أحمد مظهر سعدو
لا يبدو أن الاحتلال الروسي للجغرافيا السورية، الذي قارب عتبة التسع سنوات، بصدد إنهاء احتلاله هذا، رغم أن الواقع السوري طالته كثير من المتغيرات، وجرت عليه وتحته كثير من الحالات، لكن المصالح التي دعت روسيا للمجيء إلى سوريا ما زالت هي نفسها، ولم تتغير كثيراً، رغم الصراعات الكبرى الحالية في أوكرانيا، بين الروس والأوكران، ومن ورائهم الغرب وأميركا.
يبدو أنّ هذا الصراع الدراماتيكي، عمل على أن يُمسك الروس أكثر وأكثر في مصالحهم، ضمن الجغرافيا السورية، بالتضاد مع السياسات الأميركية والغرب عموماً.
ومن ثم فإن احتمالات خروج الروس من سوريا ما تزال بعيدة كل البعد عن حيز التطبيق العملي، إذ باع نظام بشار الأسد كل السيادة الوطنية للروس والإيرانيين، ولمن شاء أن يشتري على قارعة الطريق، وأصبح القرار السياسي السوري للنظام بيد الروس والإيرانيين، وراحت القوة العسكرية والسياسية الروسية من موقعها على الساحل السوري في قاعدة “حميميم” تصدر الأوامر، تلغي وتضيف وتنشئ، وتفرض ما تود وما تريد.
وراحت الموارد السورية، وهي ملك مفترض للشعب السوري، تُباع بثمن بخس للروس أو الإيرانيين، ثم تؤجر الموانئ السورية الاستراتيجية لسنوات طوال، وراح الروس يتصرفون بالعسكريتاريا السورية، أو في أجهزة الأمن السوري وفق هواهم، وضمن أجندات مصالحهم بالشراكة مع الإيرانيين، أو عبر صراع سلس وهادئ معهم، يتمظهر على السطح بين الفينة والأخرى، ليسهم الروس في تعيين أو تغيير بعض الضباط، أو المراكز السياسية في الجيش السوري المفترض.
كل ذلك وسواه خلق حالة احتلالية حقيقية وكولونيالية في سوريا، إذ يتحكّم الآمر الفعلي المحتل الروسي والإيراني بكل شيء، ويعيد إنتاج سياسته الروسية ضمن دمشق وما حولها، حتى باتت اللغة الروسية هي المفروضة كلغة ثانية في مدارس مناطق سيطرة النظام السوري.
المتغيرات المحيطة والمتغيرات الإقليمية في فلسطين ولبنان، إضافةً إلى العدوان الإسرائيلي على الشعبين الفلسطيني واللبناني، قد ينتج متغيرات جديدة في المنطقة، لكنها بحسب اعتقادي لن ترقى إلى حالة إجبار العسكريتاريا الروسية على الخروج من سوريا.
ما تزال احتمالات مغادرة روسيا لسوريا بعيدة كل البعد، فهي تخوض حرب داحس والغبراء في أوكرانيا، ليس ضد الأوكران فقط، بل ضد الغرب كله، والناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية بالضرورة، التي ما زالت تريد إغراق روسيا أكثر في الوحل الأوكراني، ولن تسمح لها أبداً باستباحة سوريا أو الاستفراد بها لوحدها والاستفادة من خيراتها ومواردها من دون سواها، لأنّ سوريا مهمة للأميركان، ليس من أجل مواردها فقط في الشمال الشرقي، بل من أجل أمان حدود إسرائيل المفترضة أولًا.
وأيضاً من أجل عرقلة الامتداد الروسي في الإقليم، ومنع قيام هيمنة روسية كبرى على العالم، إذ يحاول الرئيس الروسي بوتين إعادة تشييد سور الاتحاد السوفييتي المنهار، منذ مطلع تسعينيات القرن الفائت، وهو ما زال يحاول ذلك حثيثاً من دون إمكانات وقدرات جدية، لأن روسيا لم تعد الاتحاد السوفييتي، ولا بقوته وقدراته الاقتصادية ولا العسكرية، بدلالة ما جرى لها في الوحل الأوكراني والانتصارات الأوكرانية في أراضي روسيا الاتحادية.
وعلى هذا الأساس يمكن القول: إنّ الشعب السوري ومعارضته الرسمية والشعبية، ما زالوا يتطلعون نحو إخراج الاحتلالات الأجنبية من الأرض السورية، وأولها بالضرورة احتلال روسيا وإيران الأشد خطراً على السوريين، أما الإرادة الدولية الأميركية فلم تشأ حتى الآن السماح بذلك، وما برحت السياسية الأميركية في سوريا، تترك الباب موارباً في التعاطي مع الملف السوري، وما زالت حالة الاستنقاع هي الحاضرة والناجزة، من دون إمكانية الاشتغال إقليمياً أو دولياً على إزالة نظام القهر والاستلاب الأسدي، خاصة وأن الهرولة العربية والإقليمية نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد ما زالت مستمرة على قدم وساق، عربياً وإسلامياً وإقليمياً.
ما انفكت المعارضة السورية بكل تلاوين الطيف السياسي (تعثر في الأُكم وفي الوهد) تدخل أتون العجز المقيم، والمحاصصات والاقتتال الداخلي، والتحاجز والتضاد، من دون الاهتمام بمصائر السوريين، آلامهم وأحلامهم، وما زال الشعب السوري في مناطق المعارضة يتلقى الضربات والقصف وأصبح الموت فعلًا يومياً لا يبرح المكان أبداً، فرغم انشغال روسيا وإيران والنظام السوري في حرب لبنان وقطاع غزة، فإنهم لا ينسون إطلاق طيرانهم وصواريخهم لقتل المدنيين في إدلب والشمال السوري ، وسط حالة مريبة من الصمت الدولي والعربي وغير مسبوقة.
لعل هذا المشهد وإلقاء الضوء عليه، يساعد ويسهم في ترك الواقع السوري لصالح فلتان وعبث العابثين، من روس وإيرانيين، كما أنه يترك الباب مفتوحاً نحو محاولات وخطوات التطبيع مع نظام بشار الأسد متجاوزين بذلك كل أفعاله وممارساته، بدءاً من المقتلة السورية والتمنع عن ولوج الحل السياسي إلى استمرار تصنيعه، ثم المتاجرة بالكبتاغون، ورفضه تنفيذ أي من الشروط العربية التي وضعت أمامه يوم تمت إعادته إلى حضن الجامعة العربية، منذ شهر أيار/ مايو عام 2023.
الاتحاد الروسي ما زال يتمسك بوجوده في الأرض السوريّة، وليس هناك أية مؤشرات توحي بأن الاشتغال على انسحابه من سوريا بات قريباً، كما أن المسألة السورية برمتها قد أضحت مركونة على الرف، وليس هناك مَن يسهم في تحريكها سوى المظاهرات والاعتصامات وحراك السويداء، أو اعتصام الكرامة في الشمال السوري، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها، وحيثيات وخطورة الاستمرار بذلك، وليس التهديد من نظام المقتلة الأسدية فحسب، بل كذلك من المحاصرة من بعض أطراف المعارضة الرسمية السورية، لأنهم تعوّدوا على الصمت، وعلى الموافقة، ليتمكنوا من الاستمرار في سياسة لجم وكم الأفواه، وتجميد القضية حتى يأتي القرار الدولي المنتظر، والذي لا يبدو أنه سيأتي لا عاجلاً ولا آجلاً.
المصدر: تلفزيون سوريا