الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الطموح الصيني لحوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً

وفاء هاني عمر *

استضافت شنغهاي مؤتمرها العالمي السنوي للذكاء الاصطناعي في تموز/ يوليو الماضي 2024، والذي جمع كبار الخبراء والشركات والحكومات لعرض أحدث التقنيات واستكشاف اتجاهات الذكاء الاصطناعي المستقبلية وتعزيز التعاون العالمي. وللمرة الأولى، سلط مؤتمر 2024 الضوء على قضايا حوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً؛ حيث استخدمت الحكومة الصينية حفل الافتتاح لإصدار إعلان شنغهاي بشأن الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي.

ويشير الكاتب (هيو روبرتس Huw Roberts) بمقاله في موقع «أوراسيا ريفيو Eurasia Review» إلى أن الجهود الصينية لحوكمة الذكاء الاصطناعي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما استخدم الرئيس الصيني شي جين بينج خطابه في حفل افتتاح منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي لطرح رؤية الصين لحوكمة الذكاء الاصطناعي عالميا. وتؤكد الوثيقة على أنه ينبغي تطوير الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية، مع التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمساواة. وبعد فترة وجيزة، اقترحت الصين قرارًا بشأن تعزيز التعاون الدولي وبناء القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي تم اعتماده بالإجماع في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ونظرًا لهدف الصين في أن تصبح المركز الرئيسي للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وأبحاثها الرائدة في هذا المجال، ونضج مبادراتها المحلية لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وجهودها الرامية إلى أن تصبح «صانعة للمعايير» الدولية في مجالات سياسية أخرى، فليس من المستغرب أن يصف العديد من المعلقين المبادرات الصينية لحوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية الأخيرة بأنها نابعة من موقف قوة. ومن هذا المنظور، تُعَد الصين قوة رائدة فى مجال الذكاء الاصطناعي وتحاول بشكل استباقي تشكيل المشهد الناشئ للحوكمة بما يتماشى مع أيديولوجيتها السياسية.

ويعلق الكاتب على هذه الحجة بأنها تحمل جزءاً من الحقيقة. فالصين دولة رائدة في تطوير وتصدير وتنظيم الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وهو ما يضعها بلا شك في موقف مؤثر على المستوى الدولي. ولكن بالفحص الدقيق تظهر نقاط ضعف السياسة التكنولوجية الصينية للعب دور أكثر حزماً في حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية.

أولاً، على مدى السنوات الخمس الماضية، نشرت العديد من المنظمات الدولية والحكومية مثل اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة الدول السبع مبادئ ووثائق إرشادية لحوكمة الذكاء الاصطناعي. ويوضح الكاتب أن نية معظم هذه المبادرات الغربية هو استبعاد الصين. لذا لعبت بكين دوراً هامشياً إلى حد كبير في مبادرات حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية؛ حيث يزعم بعض المعلقين الصينيين أن العديد من هذه المبادرات هي محاولة غربية لإملاء القيم المناسبة لحوكمة الذكاء الاصطناعي بشكل استباقي.

ثانيًا، كان إطلاق شات جي. بي. تي ChatGPT ونماذج اللغة الكبيرة (LLM) في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023 بمثابة مفاجأة لصناع السياسات، بما في ذلك الصين. وقد أدى هذا إلى تزايد مخاوف بكين بشأن التهديد الذي تشكله هذه التقنيات الجديدة على الاستقرار السياسي، لذا حظرت الصين على الفور ChatGPT.

ثالثاً، أدى إصدار شات جي. بي. تي ChatGPT إلى تحويل المناقشات حول الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي من محادثات هامشية إلى أولوية سياسية للقادة العالميين، بالتالي أنشأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هيئة تابعة للأمم المتحدة معنية بالذكاء الاصطناعي، وعقد رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك قمة سلامة الذكاء الاصطناعي.

طبقاً لما تم ذكره، أصبح صناع السياسات الصينيين بحلول أوائل عام 2023 أكثر قلقاً بشأن مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعي المحتملة، إضافة إلى خطر التهميش في المناقشات العالمية حول الذكاء الاصطناعي. وعليه، ينبغي رؤية الجهود الصينية الأخيرة الرامية إلى إرساء وتعزيز رؤية لحوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً كاستجابة رجعية للتطورات التكنولوجية والسياسية، وليس مجرد استعراض استباقي للقوة.

معلومة أخرى، إن المشكلة الرئيسية في هذه الرؤية الصينية للحوكمة هي أن الخطاب والواقع لا يتطابقان. في حين تدعو الصين إلى الشمولية، فإنها اتخذت إجراءات تركز إلى حد كبير على بناء الشراكات لمواجهة الهيمنة الغربية المزعومة في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال مجموعة البريكس أو مع مجموعة الـ 77. ومع ذلك، يمكن تفسير رفض الصين التوقيع على اتفاقية عالمية عُرضت في قمة سول للذكاء الاصطناعي، وهي امتداد لقمة سلامة الذكاء الاصطناعي التي عقدت في بلتشلي بارك بالمملكة المتحدة، في وقت سابق من هذا العام، على أنه تحفظ على المشاركة في المبادرات الدولية التي لا تقودها الصين أو الأمم المتحدة.

لكن مثل هذا النهج من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بجهود حوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً. ومن المؤكد أن الأمم المتحدة سيكون لها دور تلعبه في إدارة الذكاء الاصطناعي نظراً لشموليته وشرعيته. ولكن الطبيعة التقنية والعامة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب «الجمود» الذي تواجهه الأمم المتحدة، تجعلها مؤسسة غير مناسبة لمعالجة العديد من قضايا الحوكمة الملحة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

ولكي تنجح مبادرات الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، فإن المشاركة العملية بين الصين والغرب في مجموعة متنوعة من المؤسسات تشكل أهمية بالغة. وإلا فإن الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يؤدي إلى تقويض المبادرات الواعدة وتفتيت النظام البيئي العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي. وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بالجميع.

……………

النص الأصلي

ـــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.