بسام يوسف *
لا أظن أن التاريخ، في قديمه وحديثه، قد شهد مشهداً مماثلاً لما يعيشه السوريون في لبنان حالياً بعد اندلاع الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله. الظروف التي يمر بها السوريون يصعب أن تُكررها أي مرحلة تاريخية أخرى، فالبشرية التي شهدت العديد من الحروب والنكبات كانت دائماً تميل إلى ترك أنظمة عبور الحدود جانباً في أوقات الكوارث، إذ كانت حماية الأرواح أهم من القوانين التي تطبق في الظروف العادية.
بالطبع، هناك دول أغلقت حدودها في زمن الحروب والكوارث، وأخرى ضيّقت العبور لأسباب مختلفة، لكن هل شهد التاريخ من قبل إغلاق دولة حدودها في وجه مواطنيها في زمن الحرب؟ هذه سابقة تاريخية لا تُعرف إلا في عهد الدولة الأسدية، إذ لا قيمة لأي منطق إنساني أو قانوني، ولا معنى للمواطنة في هذه الدولة المشوهة.
عندما غادر السوريون بيوتهم هرباً من آلة القتل الأسدية، لم يتوقعوا أن هذا النزوح سيستمر لسنوات طويلة. وكان من البديهي أن تكون الدول المجاورة الوجهة الأولى، فاختار بعضهم تركيا، الأردن، أو العراق، في حين اختار آخرون لبنان، لقربه وسهولة الدخول والخروج منه، فضلاً عن اعتبارات تاريخية وديمغرافية. ولكن، ما مروا به في لبنان فاق توقعاتهم، وتجاوز كثيراً ما تنص عليه المعايير الإنسانية والقوانين الدولية.
ما شهده السوريون في لبنان مؤخراً كان غير مألوف وصادماً، إذ تم منع السوريين الذين فروا من القصف الإسرائيلي من دخول مراكز الإيواء التي أُنشئت للنازحين، بحجة أن بإمكانهم العودة إلى سوريا. هذا القرار وضعهم بين جحيمين: الموت من القصف الإسرائيلي، أو الموت الذي ينتظرهم إن عادوا إلى سوريا. أطفال ونساء يقفون في عراء الخوف والجوع، ورجال عاجزون يفضحهم القهر.
السوريون العائدون إلى وطنهم يجدون أنفسهم مضطرين لدفع رسوم دخول تبلغ مئة دولار لكل شخص، ويتعرضون للاستجواب المهين على الحدود. وفي كثير من الأحيان، يتم اعتقالهم أو منعهم من دخول البلاد.
في معظم دول العالم، حتى الفقيرة منها، تستنفر الحكومات لمساعدة مواطنيها في الأزمات. ولكن في سوريا، الحكومة تستثمر في نكبات مواطنيها وتستخدمها كوسيلة للانتقام منهم بسبب مواقفهم السياسية. في كلمته الأخيرة، طلب بشار الأسد من حكومته مساعدة اللاجئين اللبنانيين، لكنه لم يذكر بكلمة واحدة السوريين الذين يتعرضون للموت في لبنان.
الدولة السورية التي لا تهتم بحماية مواطنيها داخل البلاد، بالتأكيد لن تهتم بهم خارجها. إذ تصنفهم فقط بناءً على معيار الولاء للنظام الحاكم. وفي ظل غياب الدولة، يقف السوريون بين خيارات لا تفضي إلا إلى موتهم، بعدما خذلتهم دولتهم وأهلهم.
إلى متى سيظل السوريون صامتين أمام هذا الاستباحة الفاجعة لحياتهم؟ وما يزيد الألم هو رؤية سوريين داخل البلاد يعرضون بيوتهم لمشاركة اللاجئين اللبنانيين، في حين يتجاهلون معاناة أشقائهم السوريين الذين يُمنعون من دخول وطنهم.
في عهد حافظ الأسد، كان يُكتب على جوازات السفر السورية: “يسمح لحامل هذا الجواز زيارة كل دول العالم ماعدا العراق وإسرائيل”. وربما نصل في عهد بشار الأسد إلى جوازات تحمل عبارة: “يسمح لحامل هذا الجواز زيارة كل دول العالم ماعدا سوريا”.
ملاحظة: بجهود فردية، تمكن بعض اللبنانيين من تأمين مراكز إيواء للسوريين.
* كاتب سوري
المصدر: تلفزيون سوريا