أحمد عمر *
يقول أولو النظر والألباب في علوم السياسة والمُلك، وهم صائبون في قولهم، “إنّ” الدكتاتورية مثل الدرّاجة، إن “كفّ” الدرّاجُ عن تبديل ناعورة البدّال بقدميه سقط، والناعور ناعورة دم، وأظن (وبعض الظنِّ يقين) “أنّ” الديمقراطية الإسرائيلية مثل الدرّاجة أيضاً، إن توقّف الدرّاج عن القتل سقط سقوطاً حرّاً لا تدرّج فيه.
وقد بالغ الإعلامان العربي والعالمي في إلهائنا وإشغالنا بخبر توبيخ “البطّة العرجاء” بنيامين نتنياهو (وربّما على طريقة أكركوز)، وأنّه علا صوته عليه (بايدن هو الذي علا صوته وليس نتنياهو)، لكنّ السند ضعيف، وناقلو الخبر غير عدول، والأغلب أنّه كان يرجوه ويتضرّع إليه ويستميله ويسترضيه، ويصنع له خفّاً من قصب، قائلاً: أرجوك، أبوس يدك يا بيبي، أنت تحرجني أمام أمّتي الأميركية، وأمّتي العالمية، وقد جعلت رقبتي كالسمسمة، ووجهي كحجر الأثفية، لقد صرتُ بسببك عِلكةً في الأفواه، سيطلقون عليَّ بدلاً من لقب “البطة العرجاء” لقبَ قاتل الأطفال والنساء وعندليب الحرب، وأرى أن تلين، ونطبّق الخطّة التي اقترحها، والتي طار ذكرها في الآفاق، وتصير بشهرة “وديعة رابين”، فترفع من حظوظ مرشّحة حزبي كامالا هاريس، وتنقذ ماء وجهي الذي جفَّ، وتحسّن صورتي السياسية، وتجعلها بالألوان في أيّامي الأخيرة، وتمنحني نصراً سياسياً، ونعمل انتخابات ديمقراطية، ونهزم دونالد ترامب، ونُعلِن الأفراح والليالي الملاح، ونلتقط الصورَ التذكارية، ثمّ تعود بعدها إلى عادتك القديمة يا “Predator”، وتفعل بالفلسطينيين ما تريد، وقد حنثنا بعهودٍ كثيرة، ليس أوّلها مع الهنود الحمر، وليس آخرها معاهدة السلام، ووعد الدولة الفلسطينية يا كمّون، ويمكن أن نخون العهد الذي سنتعهّده بعد شهر، وسنعثر على سبب لخرقه وللحنث به. يمكن أن نكلّف أحداً من عملائنا بقذف صاروخ، أو إرسال طائرةٍ مسيَّرةٍ من غزّة أو من معاليه أدوميم، فنحن القضاة ونحن الضحايا، ونُعلِن الحربَ، لكن بعد الانتخابات يا “بيبي”، نعيد بعد الحنث والنكث والغدر تصوير فيلم “Unforgiven”، أو فيلم “The Terminator”، أو فيلم “My Name is Nobody”، أو فيلم “Psycho”، تعثر بعدها على “مكان تحت الشمس”، بل “فوق الشمس” إن شئت، وتصير فلسطين وراء الشمس والقمر.
وقد سألني صديق عن تفسيرٍ سهلٍ ميسورٍ لتدلّل إسرائيل هذا الدلال كلّه، على ساسة أميركا وملوك أميركا، يقول عزيز نيسين، في قصّة “ملك السماد”، إنّ أميركا دولة ملكية، وفيها ملوك كُثر، وله أدلّة على ذلك (وديمقراطيتها عجيبة وغريبة)، فقلت إنّ إسرائيل “بنت الوليد”، هي سيف أميركا المسلول، سلّته أميركا على العرب، فأعجبه الوصف، وقال لي هات بوسة، هو يبوس من يفسّر له شيئاً غامضاً، لكن “بيبي” ضرب بتوسّلات بايدن عُرْضَ الحائط وطوله، ولم تُهَن له عريكةٌ، ولم تُسلق له فريكةٌ، ولم تلِن له قناةٌ، ولم يقبل بتضرّعات بايدن كلّها، إن قبل باقتراحه سيكون إعلانَ هزيمةٍ.
“إنّ” نتنياهو وبايدن يؤدّيان كلّ يوم مشهد بائعي العلكة في باصات “الهوب هوب” السورية أيّام زمان، وهما يدخلان من بابين؛ الخلفي والأمامي، ثمّ يتخاصمان ويوشكان على العراك للفوز بالزبون، واحتكار زُبُن الباص، فيتدخّل الزُبُن شفقةً عليهما، ويشترون بضاعتهما، وهي العلكة، والعلكة “إيزو” صناعة أميركية، صنعت من أجل تصريف الغضب، والأميركان يصرّفون الغضب بالنيوب والضروس، طحناً وهرساً.
وبعد قُبلة الصديق جائزةً على شرحي ومتحي وإبساسي، وإنّ بايدن ونتنياهو يُؤدّيان مشهد بيع العلكة أداءً رديئاً، لأنّه خبر منقول، لا مشهد مبصور، ولو كان مرئياً لأنِسنا وتسلّينا وشمِتنا بنتنياهو وصاحبه. وقلت إنّ نتنياهو ممثّل جيّد يُشبه نجوم “التيكتوكر”، الذين يُؤدّون مشهداً واحداً، مثل مشهد الشجرة المتحرّكة، أو مشهد التمثال البشري، وهو شائع في “تيك توك”، أو مشهد وضع علبةٍ أو كرتونةٍ أو خيمةٍ على رأس الضحية لإضحاك الناس، أو مشهد قذف الناس بمسدّسات الماء من وراء حجاب، وإنّ مسرحية نتنياهو “التيكتوكر” الوحيدة هي القتل والتدمير، فهو يقتل الأطفال ويدمّر المستشفياتِ والمدارسَ ويزعم “أنّ” بها مُخرّبين، لغاية جمع الـ”لايكات” السياسية في إسرائيل وأميركا، وانتظار المهدي المُنتظر ترامب.
* كاتب سوري
المصدر: العربي الجديد