بسام يوسف *
“مستعدون للتفاوض مع إسرائيل بشكل غير مباشر، وبعدها سنحاول إقناع حزب الله بوقف الحرب”.. هذا التصريح للسيد “عبد الله بو حبيب”، وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، خلال لقاء له يوم الإثنين الفائت مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن. أوضح الوزير أن التفاوض سيكون مع الحكومة اللبنانية، حيث إن حزب الله ليس دولة ليقول “نعم” أو “لا”.
لا أظن أن أحدًا مهتمًا بالشأن اللبناني يجهل أن ما قاله “بو حبيب” هو رسالة من حزب الله، وليس من الدولة اللبنانية. فحزب الله يتلطى خلف الدولة اللبنانية عندما يريد، ولكنه عندما لا يريد، فإن الدولة اللبنانية والشعب اللبناني معها يكونان خارج حساباته وحسابات مرشده الأعلى ” علي خامنئي”.
لا يأتي تصريح وزير الخارجية اللبناني منعزلاً عن سياق بدأت ملامحه تظهر للعلن منذ فترة، وكُرر مرارًا في تصريحات إيرانية على أعلى المستويات، سواء من قبل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “الخامنئي” الذي قال: “في بعض الأحيان يكون التراجع تكتيكيًا كما هو الحال مع التقدم، والأمر كذلك في الميدان العسكري، وينطبق كذلك في الميدان السياسي”، أو قبله تصريح الرئيس الإيراني الجديد “مسعود بزشكيان” الذي أشار إلى استعداده للدخول في حوار بنّاء مع الدول الأوروبية.
في خطوة أخرى تنسجم مع التراجع التكتيكي الذي أعلن عنه “خامنئي”، صرّح السيد “نعيم قاسم”، نائب الأمين العام لحزب الله، أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين “حماس” و”إسرائيل”، فإن حزب الله سيوقف معركة الإسناد التي يقوم بها دعمًا لحماس. ولم ينسَ أن يشيد بدور الإسناد الذي قام به الحزب وتأثيره الفائق الأهمية، رغم أن غزة قد دُمرت، وما كان عليه وضعها قبل بدء هذه المعركة، ستحتاج إلى سنوات طويلة كي تعود إليه.
في كل هذه المسرحية الإيرانية تأليفًا وإخراجًا وتمثيلاً، هناك هدف أساسي تسعى إليه إيران، وهو ترسيخ نفوذها في منطقة ذاهبة نحو متغيرات جيوسياسية عميقة، وإعادة ترتيبها على ضوء صراع عالمي يحتدم ويتمدد. إيران تحاول بخطة مشبوهة ترسيخ حضورها إقليميًا ودوليًا من خلال سيطرتها على خمس ساحات استطاعت أن تدمرها، وأن تجعل منها مجرد أشلاء لدول أو مناطق حكم.
قبل أيام شنت إسرائيل هجومًا نوعيًا، وصفه مراقبون بأنه الأكثر عنفًا وقوة على خمسة مواقع داخل سوريا.
وعلاوة على الخسائر المادية الهائلة التي لحقت بهذه المواقع، قضى عشرات السوريين في هذا العدوان الذي يأتي ضمن سياق الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية منذ تدخل إيران في الصراع بين الشعب السوري وحكم عائلة الأسد.
استطاعت إيران إحداث تدمير شامل في أربع دول عربية، بل وجعلت هذه الدول أدوات لها في معاركها الأخرى. ببساطة شديدة، تستعمل إيران الآخرين في معاركها؛ تُدمر سوريا ويُقتل أبناؤها، ويُدمر لبنان سياسيًا واقتصاديًا، ويُمنع اليمن من الخروج من محنته، ويُنهب العراق ويُمنع شعبه بعد ما يزيد على عقدين من سقوط نظام صدام حسين من إقامة دولته. كل هذا يتم بإدارة وإشراف من إيران، وبتواطؤ أو موافقة من أطراف دولية.
لن تنتقل المعركة إلى داخل إيران، فحكم “الولي الفقيه” الذي قد تسقطه معركة خارجية هو بالغ الأهمية لإسرائيل وأميركا. إيران تمسك بأوراق عديدة، وتتقن اللعب بها، وتخوض معاركها من ساحات الآخرين وتبتز منافسيها عبر تلك الساحات. طالما أن من يدفع الثمن هم الآخرون، فإن إيران لن تتوقف عن المتاجرة بالساحات التي سيطرت عليها، مهما كان الثمن حتى لو كان الدمار الشامل. فلماذا تنقل المعركة إلى داخلها؟!
ربما تكون المرحلة القادمة من الصراع الإيراني الإسرائيلي هي الأشد على الساحة السورية. سوريا اليوم في عين عاصفة هذا الصراع، والسوريون هم من سيدفعون الثمن، وثمن المصالح الإيرانية. ربما يمكن القول إنه لم يعد بإمكان أي طرف، سواء داخل سوريا أو خارجها، منع إيران من استخدام سوريا كساحة لمعاركها، وزج كل مقومات الدولة السورية لخدمة معركتها.
في السؤال المحير الذي ما يزال يُطرح حول جوهر المعركة الدائرة بين إيران وإسرائيل، وحقيقتها، وأبعادها، وإلى أي مدى يمكن المضي بها، أرى أن الجواب الذي يربط هذه المعركة بفلسطين والقدس وما إلى ذلك هو مجرد ادعاء باطل لا علاقة له بالحقيقة.
تحالف “تيار المقاومة” ليس أكثر من شركة إيرانية للاستثمار السياسي. ولكي تكون إيران المالك الوحيد لهذه الشركة، فقد تعمدت تدمير أربع دول عربية وحطمت قدراتها، وجعلت من قيادات هذه الدول مجرد تابعين لها. هي تحاول اليوم عبر شركتها هذه أن تنافس في معركة السيطرة والنفوذ الإقليمية.
إيران لا تريد تحرير شبر من فلسطين، بل يمكن القول إنها تسعى لترسيخ احتلال إسرائيل لفلسطين والجولان وربما أكثر. فما فعلته إيران بخصوم إسرائيل لم تكن إسرائيل قادرة على فعله. ربما يأتي اليوم مسلسل قصف المواقع السورية ذات الأهمية في هذا السياق، فإيران تريد تدمير سوريا وإنهاء أي إمكانية عسكرية أو تقنية فيها ضمن سياق ترتيب المنطقة. يساعدها في ذلك شلل الدولة السورية وغياب أي مسؤولية وطنية لدى من يديرون سوريا.
عندما يتقاضى قسم من جيش أي دولة رواتبه من جهات خارجية، فإنه يصبح تابعًا لها. إيران يمكنها اليوم أن تشعل حربًا داخل جيش النظام السوري، وأن تبيع وتشتري بسوريا كما تشاء. فهل ستعمد إيران إلى تدمير سوريا وبيعها “على العضم” كما فعلت في مناطق أخرى؟
ربما نجد الجواب في كواليس ما حدث في مصياف…!
* كاتب سوري
المصدر: تلفزيون سوريا