الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

قضايا الشرق الأوسط بين هاريس وترامب

محمد المنشاوي *

لم تشغل قضايا السياسة الخارجية إلا حيزاً ضئيلاً من كل المناظرات الرئاسية التي جمعت الرئيس السابق دونالد ترامب سواء بجو بايدن أو خليفته كامالا هاريس. ويتفق هذا مع القول الشهير إن كل السياسات محلية، بل ومحلية جداً فى الحالة الأمريكية.

وليس من المستغرب أن الناخبين الأمريكيين لم يسمعوا الكثير من الآراء في المناظرات، ناهيك عن العمق، حول قضايا السياسة الخارجية خاصة بالنسبة لهذه الدورة الانتخابية التي تتزامن مع اهتمام ضخم بقضايا محلية تمس حياتهم مباشرة، من ارتفاع قياسي في أسعار المواد الغذائية إلى حق المرأة في الاختيار والإجهاض، وقدوم ملايين المهاجرين غير الشرعيين. أي إن هناك ما يكفي من القضايا المحلية التي تثقل كاهل الناخبين ولا تترك مساحة صغيرة لأي من المرشحين لإعطاء الأولوية لقضايا السياسة الخارجية خاصة مع عدم تورط الجيش الأمريكي في حروب مباشرة وضخمة.

ولا يختلف موقف الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، كثيراً تجاه القضايا الخارجية الرئيسية لبلادهم، سواء تجاه مواجهة التحدي والصعود الصيني المستمر، أو تجاه ضرورة إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، أو حينما يتعلق الأمر بدعم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

يتخذ المرشحان موقفاً شبه موحد تجاه استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، ويكرر الفريقان مقولة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها عند تعرضهما لأي سؤال حول مخالفة الحكومة الإسرائيلية للقوانين الأمريكية أو الدولية.

وفي وقت يرى بعض المراقبين العرب أن هاريس تتعاطف مع المحنة الفلسطينية، يمثل دعمها الكامل وغير المشروط لإسرائيل الموقف الأكثر وضوحاً واتساقاً مع سياسات حزبها تجاه الصراع.

نال العدوان الإسرائيلي على غزة بعض الإشارات الضئيلة في المناظرة الرئاسية لم تزد مدتها عن خمس دقائق. ويؤكد ترامب أن بإمكانه التفاوض السريع والحاسم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحركة حماس لتأمين اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.

وأكدت هاريس وكررت دعمها لإسرائيل والحاجة إلى إطلاق سراح الرهائن، كما أشارت إلى أن دعم الولايات المتحدة لـ«حل الدولتين» من شأنه أن يمنح الفلسطينيين الأمن والسيادة. وقالت: «ما نعرفه هو أن هذه الحرب يجب أن تنتهي».

وتؤيد السيدة هاريس وقف إطلاق النار الذي ستطلق فيه حماس سراح جميع الرهائن الذين احتجزوا في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة. دعت لأول مرة إلى وقف إطلاق النار في أوائل آذار/ مارس، وكانت أكثر صخباً إلى حد ما من الرئيس بايدن حول الأزمة الإنسانية التي سببها القصف والغزو الإسرائيلي في غزة.

وقد أعرب ترامب، الذي قال خلال المناظرة إن هاريس «تكره إسرائيل»، عن دعمه المستمر لغزو إسرائيل وقصفها لغزة. كما حث إسرائيل على «إنهاء» الحرب لأنها تفقد الدعم. وبينما كان ينتقد فى البداية نتنياهو والمخابرات الإسرائيلية، واصفاً كليهما بعدم الاستعداد لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر ، سرعان ما تراجع ترامب عن تلك التصريحات وقال إنه يقف مع الزعيم الإسرائيلي، الذي كان متحالفاً معه بشكل وثيق كرئيس.

وقد أيدت هاريس حل الدولتين اللتين يعيش فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب في دولتين ذاتيّ سيادة. أصدر السيد ترامب اقتراح سلام وصفه بأنه مخطط لحل الدولتين عندما كان رئيساً، لكنه لم يكن ليخلق دولة فلسطينية تتمتع بالحكم الذاتي الكامل، وكان ينظر إليه على أنه يفضل إسرائيل بقوة.

وتعبر هاريس عن عدم اتفاقها مع نتنياهو حول إدارته للحرب في غزة، لكنها لم تؤيد الإجراءات التي من شأنها أن تؤثر بشكل ملموس على سلوكه أو سلوك حكومته. وبينما تغيبت هاريس عن خطاب نتنياهو أمام الكونجرس في تموز/ يوليو، التقت به على انفراد أثناء وجوده في واشنطن.

دعم ترامب بقوة حكومة نتنياهو، وكرئيس قدم لإسرائيل عدداً من الهدايا السياسية، بما في ذلك دعم السياسات الإسرائيلية المتشددة التي رفضتها الإدارات الأمريكية السابقة. إلا أن إدارة بايدن- هاريس، لم تردْ أياً من هذه الهدايا التي وعدت بها الجانب العربي مثل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، أو فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية لخدمة فلسطيني المدينة، ولم تعد العمل بالاتفاق النووي مع إيران. ومنذ أن خسر السيد ترامب انتخابات عام 2020، كان أقل ودية إلى حد ما تجاه السيد نتنياهو، على ما يبدو لسبب شخصي وهو تهنئته للرئيس بايدن على فوزه.

لا يكترث المرشحان والحزبان بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا في الشرق الأوسط ولا خارجه. ويظهر ذلك في موقف بايدن تجاه حلفائه التقليديين بالشرق الأوسط رغم لغة الخطاب الانتخابي القوية عام 2020. ولم تتعرض هاريس لأي من هذه القضايا الهامشية والتي تُستغل فقط لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الاستراتيجية والصريحة. وتجاه هذه القضايا، يتخذ ترامب موقفاً أكثر صراحة ووضوحاً، إذ لا يكترث بقضايا الديمقراطية وغياب الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان حول العالم.

في النهاية لم يخض ترامب أي حرب خارجية، ووصل لاتفاق سحب قوات بلاده من أفغانستان، وحاول رد هوة الخلاف مع كوريا الشمالية، في خطوات دراماتيكية لم يجرؤ عليها رئيس أمريكي آخر.

وبصرف النظر عن تأكيد الدعم لإسرائيل، لا أجد فارقاً واضحاً بين ترامب وهاريس في دعمهما لإسرائيل، لكن في الوقت ذاته، يسمح كون ترامب من خارج أجهزة ومؤسسات الحزب والدولة، أن يمنحه بعض الحرية في اتخاذ قرارات ومواقف مغايرة خارج الصندوق، والتي لن تكون خبراً سيئاً للجانب الفلسطيني بعدما منح ترامب إسرائيل ما تريد خلال فترة حكمه الأولى، وهو ما دعمه ووثقه ولم يغيره بايدن ولا هاريس.

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.