الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كيف رسم تدخل حزب الله في سورية نهايته بعد ثلاثة عشر عام

معقل زهور عدي

لم يبدأ انهيار حزب الله بعد اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر, ولا بعد عملية البيجر الشهيرة التي أخرجت الآلاف من كوادره الأساسية خارج الخدمة بالقتل أو الإعاقة, ولا بعمليات اغتيال قياداته العسكرية, ولا حتى بعد اغتيال قائده التاريخي حسن نصرالله. كما لم يبدأ الإنهيار بتدمير مخازنه من الصواريخ والمسيرات, والقصف الشامل لمراكزه وقواته المنتشرة في لبنان, لقد بدأ قبل ذلك بثلاثة عشر سنة, ومنذ أن اتخذ حسن نصرالله بأوامر من إمامه علي الخامنئي قرار الانخراط التام ضد الثورة السورية في سلميتها ثم ضد المعارضة المسلحة ومازالت بقية من قواته حتى الآن تؤدي تلك الوظيفة رغم أن الإنهيار أصبح على مرمى البصر.

لقد انتقل حزب الله من موقع “المقاومة ضد اسرائيل” إلى موقع المقاومة ضد شعب ثار من أجل حريته وكرامته في خيانة واضحة لمبدأ الوقوف ضد الظلم.

هذه النقلة سَلبت من الحزب روحه الوطنية واضطرته لتغذية وإطلاق روح طائفية بدلاً عنها, فقد كان بحاجة للروح الطائفية لتحفظ تماسكه وتدفع حاضنته وجنوده للقتال والموت من أجل قضية لا مبرر ولا معنى لها.

دمر التدخل في سورية كل المشاعر النبيلة داخل جنوده الذين وجدوا انفسهم يقومون بأعمال قتل الأبرياء واحتلال بلداتهم وتهجيرهم والقيام بكل الأفعال المشينة حتى أصبحوا يتعاطوّن المخدرات ليُخرسوا صوت ضمائرهم بينما يستمرون في ممارسة الوحشية ضد شعب شقيق مُسالم استقبلهم بكل العطف والشهامة حين جاؤوا إليه لاجئين عام 2006.

لم يقتصر الأمر على ذلك ولكنَ ما تكشف الآن هو أن الفساد قد دب في قوات الحزب بعد دخولها لسورية وانتشارها في عموم البلاد, وبالطبع فمن لا يمتلك في قتاله هدفاً نبيلاً مقنعاً, ويمارس الوحشية والقتل للأبرياء يصبح الطريق مفتوحاً أمامه للفساد, بل يصبح الفساد وسيلة لإسكات ما تبقى من ضميره, فهو يحاول بذلك إيجاد سبب لانخراطه في ذلك المستنقع الآسن.

لقد تحولت قوات حزب الله من مقاتلين يقاتلون من أجل قضية عادلة هي مقاومة العدو الصهيوني وتحرير الأرض والدفاع عنها إلى عصابات إجرامية لا يجمعها سوى تعصب طائفي أعمى.

ومن خلال الفساد وانحلال الروابط التنظيمية وفقدان الرقابة والانتشار كمجموعات متفرقة ومتباعدة أصبح سهلاً اختراق الحزب, وشراء العُملاء والمعلومات.

وحسب تقرير موسع ذكرت “الفايننشال تايم” البريطانية أن النتيجة كانت “صورة استخبارية” مكثفة تشمل “من كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله ومن كان يحصل على ترقية ومن كان فاسداً ومن عاد لتوهِ من رحلة غير مُفسرة”؛ وقالت (رندا سليم) مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “كانت سورية بداية توسع حزب الله, وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب أمام التسلل على مستوى كبير”؛ وحسب موقع المدن فقد خلقت الحرب في سورية نافورة من البيانات متاحة لجواسيس اسرائيل وخوارزمياتهم للتحليل واستخلاص النتائج.

هكذا لم يكن ثمن تدخل الحزب في سورية إفساد أخلاق جنود الحزب, وتبديل روحهم الوطنية بروح تعصب طائفي ظهرت بوضوح لاحقاً في لبنان, ووجدت هدفاً لها في السيطرة على الدولة اللبنانية والاستعلاء على الفئات الاجتماعية الأخرى وتعمق الإحساس بالعزلة والغربة عن المحيط العربي ونمو روح عدائية ضده, وكل ذلك كان يعمق مأزق حزب الله ومأزق الدولة اللبنانية ويسير بلبنان نحو الهاوية.

وفي الواقع فقد انزاح هدف المقاومة جانباً وأصبح مجرد غطاء سياسي يبرر وجود حزب مسلح بتسليح يفوق تسليح الجيش اللبناني, ويفرض هيمنته على الدولة عن طريق قوته العسكرية؛ وحتى حين انخرط الحزب بما يسمى حرب المشاغلة فقد كان يقدر أن حرب غزة ستنتهي سريعاً, وأن إسرائيل ستتقبل مناوشتها ضمن “قواعد الاشتباك” وأنه سيخرج من ذلك بفائض قوة وسمعة يمكنه من إحكام قبضته على الداخل اللبناني.

وبينما كان حسن نصرالله يغرق في أحلامه, كانت اسرائيل قد أصبح لديها كنز من المعلومات وكنز آخر من الجواسيس والفاسدين داخل الحزب, بحيث صار باستطاعتها تدمير الحزب من الداخل بأقل التكاليف.

أورد موقع المدن نقلاً عن سياسي لبناني رفيع المستوى في بيروت أن اختراق حزب الله من قبل المخابرات الاسرائيلية أو الأمريكية كان “ثمن دعمهم للنظام السوري”.

هكذا وجدت دماء مئات الآلاف من السوريين الذين قُتلوا ظلماً على يد حزب الله الطريق للانتقام من القاتل ولو بعد حين.

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.