهرُ السّنوار وأسرته يتجوّلون في أحد الأنفاق. منذ ذلكَ الحين كانَت التقديرات لدى الإسرائيليين والأميركيين أنّ “أبا إبراهيم” يقيمُ في نفقٍ محصّنٍ ويتّخذُ ممّن بقي حيّاً من الأسرى الإسرائيليين درعاً بشريّاً يُحصّنه من الاغتيال.
جاءَ عصرُ السّابع عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 لتبثّ القنوات العبريّة صوراً تُظهرُ يحيى السّنوار مُصاباً بعدّة طلقاتٍ ناريّة وهو يحملُ جعبته وسلاحاً يعودُ لأحد الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في عمليّة خاصّة في خان يونس في عام 2018، ويحيطُ به ردمُ المبنى الذي كانَ يقاتل منه بعد قصفه بقذائف الدّبابات.
صدفة أم لا؟
أولى الرّوايات الإسرائيليّة التي خرجَت بعد التأكّد من أنّ المقتولَ في تلّ السّلطان هو يحيى السّنوار، قالت إنّ قوّةً إسرائيليّة اشتبكَت مع مجموعة من المُسلّحين تبيّن لاحقاً أنّ بينهم رئيس المكتب السّياسيّ لحركة “حماس” والعقل المُدبّر لعمليّة “طوفان الأقصى”. هذه الرّواية التي نقلتها القناة 12 العبريّة ذكرَت أنّ الاشتباك وقع عن طريق الصّدفة.
إن صحّت هذه الرّواية، فإنّها تُسبِّبُ إحراجاً سياسيّاً وأمنيّاً لحكومة بنيامين نتنياهو، خصوصاً أنّها تؤكّد عجزَ الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة عن تعقّب المطلوب الأوّل على لوائح الاعتقال أو الاغتيال. إذ إنّ الجيش الإسرائيليّ وكلّ الأجهزة الأمنيّة من الموساد والشّاباك و”أمان” تعملُ منذ سنةٍ على أراضي غزّة لهدفيْن لا ثالثَ لهما: إيجاد الأسرى والوصول إلى يحيى السّنوار.
سارعَ المسؤولون الإسرائيليّون إلى محاولة قلبِ الصّورة، وأكّدَ في هذا الإطار وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش لـ”هيئة البثّ الإسرائيليّة” أنّ القوّة التي اشتبَكَت مع السّنوار ورفاقه لم تكن تعملُ هناك صدفةً، إذ كانت تُتابع معلومات تؤكّد وجود قيادة حماس في منطقة تلّ السّلطان في مدينة رفح.
كلام سموتريتش جاءَ مطابقاً لما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤولين أمنيّين من أنّ قوّات الجيش لم تكن في المنطقة بالصدفة. وفي الآونة الأخيرة وصف الشاباك المنطقة بأنّها مكان يُعتقد أنّ كبار مسؤولي حماس يختبئون فيه.
كما نقلت الإذاعة عن المصادر قولهم: “ممارسة الضّغط العسكريّ على المنطقة يجعل من يعيش فيها يرتكب خطأ، ومع ذلك فإنّ ما جرى كان عرضيّاً، والتصفية كانت عرضيّة، وتمّ تنفيذ العملية من قبل قوّة مشاة تابعة للجيش من دون مشاركة وحدات خاصّة ولا توجيه مستهدف من أجهزة الاستخبارات”.
إن صحّت رواية الجيش الإسرائيليّ عن تعقّب أثر السّنوار واغتياله وتضاربها مع روايات بعض وسائل الإعلام العبريّة التي تؤكّد أنّ الاغتيال كانَ من باب الصّدفة، سنكون أمام استنتاجٍ واحدٍ هو أنّ نتنياهو يُريدُ قتل أيّ طرفٍ يُفاوض لضمان استمرار العمليّات العسكريّة في غزّة ولبنان.
1- سبقَ اغتيالُ السّنوار اغتيال نائب رئيس الحركة السّابق صالح العاروريّ في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت مطلع العام الجاري. إذ كانَ العاروري يتولّى التّنقّلَ بين الدّوحة وأنقرة والضّاحية لتبادل الرّسائل والتّفاوضِ حولَ صفقةٍ محتملة لتبادل الأسرى حينذاك.
2- بعد العاروري اغتال نتنياهو رئيس المكتب السّياسيّ السّابق إسماعيل هنيّة في طهران. وذلكَ بعدما كانَ هنيّة يتولّى التفاوض عن حماس لإبرام صفقةٍ لتبادل الأسرى. وجاءَ اغتياله في توقيتٍ كانت الولايات المُتحدة تسعى لإعادة إحياء “صفقة بايدن” لتبادل الأسرى ووقف الحرب في غزّة.
3- في 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعطى نتنياهو الأوامر لاغتيال حسن نصرالله أثناءَ مشاركة رئيس الحكومة الإسرائيليّة في أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة في نيويورك. وكانَت الأجواء يومها تشير إلى إمكانيّة التّوصّل إلى حلّ بشأن الجبهة اللبنانيّة بعدما أبلغَ نصرالله الوسطاء أنّه جاهزٌ لإبرام صفقة لوقف إطلاق النّار.
4- جاءَ خبر اغتيال السّنوار بعدما وصلَ للوسطاء أنباءٌ عن جهوزيّة السّنوار لاستئناف مفاوضات تبادل الأسرى بعد توقّفها لـ4 أسابيع بشكلٍ كامل.
ملاحظاتٌ حولَ مقتل السّنوار:
يجدرُ التوقّف عند عدّة نقاطٍ حولَ عمليّة مقتل السّنوار:
1- كانَ السّنوار برفقة عددٍ محدود من قادة القسّام، ومعهم جوازُ سفرٍ يعودُ لمواطنٍ يُدعى هاني زعرب. تبيّن في وقت لاحق أنّ “زعرب” الذي يعملُ في وكالة “الأونروا” لم يكن مع السّنوار ورفاقه. وتشير معلومات “أساس” إلى أنّ “زعرب” كان يتولّى نقل الرّسائل بين السّنوار والوسطاء.
2- لم يكن في المبنى الذي قاتلَ منه السّنوار أيّ مؤشّرات إلى أنّ المبنى مقرّ للسّنوار. إذ كانَ خالياً من الموادّ الغذائية والطّبيّة. وهو ما يعني أنّ السّنوار كانَ ينتقلُ في تلكَ المنطقة، وليسَ مستقرّاً فيها.
3- سارَع وزير الدّفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت إلى طمأنة أهالي الأسرى إلا أنّه لم يُعثر على أيّ أثر أو دليل يشير إلى وجود الأسرى برفقة يحيى السّنوار.
وهذا يؤكّد أيضاً أنّ السّنوار كانَ عابراً فقط في منطقة تلّ السّلطان.
كاتب صحفي لبناني
المصدر: أساس ميديا