الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أيلول وذكرياته المؤلمة

محمد عمر كرداس

يأتي شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام حاملاً ذكرياته الأليمة والموجعة، ففي 28 أيلول/ سبتمبر من عام 1961 اغتالت يد الغدر والعمالة حلم الأجيال العربية، حلم الوحدة العربية التي انتظرته الشعوب العربية لأجيال، كانت وحدة رائدة بين شعبين طالما حققا الانتصارات في توحدهما في زمن صلاح الدين والظاهر بيبرس، انتصرا على الصليبيين الذين احتلوا بيت المقدس فحرروها وعلى المغول الذين أسقطوا الخلافة العباسية واحتلوا بغداد فطردوهم من الأرض العربية..

انتبهت الدول الاستعمارية إلى الخطر الداهم بقيام الوحدة بين مصر وسورية فأوعزت لعملائها من آل سعود وعرش الخيانة في الأردن للتحرك ضد الوحدة، وكانت الأداة حفنة من الضباط السوريين العملاء الخونة الذي قاموا صبيحة الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر بفك عرى الوحدة التي قامت نتيجة استفتاء شعبي بين البلدين، وارتكبوا جريمة الانفصال التي مازالت إلى الآن من أكبر الكوارث التي حلت بأمتنا وجرّت وراءها كل الكوارث التي أتت بعدها.

وكان لا بد لهذه القوى الاستعمارية وعملائها من متابعة العمل لإجهاض كل عمل وحدوي قومي يجمع العرب فكان حكم البعث الذي مزق الأمة، واعترف أحد قادته الكبار بأنهم أتوا للحكم بقطار أمريكي تشبهاً- بلينين الذي وصل روسيا قبل الثورة البلشفية بقطار ألماني- والذي تابع في العراق وسورية سلسلة الهزائم والنكبات، من ضياع الجولان إلى ضياع العراق وبعده سورية على يد هذا الحزب الذي قام بدور وظيفي لخدمة إسرائيل وإيران والغرب الاستعماري..

فكان من إنجازات حافظ أسد بالشراكة مع ملك الأردن عميل المخابرات الأمريكية ذبح المقاومة الفلسطينية في الأردن عام 1970 في ما سمي بأيلول الأسود، التي دفعت بعبد الناصر لجمع حكام العرب في 25 أيلول/ سبتمبر في القاهرة لوقف المذبحة، وليتوقف قلبه العليل بعد وقف تلك المذبحة وكان رحيله في 28 أيلول/ سبتمبر أيضاً بنفس يوم الانفصال، ليتعمق الجرح وليرتد العرب إلى عصور جاهليتهم، وليبدأ عصر الردة الذي ما زال يتعمق ويمتد، وليكون العصر عصر إيران الخمينية لتسود بدعم أنظمة الأمن القومي الأمريكية، وتبدأ بتفكيك هذه الدول ونهب ثرواتها وتدمير بنيتها وقتل شعوبها.

فالعراق الذي كان يُصنف من أكثر دول العالم تقدماً وغنىً وتعليماً أصبح بفعل الاحتلال الأمريكي والإيراني في آخر الدول وأكثرها تخلفاً وفساداً، فلا صناعة ولا كهرباء ولا بنية تحتية، والمليشيا الحاكمة التي أتت بها أمريكا وإيران باسم (الديمقراطية) وتحرير الشعوب  تنهب المليارات التي قُدرت من عام 2003 عام الاحتلال الأمريكي بأكثر من 600 مليار دولار بعلم ورضا المحتل الأمريكي وبالشراكة بين هذه المليشيات وإيران التي تحوز على الحصة الأكبر من تلك المليارات وتتحكم بالصادرات والواردات إلى هذا البلد العربي المُبتلى..

ما يحصل في سورية يشابه ما يحصل في العراق من نهب وسلب وفساد وتسلط وتحكم نظام الإجرام وميليشياته وداعميه من الدول المارقة وعلى رأسها روسيا وإيران التي أخذت نهجاً مختلفاً بإدارة شبكات محلية وخارجية بصناعة وتجارة وتصدير الكبتاغون إلى دول الجوار العربية ليصل إلى إيطاليا وماليزيا وغيرها لا يردعه قانون ولا عقوبات ولا حصار…

ومع وصول الانهيار الاقتصادي إلى مستويات غير معقولة يعيش شعبنا في الداخل السوري خارج العصر فلا كهرباء ولا ماء ولا أي من مستلزمات الحياة الضرورية بوصول الدولار إلى أكثر من ثلاثة عشر ألف ليرة للدولار الواحد في حين كان الدولار عندما استلم البعث الحكم بأربع ليرات سورية وكان الشعب السوري يُعد في مصاف الشعوب المتقدمة والمرفهة على  مستوى العالم..

يجري ذلك كله بعلم وقبول مجتمع دولي لا يرى في أزمات المنطقة إلا الجانب الإنساني الذي لا يفيهِ حقه أيضا ولا يرى أن هناك شعوباً طامحة للحرية والانعتاق من أسر أنظمة مارقة حكمت البلاد والعباد لعشرات السنين بالحديد والنار، كيف ترى ذلك وهي التي بشرت بالفوضى الخلاقة في المنطقة ودشنتها في العراق… ولكنها لم تكن كما أعلنت أنها خلاقة فهي الفوضى المدمِرة للبشر والحجر والناهبة الفاسدة .

نعلم تماماً أن من سيحرر الشعوب من هذه الفوضى المدمِرة هي الشعوب نفسها وليس غيرها وستملك هذه الشعوب إرادتها يوماً، فالحرية كما قيل تؤخذ ولا تعطى.

 

 

 

محمد عمر كرداس

كاتب وسياسي سوري راحل، رحمهُ الله

تعليق 1
  1. غير معروف يقول

    رحم الله أبو محمود كرداس . كان نبراساً

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.