أسامة أبو ارشيد *
يواجه العرب والمسلمون الأميركيون معضلةً أخلاقيةً وسياسيةً في الانتخابات الرئاسية المُقرَّرة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. سيعني التصويت للمرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس لكثيرين منهم دوساً على ضمائرهم، ذلك أنّها نائبة الرئيس الحالي جو بايدن، الذي جعل من الولايات المتّحدة شريكاً في حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة، عدا عن أنّ مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو (19 – 22 أغسطس/ آب الفائت) رفض إعطاء أيّ فلسطيني أميركي فرصةً للحديث عن معاناة غزّة، في حين سمح لأحد أفراد عائلات المحتجزين الإسرائيليين بذلك. في الوقت ذاته، كان خطاب هاريس في المؤتمر مخيّباً لآمالهم لناحية تأكيد دعمها إسرائيل مع بعض كلمات فارغة عن تعاطفها مع الضحايا المدنيين في قطاع غزّة. أمّا عدم التصويت لها، أو التصويت لمرشّح ثالث، مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين، أو المرشّح المستقلّ كورنيل ويست، فسيعني عملياً تصويتاً للمرشّح الجمهوري دونالد ترامب، الذي سيستفيد من كلّ صوت يذهب عادةً إلى الديمقراطيين ويُغيّر وجهته في الانتخابات المقبلة، حتّى وإن لم ينلْه هوَ. ومع أنّ الخيار قد يبدو لبعضهم بسيطاً، والمتمثّل في معاقبة إدارة بايدن على تواطؤها في جريمة الإبادة في غزّة، إلّا أنّه ليس كذلك، فترامب لا يقلّ سوءاً ووحشيةً عن بايدن وهاريس، وهو داعم بجنون ومن دون ضوابط لإسرائيل، دع عنك خطورته على العرب والمسلمين الأميركيين أنفسهم.
في مواجهة هذه المعضلة، يبحث النشطاء العرب والمسلمون الأميركيون (لا يشمل هؤلاء المسلمين من السود الأميركيين والذين يصوّت جُلّهم تاريخيّاً للمرشّح الديمقراطي) عدة خيارات، لكن أيّاً منها لا يبدو مثالياً أو من دون تداعياتٍ سياسية وأخلاقية. تنطلق الخيارات كلّها بالنسبة لغالبية العرب والمسلمين من أنّ التصويت لترامب خطٌّ أحمرُ وليس خياراً قائماً. لكن، هذا لا يعني أنّ أقلية منهم لن تفعل ذلك، كما حصل عام 2016. كما أنّ حملة ترامب تُبدي حِرصاً كبيراً على جذب بعض الأصوات العربية والمسلمة لمعسكرها، وتحديداً في الولايات الترجيحية، خصوصاً في ميشيغان، بالإضافة إلى ولايات بنسلفانيا وجورجيا ومينيسوتا ووسكنسن ونورث كارولينا، أو على الأقلّ إبعادهم عن معسكر هاريس. ولتحقيق ذلك، عيّنت حملة ترامب منسّقين للتواصل مع العرب والمسلمين الأميركيين، من بينهم زوج ابنته تافيني، مسعد بولس، لبنانيّ الأصل. وتُراهن حملة ترامب على أنّ إقناعَ عددٍ كبيرٍ من العرب والمسلمين الأميركيين في الولايات الترجيحية بعدم التصويت لهاريس، على خلفية غضبهم من دعم إدارة بايدن جرائم إسرائيل في قطاع غزّة، قد يُساهم في خسارتها الانتخابات الرئاسية التي تفيد استطلاعات الرأي بأنّها متقاربةٌ جدّاً. وثمَّة سوابق لخسارة مرشّحين ديمقراطيين بسبب عدم حماسة قاعدتهم الانتخابية، كما حصل مع هيلاري كلينتون عام 2016 أمام ترامب، رغم أنّ استطلاعات الرأي حينها كانت تتنبأ بفوزٍ ساحقٍ لها. في حين خسر نائب الرئيس آل غور أمام المرشّح الجمهوري جورج بوش الابن، عام 2000، بسبب بضع مئاتٍ من الأصوات في ولاية فلوريدا، وكان الصوت المسلم حاسماً فيها.
يمكن تلخيص الخيارات التي يجري بحثها في أربعة:
أولاً؛ “بلع الموس” والتصويت لهاريس وللحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والولائية، ذلك أنّ البديل المتمثّل في ترامب والجمهوريين أشدّ تأييداً لإسرائيل ودعماً لها، أو على الأقلّ أن ترامب سيكون بسوء بايدن وانحيازه لجرائم إسرائيل وعدوانها. بعد آخر يشير إليه أصحاب هذا الرأي، يتمثّل في الخطر الذي يمثّله ترامب والجمهوريون على الوجود العربي والإسلامي في الولايات المتّحدة، خصوصاً في ضوء تهديدات الرئيس السابق العلنية لإعادة العمل بحظر دخول مواطني دول عربية وإسلامية الولايات المتّحدة، كما فعل عام 2017. فضلاً، عن تهديده بقطع المنح عن طلاب الجامعات الأميركية الذين يتظاهرون دعماً لفلسطين، وإبعاد من يحمل تأشيراتٍ دراسيةً منهم، وحديث بعض مساعديه عن نيّته إغلاق منظّمات عربية وإسلامية أميركية. ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ ثمَّة متعاطفين مع قضايانا في الحزب الديمقراطي يمكن العمل معهم والضغط من خلالهم على هاريس، في حال أصبحت رئيسةً في مقابل الجمهوريين الذين لا يوجد لنا بينهم حلفاء حقيقيون ومُؤثّرون. مشكلة هذا الخيار أنّه يتجاهل أنّ أغلب المصوّتين العرب والمسلمين (من غير السود الأميركيين) لن يتجاوبوا، على الأغلب، معه على أسس أخلاقية وضميرية.
ثانياً؛ معاقبة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية (بمعنى عدم التصويت لهاريس والتصويت كغير ملتزم أو لمرشّح رئاسي ثالث)، مع التصويت لمرشّحيهم في الانتخابات التشريعية والولائية، بحيث تكون هناك حكومةٌ منقسمةٌ في حال فاز ترامب بالرئاسة، وفاز الديمقراطيون في انتخابات الكونغرس تحديداً. حينها، حسب منطق أصحاب هذا الرأي، يمكن الحدُّ من قدرة ترامب على إيذاء العرب والمسلمين الأميركيين، ذلك أنّ الكونغرس ليس تحت سيطرته، وفي الوقت نفسه، يمكن لجم قدرته على دعم إسرائيل، بعد أن يفهم الديمقراطيون أنّ ثمَّة ثمناً دفعوه بسبب إهمالهم أصوات العرب والمسلمين الأميركيين. رغم ما في هذا الخيار من إيجابيات، إلّا أنّه غير مضمون التحقّق. من ناحية، سيواجه أغلب المصوّتين مشكلةً في التمييز بين التصويت للرئيس والتصويت لغيره من المرشّحين التشريعيين والولائيين في البطاقة نفسها. أيضاً، في حال نجاح هاريس من دون الصوتين، العربي والمسلم، فإنّ هذا قد يُضعف قدرتهم على التأثير داخل الحزب الديمقراطي في القضايا التي تهمّهم وترتبط بوجودهم في الولايات المتّحدة. أمّا في حال نجاح ترامب جرّاء ذلك، فهذا سيعني أربعَ سنواتٍ عجافٍ لهم تحت رئاسته، فضلاً عن مزيدٍ من الانحياز الأعمى لإسرائيل. دع عنك هنا إمكانية أن يلومهم حلفاء لهم في ما يُعرَف بـ”حركة العدالة الاجتماعية” على التسبب بنجاح بترامب الذي لن يُوفّر أحداً من الاستهداف.
ثالثاً؛ التصويت لمرشّح رئاسي ثالث، وعدم التوصية بالتصويت لجميع الديمقراطيين، تشريعياً وولائياً، عقاباً لمن وقفوا مع إسرائيل منهم، وتحمّل أربع سنوات من الضغط والاستهداف إذا نجح ترامب جرّاء ذلك، في مقابل أن يدرك الديمقراطيون خطأهم ويُغيّروا سياساتهم في الانتخابات النصفية عام 2026، والرئاسية بعد ذلك عام 2028. إلّا أنّ هذا الخيار يحمل مخاطر الخيار الثاني ذاتها، إن أصبح ترامب رئيساً، وكان الجمهوريون أغلبيةً في مجلسيّ النواب والشيوخ.
رابعاً؛ التصويت “غير ملتزم” رئاسياً، وتحميل الديمقراطيين خسارة الانتخابات الرئاسية، إن حدثت. إلّا أنّ هذا الخيار يحمل مخاطر الخيارين الثاني والثالث ذاتها.
باختصار، لا يوجد خيار ذهبي للعرب والمسلمين الأميركيين في انتخابات نوفمبر، وحتّى يكون لأصواتهم تأثير فإنّ هذا يتطلّب أن تكون نتيجة الانتخابات متقاربةً جدّاً. وفي الأحوال كلّها، المحاذير التي يواجهونها أكثر من الفرص المتاحة، ومع ذلك، إنّهم مطالبون بالموازنة بين خيارات سيئة كلّها.
* كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
المصدر: العربي الجديد