الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الصوت المسلم.. والانتخابات الأمريكية

ياسمين عبداللطيف زرد *

أصبح التقاطع بين أصوات الجالية المسلمة وبين الولايات المتأرجحة فى الانتخابات الأمريكية مجالا للتحليل البالغ الأهمية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024.. ليس فقط على قدرة مرشحي الحزبين على حشد قواعدهما الأساسية، بل قدرتهما على التعامل بفعالية مع الناخبات والناخبين المتنوعين والمتطورين، بما فى ذلك الجالية المسلمة، حسب الكاتبة ألطاف موتي Altaf Moti في مقال لها بالإنكليزية نشره موقع أوراسيا ريفيو Eurasia Review.

  • • •

المجتمع المسلم الأمريكي، الذي يشكل نحو 1% من إجمالي سكان الولايات المتحدة، شهد نمواً كبيراً في نفوذه السياسي في السنوات الأخيرة. وتتركز هذه التركيبة السكانية في ولايات محورية مثل ميشيجان وبنسلفانيا وجورجيا حيث غالباً ما تُحسم الانتخابات بهامش ضئيل. مثلاً، في انتخابات 2020، أيدَ نحو 65% من الناخبات والناخبين المسلمين في هذه الولايات جو بايدن، مما ساهم في انتصاراته الضيقة في هذه الولايات.

في الواقع، تغيرت التفضيلات السياسية للجالية المسلمة بمرور الوقت، خاصة استجابة لأحداث مهمة مثل هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وقرارات السياسة الخارجية الأمريكية. فقبل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، كان غالبيتهم يعتبرون أنفسهم جمهوريين. ومع ذلك، المشاعر التي سادت بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، بما في ذلك تصور «الحرب على الإرهاب» باعتبارها هجوماً مباشراً على الإسلام، أدت إلى تحول كبير نحو الحزب الديمقراطي. وبحلول عام 2016، أيدَ حوالى 82% من الناخبات والناخبين المسلمين هيلاري كلينتون، بينما أيدَ 10% فقط المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

  • • •

الولايات المتأرجحة، أو ولايات المعارك الانتخابية، هي تلك الولايات التي يحظى فيها المرشحون الديمقراطيون والجمهوريون بمستويات متشابهة من الدعم بين الناخبين والناخبات، مما يجعلها حاسمة للفوز بالهيئة الانتخابية. وفي الانتخابات المقبلة 2024، تبرز ولايات مثل ميشيجان وبنسلفانيا وجورجيا وويسكونسن وأريزونا كساحات معارك رئيسية، وسيكون الفوز بهذه الولايات هو الفارق بين النصر والهزيمة في السباق الرئاسي. إذ تقوم مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، ومنافسها مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، بتكثيف حملاتهما لجذب فئات ديموغرافية متنوعة، بما في ذلك المجتمع الأمريكي المسلم، ويعني تركز هذا المجتمع في الولايات المتأرجحة أن إقبالهم وتفضيلاتهم يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نتيجة الانتخابات.

  • • •

مع اقتراب موعد الانتخابات في عام 2024، أدت الأحداث الجارية، وخاصة الصراع الدائر في غزة، إلى زيادة التركيز على الناخبات والناخبين الأمريكيين المسلمين. ويشعر كُثر في هذا المجتمع بارتباط قوي بالقضية الفلسطينية وأولوياتهم السياسية. أشار استطلاع حديث إلى أن 61% منهم- في الولايات المتأرجحة- يعطون الأولوية للصراع في غزة على قضايا أخرى، مثل الرعاية الصحية والاقتصاد.

أدى هذا التحول في الأولويات إلى خيبة الأمل تجاه الحزب الديمقراطي، وخاصة في ضوء الدعم الثابت الذي قدمه الرئيس بايدن لإسرائيل خلال الصراع في غزة. وفي تناقض صارخ مع انتخابات عام 2020، حيث حصل بايدن على دعم ساحق من المجتمع الأمريكي المسلم، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن 12% فقط من الذين صوتوا له في عام 2020 يُخططون للقيام بذلك مرة أخرى في عام 2024.

  • • •

الجالية المسلمة بالولايات المتحدة تواجه معضلة معقدة في انتماءاتها السياسية. فمن ناحية، كانت تاريخياً منحازة إلى الحزب الديمقراطي، بسبب مواقفه من العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية والتنوع الثقافي. ومن ناحية أخرى، يشعر العديد من المجتمع الأمريكي المسلم بأن زعماء الحزب الديمقراطي لم يعالجوا بشكل كافٍ مخاوفهم، خاصة فيما يتصل بالسياسة الخارجية والقضايا التي تؤثر على العالم الإسلامي، وقد أدى هذا إلى تنامي الشعور بالخيانة لديهم، كما يشعرون بأن دعمهم للحزب الديمقراطي يؤخذ كأنه أمر مُسلَم به.

في المقابل، شهد الحزب الجمهوري، على الرغم من أنه تاريخياً أقل تفضيلاً بين الناخبات والناخبين المسلمين، زيادة طفيفة في الدعم، وخاصة بين شرائح ديموغرافية معينة. في عام 2020، أعرب حوالى 30٪ من المجتمع المسلم عن دعمهم لدونالد ترامب، بدافع تصورات إدارته الاقتصادية والرغبة في تجنب المزيد من التدخل العسكري في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يزال هذا الدعم هشاً، والعديد منهم يفكرون الآن في مرشحين من طرف ثالث أو ما زالوا غير مقررين لمن يصوتون.

  • • •

من جانبها، تلعب المنظمات الإسلامية دوراً حاسماً في حشد الناخبات والناخبين وتشكيل الخطاب السياسي داخل المجتمع المسلم. لعبت منظمات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) والجمعية الإسلامية الأمريكية (ماس) دوراً فعالاً في الدعوة إلى الحقوق المدنية، وتعزيز إدراج الأصوات التي لها حق الانتخاب في السجل الانتخابي، وتثقيف المجتمع حول العملية الانتخابية. كما عملت هذه المنظمات على تضخيم أصوات المجتمع المسلم في المناقشات السياسية، وضمان تمثيل مخاوفهم في المشهد السياسي الأوسع.

في موسم الانتخابات الحالية 2024، تركز هذه المنظمات على زيادة نسبة المشاركة بين الناخبات والناخبين المسلمين، مؤكدة على أهمية المشاركة في صياغة السياسات التي تؤثر على مجتمعاتهم. وشملت جهودها حملات شعبية وورش عمل تعليمية وشراكات مع منظمات حقوق مدنية أخرى لمعالجة قضايا مثل التمييز والهجرة والسياسة الخارجية.

علاوة على ذلك، لعبت هذه المنظمات دوراً محورياً في تعزيز الشعور بالهوية السياسية بين الجالية المسلمة. ومن خلال تأطير المشاركة السياسية باعتبارها واجباً مدنياً ووسيلة للدفاع عن العدالة، شجعت هذه المنظمات الأجيال الشابة على المشاركة بشكل أكبر في السياسة، وأدى هذا إلى زيادة عدد من يترشحون منهم للمناصب العامة، الأمر الذي قاد إلى تنويع المشهد السياسي وتمثيل مصالح المجتمع.

  • • •

مُجمل القول، مع استمرار تطور المشهد السياسي، من المرجح أن يصبح دور الناخبات والناخبين المسلمين في الانتخابات الأمريكية أكثر وضوحاً. فالمشاركة السياسية المتزايدة من جانبهم، إلى جانب تركزهم في الولايات المتأرجحة، يضعهم في موقع الفئة الديموغرافية الحاسمة للمرشحين الساعين إلى النجاح الانتخابي.

لذا، تشكل انتخابات 2024 اختباراً حاسماً لقدرة الحزب الديمقراطي على الاحتفاظ بدعم المجتمع المسلم في مواجهة السخط إزاء السياسة الخارجية والإهمال الملحوظ لمخاوفهم. وبالنسبة للحزب الجمهوري، فإنها تمثل فرصة لتوسيع جاذبيته واستقطاب فئة سكانية كانت تاريخياً تميل إلى الحزب الديمقراطي.

بعبارة بديلة، تتوقف نتيجة انتخابات عام 2024 ليس فقط على قدرة مرشحي الحزبين على حشد قواعدهما الأساسية، بل وأيضاً على قدرتهما على التعامل بفعالية مع الناخبات والناخبين المتنوعين والمتطورين، بما في ذلك الجالية المسلمة. ومع استمرار هذه الجالية في تأكيد صوتها السياسي، قد يجد المرشحون- الذين يستمعون إلى احتياجات تلك الجالية تحديداً ويستجيبون لها- أنفسهم في وضع أفضل لضمان النصر في المشهد السياسي الأمريكي المتزايد التنافسية.

  • • •

ختاماً، لا يقتصر دور الصوت المسلم في الولايات المتأرجحة على الأرقام، بل يعكس تيارات اجتماعية وسياسية أكثر عمقاً داخل الولايات المتحدة. وسوف يُشكل فهم هذه الديناميكيات أهمية بالغة لأي مرشحة أو مرشح يسعى إلى التعامل مع التعقيدات التي تحيط بالسياسة الانتخابية الأمريكية في السنوات المقبلة.

…………….

النص الأصلي

ـــــــــــــــــــــ

* صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.