منهل باريش *
شنت إسرائيل عملية مركبة ضد مراكز البحوث العلمية العسكرية السورية وكتائب الدفاع الجوي في منطقة مصياف بريف حماة الغربي ومحافظة طرطوس. وشملت المقار والمعسكرات المستهدفة كل من كتيبتي الدفاع الجوي الملاصقة لقرية حرف بنمرة الواقعة شرقي مصفاة بانياس النفطية والدفاع الجوي في العنازة الواقعة شرقا والبعيدة عن الساحل السوري قرابة 10 كم.
إضافة إلى كتائب الساحل، تعرضت كل نقاط الدفاع الجوي ومراكز البحوث ومعامل الدفاع المختصة بالإنتاج الحربي والمستودعات إلى قصف واسع النطاق ومركز، في عملية يعتقد أنها من أكبر العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل في سوريا، إذا ما استثنينا قصف مشروع المفاعل النووي في الكبر بدير الزور 2007 في العملية الإسرائيلية «عملية البستان» كما اسمتها الاستخبارات، شاركت في تنفيذها عشر طائرات من نوع اف- 15 واف- 16.
ورغم التكتم الرسمي الشديد من جهة النظام، يتضح أن الهدف من العملية بشكل أساسي هو ما يعرف بمقر حير عباس وهي عبارة عن مستودعات انشأت بعد العام 2012 ونقل عمل البحوث العلمية من حلب إلى مصياف إثر توسع رقعة سيطرة فصائل الجيش الحر في شمال البلاد وخوف النظام من سقوط أحياء حلب الغربية بيدها على غرار الأحياء الشرقية. وتفيد معلومات «القدس العربي» أن رئيس البحوث العلمية عزيز اسبر هو من أنشأ تلك المستودعات واحتفظت البحوث بإدارتها، وجرى تسليمها للخبراء الإيرانيين عام 2017 لتبدأ بعملية بناء منشأة لتطوير وإنتاج الصواريخ الدقيقة فيها.
كذلك قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مستودعات الزاوي (شمال مصياف 8 كم) ومركز البحوث العلمية في الشيخ غضبان إلى الشرق من مصياف على الطريق المؤدي إلى مدينة حماة، وجرى استهداف كتائب الدفاع الجوي للفوج 49 والذي يختص بمنظومة اس-200 الروسية.
وحول العملية رجح الخبير بالدفاع الجوي العقيد خالد المطلق أن تكون إسرائيل استهدفت مقر قيادة العمليات المشترك واللواء 99 في جبل زين العابدين بحماة قبل نحو عشرة أيام من هجوم مصياف من أجل الحد من مقدرة الدفاعات الجوية على الرد على أي هجوم، وأكد في اتصال مع «القدس العربي» حصول الإنزال البري و«أسر خبيرين إيرانيين على الأقل» مشيرا إلى أن الرادارات السورية تعرضت إلى عملية «اعماء كاملة استمرت أكثر من ساعة» ولفت إلى «أن عشرين مقاتلا من قوات النخبة الإسرائيلية اشتبكوا مع حراس المستودعات وداهموا مبنى إقامة الخبراء الإيرانيين في المركز وقتلوا من قتلوا وأسروا الأحياء ثم فخخوا المبنى بعبوات شديدة الانفجار أنزلوها من الطائرات وفجروا المكان بعد إقلاع المروحيات».
وفي سياق متصل، أكد مصدر محلي في مصياف لـ«القدس العربي» صباح الاثنين «أسر خبير إيراني من منشأة البحوث في حير عباس».
وفي تفاصيل العملية، لفت العقيد إلى أن «ثلاث حوامات إسرائيلية قطعت الطرق المؤدية للمنشأة وقامت بعملية الإنزال» رافقتها تغطية جوية من المقاتلات الجوية وطائرات مسيرة ثابتة الجناح. وقصفت الطائرات المسيرة الطرق المؤدية لموقع حير عباس من الجانبين، فقد قصفت السيارات المدنية التي توجهت من قرية الرصافة وهي أقرب القرى على الطريق المؤدي إلى وادي العيون، وكذلك قصفت كل المنابع الضوئية المتحركة أو الثابتة القريبة أو التي رصدتها الطائرات على انها تتحرك باتجاه موقع عملية «الطبقة العميقة» وكذلك قصفت السيارات التي تحركت بعد موجة القصف الأولى بالصواريخ بعيدة المدى بهدف إخلاء الجرحى أو القتلى وأغلب هؤلاء حاولوا الاقتراب من المواقع بدافع الفضول ولم يكونوا يعلمون أن طائرات عامودية إسرائيلية تقوم بإنزال بري لقوات النخبة الجوية. واستهدفت المسيرات حتى مقام «إخوان الصفا» الذي يبعد قرابة 500 متر عن المنشأة بسبب رصد حركة أحد حراس المقام فيما يبدو.
وتثير عملية الإنزال وتعريض حيوات جنود النخبة إلى الخطر السؤال عن سبب تفجير المبنى وليس قصفه من الجو بالصواريخ الموجهة والدقيقة، الأمر الذي يجيب عنه المطلق بأن «المبنى محصن للغاية ويقع على عدة مستويات تحت الأرض وقصفه دون تفجير سيعرض أنفاق الدخول والخروج إليه لأضرار يمكن إصلاحها خلال فترة وجيزة» وتعزز عملية الإنزال الفرضية التي تحدث عنها الخبير امتلاك إسرائيل لمخططات الموقع تحت الأرض كاملة أو أن يكون الهدف من العملية هو اصطياد مسؤول علمي كبير يختزن أسرار البرامج الإيرانية المتعلقة بتطوير وقود الصواريخ أو حتى البرامج النووي.
رسائل إسرائيلية:
من جهة أخرى، فضلت تل أبيب الصمت وعدم التعليق رسمياً على العملية، في حين كتب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق “تمير هايمان” تحليلاً نشره في الموقع الإلكتروني للقناة 12 أن «الجهة التي يتعين عليها أن تفهم التلميح من تلك العملية قد أدركت ذلك. وهذا مهم الآن، خصوصاً بعد تفكيك ذراع حماس العسكري وفيما يتعين علينا توسيع أهداف الحرب وتركيزها ضد إيران ومحورها».
وأشار إلى تعقيد العملية العسكرية، معتبرا أنها «تستوجب استعدادات واسعة تتجاوز القوة التي نفذت العملية، بما في ذلك، عزل المنطقة التي نفذت العملية فيها وعمليات تضليل وصرف أنظار، والاستعداد لعمليات إنقاذ جنود جرحى».
وفي الإطار، ألمح المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل إلى أنه «إذا كان بالإمكان استهداف منشأة محمية تحت الأرض في سوريا، هل بالإمكان استهداف منشآت نووية إيرانية بأساليب مشابهة؟».
في سياق منفصل، نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أمريكيين، الخميس، أن المنشأة المستهدفة خلال العملية هي منشأة إنتاج صواريخ تعود لحزب الله، موكدة أن العملية «شملت غارة جوية، وانزلت جنودا استولوا على مواد من المنشأة» بدون توضيح طبيعة المواد أو ذكر تفاصيل حول تفجير المبنى ذي الطبقات.
ورد المسؤولون ضرورة اللجوء لقوات برية إلى «جمع معلومات من الموقع السري» وختمت الصحفية تأكيد المصادر المسؤولة «عدم وقوع إصابات بين الجنود الإسرائيليين». ولم يعلق المسؤولون حول قضية وجود أسرى في صفوف القوات السورية أو خبراء إيران وحزب الله.
إيران تنفي أسر خبراء:
نقلت وكالة «تسنيم» الإيرانية، عن مصادر رسمية تعليقها على الهجوم في مصياف، قالت خلاله إن «أسر شخصيتين إيرانيتين خلال الهجوم الإسرائيلي على مصياف في سوريا، هو ادعاء كاذب». وزادت المصادر «لم يكن لنا قوات في الموقع المستهدف بمصياف ونكذب خبر إصابات لدينا أو عملية أسر».
وفي بيان رسمي، قالت السفارة الإيرانية في دمشق، أنه خلال «قصف مصياف في سوريا، لم يُمَس أي مستشار إيراني، وادعاءات الكيان الصهيوني أكاذيب».
هويات القتلى:
يؤكد مصدران محليان من مصياف أن أول ثلاثة قتلى سقطوا في الهجوم الإسرائيلي من أل مرهج هم مدنيون لا عسكريين أو أمنيين أو متطوعين في أي من القوات الرديفة، يعملون بتجارة الأحذية ويعرف عن العائلة طيب السمعة، وفي تفاصيل مقتلهم، يقول مصدر مقرب من العائلة إن منزل العائلة يقع في الطرف الجنوبي للمدينة على الطريق الواصل إلى منشأة البحوث في المنطقة المعروفة محلياً بحير عباس وهي قريبة من الموقع، وأضاف أنه بعد القصف للمواقع في المدينة نزل الشاب عزيز من بيته إلى السيارة ولحقه والده احمد مرهج وعمه نزار في محاولة التوجه للموقع المستهدف وإسعاف الجرحى وما أن دارت السيارة واشغل اضوائها وقبل تحركها، قصفت من طائرة مسيرة أمام المنزل قبل أن تتحرك. وحصلت «القدس العربي» على شريط مصور للسيارة المنفجرة والتي احترقت بشكل نهائي وهي أمام المنزل. ويضيف المصدر أن شدة الانفجار «جعلت أجساد الشهداء الثلاثة تتطاير قطعا في المكان». هذا وتعرف العائلة في مصياف بـ«بيت صبورة» نسبة إلى بلدة الصبورة في ريف سلمية شرقي حماة، وهي مسقط رأس الجد الأكبر. وتشير المصادر إلى ان عدد كبيرا من القتلى هم من الشبان الساهرين في أحد المطاعم القريبة من حير عباس وتوجهوا بهدف المساعدة ونقل الجرحى، إلا ان الطيران المسير الذي بقي فوق محور الإنزال قصف سياراتهم وقتلوا (لم تتحقق «القدس العربي» من هوياتهم حتى كتابة التقرير).
وفي أضرار البنية التحتية انقطعت خدمة الاتصالات الأرضية وخدمة الأنترنت عن قرابة عشرة آلاف مشترك بسبب تعرض أكبال الألياف الضوئية إلى الضرر في مناطق المرحة ووادي العيون وشيحة مصياف وقرى النقير والمعيصرة والسنديانة وعين الكرم وبيرة الجرد وعين شمس وبشاوي والرصافة. كما تعرضت خطوط ضخ المياه والإسالة والتغذية باتجاه خزان مصياف الأرضي للأعطال، كما انقطعت خطوط التغذية الكهربائية لآبار خان جلميدون وآبار مدينة سلحب.
الجدير بالذكر أن المنشأة المستهدفة هي إحدى ثلاث منشآت تتّهم إيران وحزب الله ببنائها في سوريا بهدف تطوير الصواريخ الموجهة الدقيقة وتحويلها لخطوط إنتاج للطائرات المسيرة الإيرانية ثابتة الجناح، ويعتبر مركز حير عباس هو المركز الثاني الذي تستهدفه إسرائيل بعد المنشأة المهولة في ريف القصير قرب الحدود اللبنانية والتي دمرتها إسرائيل قبل سنوات، فيما تراجع النشاط في المركز الثالث في منطقة الزبداني خشية قصفها.
أن تراجع إسرائيل عن عملية ضرب المنشأة مرتين بسبب المخاطر العالية لعملية الإنزال البري يرفع فرضية اطلاع وزارة الدفاع الأمريكية كما تشير التسريبات التي تقول بأن قائد القيادة المركزية الأمريكية «سنتكوم» الجنرال مايكل كوريلا اطلع على الخطة وناقشها خلال زيارته لمقر العمليات شمال إسرائيل في آب (أغسطس) الماضي. ومن غير المستبعد أن تكون ردا غربيا على طهران التي يتهمها الاتحاد الأوروبي ببيع صواريخ بالستية إلى روسيا.
في حين تبقى علامة الاستفهام الكبرى في تلك العملية حول طبيعة الدور الروسي، فبروتوكول تنسيق العمل الجوي ما زال فعالا بين الأخيرة وإسرائيل ولا يمكن تخيل أن تدفع إسرائيل بوحدة النخبة في سلاح الجو الإسرائيلي «شالداج» إلى عملية انزال بري من دون إخطار موسكو عبر غرفة التنسيق المشتركة.
* كاتب وصحفي سوري
المصدر: القدس العربي