الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“المقاومة” و“الطائفية”.. وما يميزهما

المقاومة هي تعبير عن رفض الظلم والطغيان، وتجسد في جوهرها صراع الإنسان ضد القمع والاستبداد والاحتلال، وهي ليست مجرد عمل دفاعي في وجه العنف أو الاستعمار، بل فعل وطني نابع من قناعات راسخة حول العدالة والحرية وحقوق الإنسان، وتتنوع أشكال المقاومة، وتختلف في أدواتها وأساليبها، لكنها تظل ثابتة في هدفها النهائي، وهو تحقيق التغيير نحو الأفضل والوقوف مع المظلوم في وجه الظلمة والطغاة.

وتتجلى المقاومة بمستويات متعددة كالمُسلحة والكفاح الوطني ضد الاحتلال أو الاستبداد دفاعاً عن الحقوق ولنيل الحرية، أو المقاومة الثقافية بمعنى الدفاع عن الهوية الثقافية والتراثية في وجه حملات تشويه ومحو الثقافة والتراث الوطني لشعب من الشعوب أو أمة من الأمم، إنها واجب أخلاقي وليست مجرد خيار في حالة الشدة نتركه في حالة الرخاء.

وبما أنها فعل أخلاقي بامتياز لا بد لها من أن تخضع لمجموعة من القواعد الأخلاقية، فالمقاومة التي تعمل جاهدة للدفاع عن حقوق الناس في الحرية الكرامة لا بد لها من احترام هذه الحقوق لكل البشر، فلا يمكن لمجموعة- ما- تدعي المقاومة أن تنتهك حقوق الانسان في أي منحى من المناحي وضد أي شعب من الشعوب، فحقوق الانسان لا تتجزأ، كما لا تقبل التمييز، ولا يمكن أن تسعى مقاومة ما لنيل حريتها ثم تحاول النيل أو تدمير حرية الآخرين، وهي تقوم على أسس عادلة كاحترام حقوق الآخرين وليست تلك التي تُبرر القتل العشوائي أو الانتقام الأعمى، كحلف المقاولة الإيراني والأسدي والإسلامجي التي تتقن فقط خطاب السفاهة الطائفية، كالتي نشأت من فلول جيش “أنطوان لحد” وعملائه في لبنان.

من مقلب آخر لا يمكن لقوى تتبنى الطائفية كأيديولوجية لها، وتتخذ من دولة خارجية مرجعاً لها وتنفذ مصالح هذه الدولة حتى لو تعارضت مع مصالح وطنها الأم أن تدعي المقاومة ولا بأي شكل من الأشكال، فالطائفي الذي يستحضر وبشكل دائم صراعات طواها الزمن منذ 1400 سنة، بل يعتبر أن قسماً من أبناء وطنه هم أعداءه فلا يمكن أن يكون مقاوماً، وإن حدث وادعى المقاومة و”الإسناد ووحدة الساحات”، فهذا من باب التقية والتجارة بقضية المقاومة، واستغلال هذا العنوان العظيم لتبرير أفعاله الخبيثة والدنيئة.

فالطائفية المُسلحة هي أداة للانقسام الداخلي ويعبّر عنها فقط باسم “ميليشيا”، ولا يمكن أن يُطلق عليها اسم المقاومة أبداً، وحتى لو جدلاً نالت من عدو البلاد أو المحتل، إنها تحتاج للتصويب والمراجعة والتطوير الدائم، ولطالما كانت كاريزما عبدالناصر ومشروعه في المقاومة والنهوض الوطني والقومي عُقدة شغلت الكثيرين ممن تسلق على أمجاد البلدان العربية لمحاولة قطع طريق التقدم العربي الذي اختطه بدءاً من أنور السادات مروراً بحافظ أسد ومعمر القذافي وصدام حسين (الذي حاول اغتياله في القاهرة أواخر الستينات) ناهيكم عن دول الرجعة والتخلف، وصولاً لحسن نصرالله المقتول خنقاً في جحرهِ تحت الردم والهدم بعد انتهاء صلاحيته وصلاحية حزبه وصولاً لتلاشيه وإبادته.. وجميعهم زعموا التشبه به لمقاومته الاستعمار بهدف التحرر وتحرير وبناء الأوطان!

وبخلاف من كان قائداً للقومية العربية إضافة لكونه رئيس دولة في نهاية الأمر، كان نجم رأس المقاومة الطائفية بلبوس إسلامية في لبنان مُرتاحاً أكثر كزعيم حزب إجرامي تابع لإيران، ثم زعيم دويلة، ما منحهُ مساحة أكبر من العربدة اللفظية والاستخفاف بالدولة والقانون الدولي والتغني بتهمة “الإرهاب” والطائفية، ثم وعلى أرضية حياة سياسية لبنانية مُترهلة فاسدة خارجة من حرب أهلية أتيح للمُعمَّم التابع، الانتقال من إدانة الطبقة السياسية إلى احتقار السياسة كلياً، واللعب شبه المكشوف في تشكيل المجلس النيابي والحكومات اللبنانية والتدخل في رئاسة الجمهورية بل حجبها، معزِّزاً الإيمان بأن قوة الميليشيا أصدق من الانتخابات والتوافقات، وهو الذي دفع- وحزبه- ثمن حسابات خاطئة وهرطقات تكاثرت نتيجة الإفراط بعجرفته وغباءه السياسي وحقده، فضلاً عن ممارسة إرهابه المُنظم بحق أحرار سوريا ولبنان وأغلب بلاد العرب وانكشافه والتحاقه بمشروع إقليمي شعوبي إيراني لم يقف إلى جانبه حين احتاجه وقت الشدة، بسبب إجراءه لتغييرات وتحولات داخلية التي لم يتنبه لها هذا الإرهابي الحاقد، فدفع ثمن حماقته وجهله وغباءه في 27 أيلول/ سبتمبر الفائت، بعد تكاثر الجواسيس والعيون الأسدية والصهيونية داخل حزبه وبيئته، الأمر الذي أفقده كوادره وعتاده وأموال حزبه وحاضنته وبنوكه التي دُمرت جميعاً.

فالسلاح الميليشياوي الذي تحمله زاعمةً مقارعة المحتل لا يلبث أن يتحول لسلاح ضد الآخر، الذي يشاركها الوطن، أو سلاحاً لتحقيق أجندات طائفية تصب خارج حدود الأوطان، وهو بالضبط ما قامت به إيران وميليشياتها في بلداننا العربية بلبنان والعراق وسوريا واليمن، وهذا ما أكدته ونشرته وسائل إعلام إيرانية مختلفة بعنوان “رسالة الأسماك” كمذكرات نُشرت بعد مقتل صاحبها “حسين همداني” ونسبتها إليه، وهو الذي قُتل في سوريا بتاريخ 8 من تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وفيها يذكر أسباب دعم بلاده للنظام السوري، ويقول في أحد الفصول للقادة العسكريين: “لاحظوا الرسالة التي بعثها بشار أسد.. يظهر فيها كأنه جندي يخاطب قائده”، وقد اطّلع عليها الإرهابي المجرم قاسم سليماني، قائد ما يسمى فيلق القدس، وكلفهُ بالسفر لبيروت وعرّضها على نصرالله صاحب مقولة لو كنتُ أعلم والذي كان يشرف، وفق توجيهات خامنئي، على “السياسات الكلية والأساسية لما يسمى محور المقاومة” على حد تعبير همذاني الذي أمره سليماني: “اذهبوا وسلّموا هذه الخارطة إليه؛ فإن وافق عليها فابدأوا بتنفيذها”، وهكذا بدأت الجريمة الإيرانية المنظمة في سوريا مع انطلاق الثورة السورية في  15 آذار/ مارس عام 2011.

ويَعرفُ القاصي والداني عدالة الثورة السورية ضد حكم الوريث القاصر، والتي كانت امتداداً منطقياً لثورات الربيع العربي الذي بدأ في تونس، حتى أن النافق نصرالله قالها وبكل صفاقة في مقابلة تلفزيونية على قناة العالم الإيرانية أن المجرم قاسم سليماني شعر بالقلق من امتداد الثورة المُحقة في مصر إلى سوريا، وعلى ذلك تلقى أوامره من طهران- التي تحتل إقليم الأحواز العربي منذ العام 1925 الذي تبلغ مساحته حوالي 15 ضعف مساحة فلسطين المُحتلة- بأن عليه التدخل في سورية لمنع كسر محور المقاومة المزعوم “الذي يسعى لتحرير فلسطين العربية”، فكيف لمن يحتل بلداً وينهب ثرواته ويحكمه بالحديد والنار أن يسعى لتحرير بلد آخر يبعد عنه 1500 كم لا تربطه به أية صلة سوى التجارة بالقضية المُحقة والعادلة للشعب الفلسطيني وخداع السُذج وقصيري النظر من العرب؟!

لقد بُنيت حساباته القاصرة على صمود المقاومة الفلسطينية بغزة وخاصةً حماس، وحصول صفقة تنتهي بسقوط نتنياهو من دون حرب شاملة فيكسب إيجابياً من الإسناد الكاذب في تحسين صورته وشعبيته ولا يخسر النفوذ الإقليمي الذي دفع من أجله حياة الآلاف من مقاتليه، لكن حسابات البيدر كانت عكس حسابات الحقل خاصةً عندما قررت طهران ورئيسها الجديد أن تدير الظهر لكل الخطابات والشعارات الفارغة المعروفة وتسعى لعلاقة تصالحية مع أمريكا ومحيطها الإقليمي، الأمر الذي أدى لتلاشي وإبادة أتباعه ومريديه وفي النهاية أصبح وحزبه ومحوره الإرهابي من الماضي بعد عنتريات فارغة وعتاد بدده لإشباع إجرام بشار أسد بوجه الشعب السوري الثائر وإرضاءً لإيران المجرمة.

فهل يمكن استعادة الدولة اللبنانية من مُغتصبيها وكذلك مسألة المقاومة الشريفة وعدالتها؟ وهل يُراجع نظام الجريمة القابع في دمشق سلوكه ويعترف بجرائمه وبحقوق الشعب السوري ويطلق سراح من تبقى من المعتقلين ويتخلى عن إيران ومحورها الوظيفي قبل أن تتخلى عنه كما تخلت عن حسن نصرالله وحزبه؟!

ومهما كانت مواقفنا ومشاعرنا، فرحاً أم تباكياً، فإننا جميعاً بالنسبة للكيان الصهيوني والاحتلال الإيراني أهدافٌ مؤجلة.. وإن الشعوب قد تسامح ولكنها لن تنسى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.