علي محمد فخرو *
خطوة بعد خطوة، وبأشكال لا حصر لها من الأقنعة والتعابير الغامضة، ينجح الخارج الاستعماري والصهيوني في تمزيق كل نظام عربي وحدوي مشترك، خصوصاً بعد أن وجد من يعينه، بقصد أو من دون قصد، من الداخل العربي. كل خطر وكل انتكاسه وكل تهديد مريع لمستقبل هذا القطر العربي، أو ذاك أصبح التعامل معه يجري بصورة مستقلة، ومن دون أيّ تشاور مع أحد من قبل كل دولة عربية على حدة.
ونذكر هنا بعض الأمثلة، فقد قاد الخلاف بين المغرب والجزائر حول الموضوع الصحراوي، إلى قطيعة شبه تامة بين الدولتين، على المستويين الرسمي والشعبي، ومن ثم أدى ذلك إلى غياب مجلس الاتحاد المغاربي عن الوجود. فهل اعتبرت الجامعة العربية، إن لم تكن مؤسسة القمة العربية، ذلك التطور الكارثي خطراً قومياً يهم الجميع؟ هل كوّنت لجنة وساطة لحلّ هذا الأمر قبل أن ينهار الاتحاد المغاربي، وقبل أن تستغل قوى الخارج الفرصة، لتربط هذا الخلاف بموضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني بصور سافرة، وبطرق تحمل شتّى أنواع المخاطر على الدول المغربية غير المطبّعة؟ لقد ترك الأمر لكل دولة عربية، سواء في المغرب العربي، أو في مشرقه، أن تتصرف كما تشاء تجاه هذا الموضوع.
وكالعادة بدأت أمريكا تضغط على هذا أو ذاك لتساهم بطرقها الانتهازية في القضاء على الاتحاد المغاربي، وبالتالي على إضعاف أي توجه وحدوي مستقبلي في أوساط الشعوب العربية المغاربية، الهدف الذي في النهاية يخدم المشروع الصهيوني الاستعماري. مثل هذا التراجع الكارثي يحدث الآن بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني هو موضوع قومي عربي وموضوع خليجي مشترك، وليس موضوعاً وطنياً لكل دولة على حدة. وكان الأحرى أن لا يتم أي نوع من التطبيع، إلا بعد مناقشة الموضوع من قبل كل دول مجلس التعاون، وبشرط توفر الإجماع وإشراك الشعوب في الأمر. لكن أمريكا، كالعادة، استطاعت أن تستعمل شتّى الضغوط، وتقدم شتّى الوعود الكاذبة لدول الخليج، كلا على حدة، لتقلب موضوعاً كان مشتركاً عبر عشرات السنين، إلى موضوع محلّي مصلحي وطني لهذه الدولة أو تلك. واليوم يمثّل موضوع التطبيع أحد أهم الأخطار التي تهدّد مستقبل مجلس التعاون الخليجي الوجودي، وهذا ما يسعى إليه الاستعمار الغربي الصهيوني منذ أن بدأ الاستعمار الصهيوني لفلسطين. ولنذكر مثال موضوع العمالة الأجنبية في دول الخليج، وما يتبعها من حركات تجنيس هائلة في دوله. هل إن هذا الموضوع، المتعلق بهوية الخليج العربي العروبية والإسلامية، وبالتالي الوجود العربي في الخليج، هل إنه موضوع وطني محلي؟ أم إنه موضوع قومي وخليجي مشترك في مجلس تعاون ينادي نظامه التأسيسي بوحدة دوله في المدى البعيد؟ ألا يمثل مثل هذا الخطر الهائل كارثة مستقبلية لمجلس التعاون نفسه، ويساهم في تمزيقه وتدميره؟ أليس هذا ما تريده أمريكا، وما يريده الكيان الصهيوني من أجل تمرير مشاريعهم التآمرية، من مثل مقترحاتهم المتعلقة بقيام شرق أوسطي كبير جديد، أو بقيام مشروع الدين الإبراهيمي الجديد، الرامي لإزاحة الدين الإسلامي من الوجود، وإحلال تحالف الدين اليهودي ـ المسيحي ـ الصهيوني مكانه؟
وأخيراً، أليست قضية كارثية، أن لا يكون للجامعة العربية أو مؤسسة مؤتمر رؤساء الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أي دور يذكر في مواجهة ما يحدث في سوريا والسودان واليمن وليبيا ولبنان؟ وغداً، عندما يستفرد الكيان الصهيوني بلبنان المنهك المدمّر ويحتل جنوبه، هل ستقف تلك المؤسسات القومية والإسلامية موقف المتفرج، كما فعلت بالنسبة لكل كوارث العشرين سنة الماضية عبر الوطن العربي كله؟ لقد عجزت الأقلام والألسن، وهي تطرح الأسئلة وتشير إلى المخاطر، من دون أن ترى أية بادرة واحدة من مسؤولي الدول العربية والإسلامية نحو الخروج من هذا الجحيم الذي تعيشه الشعوب العربية والإسلامية، ضداً لكل المواثيق العربية القومية الكثيرة وضداً لكل المواثيق الإسلامية.
إذا اعتقد هؤلاء المسؤولون بأن الجواب هو عند بعض مسؤولي الحكومات في عواصم أمريكا وإنكلترا وفرنسا وألمانيا والكيان الصهيوني، فإنهم سيضيفون إلى حماقات الماضي الكثيرة حماقة كارثية وجودية جديدة.
* كاتب بحريني
المصدر: القدس العربي