د.عبد الناصر سكرية
على وقع عدوان صهيوني يومي على أهلنا في الجنوب الصامد البطل، تتزايد أعداد المُهجَرين الذين يجبرهم ذلك العدوان على ترك منازلهم، والنزوح الى أماكن بعيدة أكثر أمنًا وهدوءًا.. تتحدث الأنباء عن عائلات كثيرة تغادر إلى خارج لبنان، فيما تبدو وكأنها هجرة اغترابية دائمة أو بعيدة المدى..
وهل تدمير مقومات الحياة فيها متمثلاً بإحراق المزروعات والغابات ومصادر الرزق والمعيشة والبنية التحتية؛ يمهد لجعلها غير صالحة لبقاء البشر فيها أو استمرار للحياة عليها؟
هل أن هذا التدمير الممنهج لقرى الجنوب اللبناني، المحاذية لشمال فلسطين المحتلة، وتفريغها من أهلها بالتهجير القسري؛ يُمهد لضمها إلى مملكة بني صهيون العدوانية؟
وهل استمرار إغراق اللبنانيين بمشكلات الحياة اليومية وتفاصيلها في ظل استمرار وتصاعد فساد أطراف نظام المحاصصة وفضائحها على كل صعيد، من دون أدنى خجل أو حسبان لحقوق المواطنين أو حقوق الوطن، تمهيد لتمرير توسيع مملكة العدوان والإجرام، كما حصل في محطات سابقة، يوم أن استولت على مياه وآبار ونفط وغاز؟
هل أن توافق جميع الأطراف المحلية والدولية على تلاشي واضمحلال الدولة، يُمهد لإطلاق تغييرات بنيوية في الهيكلية الرسمية للدولة اللبنانية، تحضيراً لتقسيم مفتعل مشبوه، وتأسيس كيانات طائفية ومذهبية غير قادرة على البقاء والحياة والاستمرار إلا بالحماية الأجنبية المباشرة وغير المباشرة؟
أليس الحديث المتصاعد عن اختلافات دينية قائمة، وفروقات حضارية مزعومة وتباينات اجتماعية وسلوكية، تمهيداً وتبريراً لتقاسم لبنان وتقسيمه بين الأطراف الخارجية وأدواتها المحلية؟ على صغر هذا الـ”لبنان” المنكوب بنظامه الموضوع المرتهن الفاسد المفسد، وبتجاوره مع دولة الإحتلال التي اغتصبت فلسطين، لتكون ذراعًا استعمارياً لتخريب بلاد العرب والسيطرة عليها؟
أليس ما يجري في لبنان، يحاكي ما جرى ويجري في العراق وسوريا، وعموم المشرق العربي؟
أليس مشابهاً لتهجير ملايين العراقيين والسوريين، لتخفيف قواعد ومصادر القوة البشرية المُواجهة للعدوان؟
ألا يتصل هذا بمصالح بني صهيون وجموحهم لتوسيع مملكتهم، بعد تفريغ أكبر قدر من السكان في محيط فلسطين، وتثبيت كيانات تقسيمية فيه تتعيش على عصبيات مذهبية أو طائفية أو عرقية؟!..
أليست تغذية تلك العصبيات تصب في خدمة مشروع الصهاينة المعتدين؟!
أليس النفخ في عصبيات مذهبية، بدلًا من شرح خطر المشروع الصهيوني، وتحليل خلفياته الدينية وأبعاده المستقبلية، إعاقة لتوفير أكبر قدر مطلوب من القوة الوطنية والشعبية لمواجهة ذلك المشروع ودحره؟
أليس ما يجري في لبنان من أحداث وحوادث؛ يبدو متوافقًا مع متطلبات تحضير الأرض والبشر لنجاح مشروع تفتيت المجتمعات العربية وتأسيس دويلات تقسيمية هزيلة فيها؟.
ألا يُخشى أن نضطر مستقبلاً الى المطالبة بحق عودة المهجرين النازحين إلى ارضهم وقراهم؟
وماذا يعني استمرار الحماية الخارجية لكل أطراف النظام المتهالك الفاسد، سوى حاجة أطراف القوى الخارجية لمثل هكذا نظام وظيفي تابع؟ وهكذا توسّع مُحتمل لدولة الأخطار الاستعمارية المتلاحقة؟
أليس في لبنان، رجل رشيد، يقول الحق، يقود الوطن، يقوّم السياسة، يحرر الإرادة ويُصحح مؤسسات الوطن؟.
أليس في لبنان أحرار شرفاء وشجعان أمناء؟
إن تقويم كل مؤسسات الدولة والوطن هو المدخل الحقيقي والموضوعي لمواجهة كل الأخطار على الوطن والمواطن.. على الأرض كما على الحياة..
وهل غير مؤسسة الجيش الوطني، نواة للشرف والتضحية والوفاء؛ تجمع ولا تفرق، تصون ولا تبدد، تحمي ولا تهدد، قادرة على فعل هذا؟
لقد مضى عهد الإنقلابات، لكن عهد الخيانات والتبعية والفساد بلغ أعلى ذراه، فينبغي أن ينتهي ويسقط.. وهو لن ينتهي إلا بتدخل الشرفاء قوة وطنية مؤسسة جامعة..
ولن تحيا قوة وطنية بعصبية تقسيمية من أيّ نوع.. ولن تقوم لوطن حرّ قائمة، إلّا بوحدة أبنائه الأحرار: المتنزّهين عن أيّ تبعية أو ارتهان خارجي، المتعالين على كل عصبية تُقسم أو تُفرق، المُمتنعين عن الولاءات الفئوية والحزبية والمصلحية، المُنصهرين في وطنية لبنانية جامعة.. فهل نحن راغبون أولاً ثم قادرون وفاعلون؟!
المصدر: المدار نت