عمر كوش *
لم تتوقّع الأوساط السياسية الأردنية أن يحصل حزب جبهة العمل الإسلامي على 31 مقعداً في مجلس النواب الجديد، إذ نال 17 مقعداً على مستوى القوائم الحزبية العامّة (الوطنية)، و14 على مستوى القوائم المحلّية، في انتخابات العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري. وتمكّن هذا الحزب، الذي يُعَدُّ ذراعاً سياسيةً لجماعة الإخوان المسلمين، من تحقيق سابقة في تاريخه، إذ لم يحصل من قبل على هذا العدد من المقاعد البرلمانية. وكانت أفضل نتائجه السابقة في العام 1989، عندما حصل على 22 مقعداً من أصل 80 مقعداً في برلمان ذلك الزمن، ثمّ حصد 16 مقعداً في انتخابات 2016. أمّا في البرلمان المنتهية ولايته فقد كان عدد مقاعده خمسة مقاعد، وهو نفسه عدد مقاعد حليفه حزب الوسط الإسلامي، ومن أصل 130 مقعداً.
غير أنّ هذه النتائج التي حققها حزب جبهة العمل الإسلامي دفعت مراقبين أردنيين إلى وصفها بعملية “اجتياح” من مُرشّحي هذا الحزب، ولم يكتفِ آخرون بوصفها “اكتساحاً” أو “مفاجأة” فقط، بل راحوا يشيدون بحماسة شديدة بهذا الحزب، الذي أوصل شخصياتٍ كبيرةً ومخضرمةً، وعدة نساء، واعتبروا أنّ التصويت له عبّر عن تصويت الشارع الأردني لصالح غزّة و”طوفان الأقصى”، ولم ينسوا الإشارة إلى ذكاء المسؤولين عن حملته الانتخابية، الذين حرصوا على إعلان النتائج في الدوائر كلّها قبل أن تُعلِنها الهيئة المُستقلّة للانتخابات.
لا تفيد الحماسةُ، والانفعالُ، في تقديم تحليل هادئ وواقعي لنتائج الانتخابات النيابية الأردنية، التي تُظهِر أنّ الفوز الكبير لحزب جبهة العمل الإسلامي جاء قبل كلّ شيء في مقابل الأداء الضعيف للأحزاب الأخرى، وخاصّةً تلك التي توصف بأحزاب “الموالاة” و”الوسط”، التي حقّقت نتائجَ هزيلةً، مثل حزب إرادة، والحزب الإسلامي الوطني، وحزب تقدّم، وحزب تيّار الاتحاد الوطني، وحزب عزم، وغيرها. إضافةً إلى أنّ النتائجَ تأثَّرت بالعوامل السياسية والظروف الإقليمية، خاصّةً أنّ جمهور الأردن هو الأكثر تأثَّراً بحرب الإبادة الجماعية التي تشنّها حكومة الحرب الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وفي الضفّة الغربية، منذ أكثر من 11 شهراً، وبالنظر إلى الدعم الشعبي الكبير للقضية الفلسطينية، فضلاً عن النيّات الإسرائيلية العدوانية المبيّتة ضدّ الأردن، الأمر الذي يُفسِّر أنّ الحملة الانتخابية لمُرشّحي حزب جبهة العمل الإسلامي وإن تضمنت برامجَ تخصّ حياة الأردنيين، وسبل التخفيف من معاناة غالبيتهم المعيشية، فإنها ركّزت على قضايا اجتماعية عامّة، تخصّ الحفاظ على القيم والهُويّة الإسلامية، وتمتين روابط العائلة. واتّسمت الحملات الانتخابية للأحزاب الأردنية باعتمادها الكبير على اللافتات التقليدية، والتركيز على صور المُرشّحين، التي غزت شوارع المدن والبلدات وأعمدة الإنارة وإشارات المرور فيها، على الرغم من أن هذه الانتخابات أجريت في ظلّ تحدّيات اقتصادية يواجهها الأردن، ومع تفاقم مشكلة البطالة التي وصلت إلى مُعدَّلات قياسية، بالإضافة إلى التضخّم الذي يرهق الأردنيين، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات وضعف النشاط التجاري، الأمر الذي انعكس سلباً على الأحوال المعيشية لعامّة الأردنيين، وأفضى إلى إحجام ناخبين كُثرٍ عن التصويت لمُرشّحي الأحزاب المُقرَّبة من دوائر الحكم، لذلك يتخوّف أردنيون من أنّ نتائجَ هذه الانتخابات لم تحقّق الأهداف الأساسية لتطوير المنظومة السياسية وتحديثها، خصوصاً في ظلّ الأثر الواضح الذي تركته الولاءات العشائرية والقَبَلية على عملية التصويت فيها، ومراعاة الأحزاب السياسية لها، واستغلالها من أغلب مُرشّحيها، ولا سيّما أصحاب المصالح، الذين لجأوا إلى التعبئة العشائرية كي يفوزا بالانتخابات، الأمر الذي يضرب الهدف من الإصلاحات والتعديلات في قانون الانتخاب.
ما يُسجَّل هو الأهمية الكبيرة لهذه الانتخابات البرلمانية، لأنّها أوّل انتخابات في ظلّ تحديث المنظومة السياسية، التي شملت تعديلات دستورية، وتغييرات على النظام الداخلي لمجلس النواب بهدف إيجاد تكتّلات وتحالفات، إضافة إلى إقرار قانون جديد للانتخاب في يناير/ كانون الثاني 2022، ونصّ على تحديثات سياسية كبيرة، غايتها تعزيز المشاركة الحزبية، ما أدّى إلى رفع عدد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138، ضمن دائرتَين: محلّية وعامّة، خصّص منها 97 للمحلّية، موزَّعةً على 18 دائرة انتخابية، و41 مقعداً للقائمة العامّة، تنافست عليها الأحزاب وتحالفاتها، و41 مقعداً من أصل 138، على أن يرتفع العدد تدريجياً كي يصل إلى 65% من إجمالي المقاعد في المستقبل، وذلك ضمن خطّةٍ تهدف إلى تشكيل حكومةٍ برلمانيةٍ في المستقبل.
ولعلّ السؤال المطروح سيتعلق بالكيفية التي سيكون عليها شكل التعاون بين المجلس النيابي الجديد والحكومة الأردنية، وسُبل إيجاد ممكنات التفاهم والتنسيق بين السلطتَين التنفيذية والتشريعية، والأمر سيتوقّف على الحكومة الأردنية وعلى مدى استعدادها لمنح البرلمان الجديد الفرصة كي ينجز المطلوب منه في خدمة البلد وناسه، بعيداً عن الأجندات الحزبية الضيّقة، كما أنّ النواب، خاصّةً الإسلاميين وحلفائهم، مطالبون بتأكيد حرصهم على المصلحة العامّة، وإبداء المرونة للتعاون مع الحكومة ومؤسّسات الحكم الأخرى.
تأمل غالبية الأردنيين ألّا يتحول البرلمان الجديد إلى “مجلس الديكور”، وأن يبتعد أعضاؤه عن مُجرَّد أن يكونوا “نوابَ الخدمات” أو “نوابَ الألو”، ويبرهنوا على أنّ هناك تحوّلاً سياسياً يشهده الأردن، ويؤدي فيه مجلس النواب دوراً مُؤثّراً وفاعلاً في الرقابة والتشريع، وفق أداء برامجي وجماعي، وبما يُقدّم حلولاً واقعيةً لمشكلات الأردنيين المعيشية والاقتصادية، والتحدّيات التي تواجهها البلاد، خاصّة أنّ المرحلة التي يعيشها الأردن تتّسم بتعقيدات سياسية واقتصادية متداخلة، تستوجب تفعيل دور المؤسّسة التشريعية، وتطويره عبر التنسيق الجماعي، وتفعيل الأدوات الرقابية الأساسية، وتحقيق نزاهة الأداء التشريعي وشفافيته، واستعادة الثقة التي لا يمكن بناؤها بسرعة.
* كاتب وباحث سوري
المصدر: العربي الجديد