نزار السهلي *
أكثر ما يلفت الانتباه في المشهد العربي الملتهب من عدوان المحتل وجرائمه في فلسطين ولبنان وسوريا، هو موقف نظام الأسد، الذي يبعث على التأمل، في ظل امتداد رقعة العدوان التي طالت أهم حلفائه في المنطقة، «حزب الله» وقياداته العسكرية والسياسية على رأسهم حسن نصرالله، مع اشتداد العدوان الذي يطال بعض مقرات النظام ورموزه السيادية على الأرض.
وأصبح الأمر اعتيادياً يومياً كخبر مكرر في وكالة أنباء النظام عن العدوان ومحاولة التصدي له لا الرد عليه.
موقف موسكو:
واللافت هنا موقف موسكو المراقب لقذائف عدوان الاحتلال بالقرب من قاعدتها العسكرية في حميميم «اللاذقية» التي دمرت مقرات وقواعد حيوية للنظام السوري وحلفائه بالقرب منها.
من المعلوم أن حلفاء النظام السوري، أبدوا استبسالاً منقطع النظير بالدفاع عنه طيلة سنوات، وقدموا تضحيات من أرواحهم ودمائهم ومواقفهم للدفاع عنه منعاً لانهياره، بالمقابل يبدي النظام حالة من الصمت المذهل أمام ما يتعرض له حلفاؤه في لبنان من عدوان يستهدف إبادتهم وتصفيتهم، على طريقة العقاب الغزي نسبة لجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة باستهداف كامل البنية الاجتماعية وبجرائم التطهير العرقي لهم بالطريقة نفسها التي انتهجها الأسد مع خصومه من المجتمع السوري، اكتفاء النظام السوري بإصدار بيانات عائمة، تصلح لوكالة أنباء غربية عن كل ما يجري لحلفائه في محور المقاومة في لبنان وفلسطين، تذكير بحجم الخذلان الذي يشتكي منه ضحايا العدوان الاسرائيلي المستمر في كل الساحات التي نجح الإسرائيلي باستهدافها فرداً فرداً بعد غياب وحدة مواجهته بما يليق ويتناسب حقيقة مع حجم وقدرة العدوان وجرائمه .
الغطرسة الصهيونية:
فرد «الجميل» الغائب، على الأقل لمن قدم دمه وتاريخه وتضحياته كرمى لوجود الأسد، تحت ذريعة الحفاظ على نظام «مقاوم» في المنطقة، ويشكل سداً منيعاً أمام الغطرسة الصهيونية، حسب أدبيات وشعارات حلف الأسد الذي سانده في حربه ضد السوريين، أحدث عكس هذه الشعارات على الأرض، فالغرق في مستنقع إنقاذ الديكتاتور السوري، كان ثمنه باهظاً على كل قضايا المنطقة العربية، بدءاً من فلسطين وانتهاءً بإعادة بسط الاستبداد العربي لسلطته والتآمر على الثورات المغدورة، والنزيف الخاسر الذي نشهده من رصيد حلف الممانعة من طهران الى دمشق، لم يجد طريق استرداده وتذخيره بجولة المشاغلة للعدو طيلة عامٍ كامل، إذ لم ترتقِ هذه المشاغلة حينها لمستوى المعركة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وحيدةً.
ولم يوقع حلفاء فلسطين إيلاماً للعدو يمنعه من مواصلة جرائم الإبادة، رغم القدرة والإمكانية التي تمتع بها حلفاء الأسد في موسكو وطهران وضاحية بيروت مُجتمعين ومُتحدين على الجغرافيا السورية، الاختلال في ميزان الردع الذي أطلقته المقاومة في لبنان بعدم الرد على استباحة الاحتلال لكل الخطوط الحمراء من استهداف قيادات فلسطينية في ضاحية بيروت وقيادات لـ«حزب الله»، ثم الاختراق الأمني الواسع لتفجير شبكته اللاسلكية واغتيال حسن نصرالله والرد الإيراني عليه.
طعنة للحلفاء:
النظام السوري بمواقفه وسياساته وسلوكه، مثلَ طعنة كبرى لحلفائه في المواجهة الدائرة من غزة إلى طهران، تقوقعه وشرنقته المعروفة الأهداف للحفاظ على سلالة حكمه، كان ثمنها المقتلة والحطام الذي خلفه في عموم سوريا ومنح الجرأة للعدو بنسخ جزء من جرائمه.
فسياسة الجبن المنتهجة أمام العدوان المستمر على سيادته والتفريط المذهل بها، تكفي لاستنتاج الكثير من الخلاصات التي كان للسوريين والعرب رأي صائب بها، أن المواقف الرسمية العربية والدولية ومنها السياسة الروسية لإعادة التطبيع معه، تصب في التفاهمات الروسية الإسرائيلية المنجزة في سوريا، وإلا كيف يفهم الموقف الروسي الشبيه لموقف حليفه الأسدي من العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، ومما يجري في المنطقة كلها، لم يظهر الدور الروسي مع كل حلف المقاومة كحليف على طريقة الأمريكي والغربي، للدفاع عن حليفه ومصالحه بمواجهة الوحشية الصهيونية، ولم يظهر النظام السوري كحليف قوي على طريقة من سانده وهو يتابع إبادته، وكأن استخدام التحالف للاستعمال الداخلي فقط للحفاظ على وظيفة محددة للنظام.
القضايا العربية:
أخيراً، القضايا الاستخدامية النفعية، التي حكمت سياسة الديكتاتور السوري ومصالحه مع حلفائه، تقدم درساً مؤلماً للقضايا العربية الأخرى، والفرصة التاريخية لن تستعاد في التطهر من كل خطاياه ومن دماء السوريين والفلسطينيين.
أما العرب المتباكون على وحدة وسيادة سوريا، يصمتون كما حليفهم الأسد عن كل الخردقة التي أصابت السيادة السورية من الاحتلال، هذا الصمت المشترك والمغلف بنفاق عربي يرقى لمستوى التآمر والعجز منذ عام على وقف جرائم الإبادة في فلسطين، مازال يتفاخر بصفرية وزنه بغياب مؤسسات جامعته من توسع العدوان الذي يئن تحته بلد عربي وصواريخ طائرات الاحتلال تتأهب لتدمير عاصمة عربية.. طبعاً كل ذلك لا يهم أمام بقاء الأسد ومن يوازيه في أنظمة الاستبداد بعد نجاحهم بالحفاظ على وجود الأسد والقضاء على مطالب شعوبهم بالتحرر والمواطنة والكرامة والتفريط بأمنهم القومي، فإن الخلاص من القضية الفلسطينية ومقاومتها، ومن الثورات العربية، هو جوهر عمل عربي مشترك في سوريا ولبنان ومصر وتونس وبقية النظام العربي، وإلا ماذا أضاف إنقاذ العرب لسفاح السوريين ولفلسطين والعرب عموماً غير حماية الهزيمة العربية ورد الجميل تبادلي مع المحتل بالصمت عن الجريمة.
٭ كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي