الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في ذكرى جريمة الكيماوي.. وأهمية اقتلاع نظام الاستبداد

محمود الوهب

لم تكن جريمة الكيماوي الدالة الوحيدة على جرائم النظام، ولكنها الجريمة التي تكاد أن تكون الوحيدة التي لم يستطع النظام إخفاءها، كما كان يحدث في السابق، إذ كانت الأكثر ظهوراً إلى العلن في زمن لم يعد يمكن لأحد أن يخفي جرائمه! ففي الحادي والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 2013 شهدت غوطة دمشق الشرقية ومدينة “زملكا” تحديداً أبشع جريمة قام بها النظام السوري حين استخدم السلاح الكيماوي (غاز السارين) ضدّ أبناء الشعب السوري، ولم ينكر حقيقة هذه الجريمة سواه، بالإضافة إلى “صالح مسلم” زعيم حزب الـ: “بي. ي. د” الكردي، بينما أكدت دول العالم كلها تلك الحقيقة، حتى إن إيران نفسها، اعترفت على لسان “علي هاشمي رفسنجاني” (رئيس إيران سابقاً، محسوب على الإصلاحيين، ويشك أنه مات مقتولاً بيد نظام دولته) وفق فيديو مصور نشرته بعض المواقع الإليكترونية إذ قال حينذاك: إن “الشعب السوري الذي تعرض لهجوم كيماوي من طرف السلطة، عليه الآن مواجهة التهديد بتدخل أجنبي”. وحينها سارع الروس الذين يعرفون ذلك جيداً إلى لملمة أمر الجريمة، وعملوا مع الأمريكان والإسرائيليين، على تسليم السلاح الكيماوي السوري الذي تبيَّن أنه لم يكن مصنَّعاً لاستخدامه ضد إسرائيل، وبذلك، جنّب الروسُ سوريةَ تهديدات أوباما.. لن ندخل الآن في تفاصيل الجريمة، ولا في تأكيد المؤكد، ونكتفي بالإشارة إلى بعض التقارير الدولية المؤكدة لها! ففي يوم 16 أيلول من عام 2013، صدر تقرير لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة يشير إلى أن غاز السارين أطلق بواسطة صواريخ أرض- أرض.. وذكر التقرير أن الهجوم حدث في ساعة ضمنت إصابة أو مقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لأن درجة الحرارة تنخفض بين الثانية والخامسة صباحاً، وهو ما يعني أن الهواء كان يتحرك إلى الأسفل باتجاه الأرض.. وفي تعليق على التقرير، قال الأمين العام للأمم المتحدة: “هذه جريمة خطيرة، ويجب تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة في أقرب وقت ممكن.” وكان “بان” قد قال: إن الرئيس السوري بشار الأسد “ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية”. وأضاف” إن “الأسد يجب أن يحاسب على جرائمه..”. وجاء في تقرير منظمة أطباء بلا حدود في 24 آب 2013: عن عدد القتلى والمصابين: أنَّ “355 شخصاً، قد قتلوا نتيجة تسمم عصبي من بين حوالي 3600 حالة نقلت إلى المشافي.. بينما قالت المعارضة: إنَّ عدد القتلى ارتفع إلى 1466 في حين ذكر تقرير للمخابرات الأميركية أن 1429 شخصاً قد قتلوا، لكن النظام، كعادته، وصف التقرير بـ “الادعاءات الكاذبة!” من هذه الجريمة، ومن مجازر أخرى متعددة مثل البراميل المتفجرة التي ساهمت في تدمير سورية، وبناها التحتية تدميراً كاملاً.. بالإضافة إلى كمِّ المعتقلين الهائل، وإلى المغيبين قسرياً، ثمَّ إلى الفساد الذي يعلن اليوم عن وجوده في قمة النظام، في وقت لا يجد السوريون الذين هم تحت سيطرة النظام ما يقتاتون به! أقول بسبب ذلك كله، ولجرائم أخرى كثيرة، لم يعد ممكناً التعايش لا مع النظام فحسب، بل مع كل ركائزه وهياكله، هي مرحلة انتهت كلياً! كما أنّ القرار الأممي 2254 يقول بهيئة حكم انتقالية، وبدستور ديمقراطي، وبانتخابات حرة، تحت إشراف دولي، ترضي السوريين كافة..

إن ذلك كله يجب أن يكون مرئياً، وفي البال، حين النظر إلى غليان المجتمع السوري مجدداً، والوقوف إلى جانبه، ومساعدته! فما يفعله الشباب في الشمال خطوة، كانت مرتجاة ومتطلع إليها، وعليها يتوقف الكثير، إذ هي تحدث في مكان يمثل أغلبية في الأطياف السورية، ما يعطيها تميُّزاً وخصوصية يعوَّل عليه، ولا يعني ذلك أن عليها أن تسُود لمجرد أنها أغلبية.. أبداً، بل عليها أن تقرأ خارطة سورية جيداً.. هذه الخارطة التي هي وليدة تاريخ يمتد عميقاً في الزمن، وفي عراقة الإنسان، وبالتالي في التنوع، والتباين والتوحد عند سورية وطناً يحبونه، ويسعون لبناء مجده معاً. ومن هذا الجانب بالذات، يجري التطلع إلى دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع أمام القانون، وعلى أساس دستور يرعى مصالح الجميع، ويكفل حقوق المواطن الفرد: المادية والروحية، ويفتح أمام الكل أفقاً أوسع نحو إبداعهم.. ولأجل إعادة بناء وطن يحبه كل أبنائه بقدر واحد، وبقدر ما يمنحهم الوطن من الراحة والاطمئنان، ويفتح أفق النمو والإبداع، ولا شك أننا نشير هنا إلى أنَّ أسس بناء الوطن المرتجى لابد أن تكفل وحدة أرض سورية وشعبها، في إطار التنوع ومستحقاته.

 لا شك في أن حراك الشمال جاء متناغماً مع الحراك المستمر في محافظة السويداء، منذ عام كامل، واليوم، ونحن نحتفي بذكراه السنوية، يمكن القول: إنه منذ ولادته، بدا، وكأنه استعادة لألق الثورة، وتميَّز بمسائل عدة، أهمها: أنه نزع عن النظام ادعاءه بأنه يحمي الأقليات، كما تميَّز بحضور مهمٍّ لرجال الدين، لا على أساس ديني، بل على أساس وطني واضح المعالم، وكذلك بحضور لافت للمرأة، ولدورها المهم، وباستناده إلى إرث وطني مغمس بالدم، وقد تطور اليوم بتكوينه هيئة سياسية قيادية منفتحة على أيِّ حراك في المناطق السورية يعمل على استعادة روح الثورة، ويعمل على استعادة جوهرها الديمقراطي الشامل!

 إن اللقاء بين الشمال والجنوب وامتداداته يشكل نقطة تحول في تاريخ الثورة السورية، وهو نواة مهمة وجامعة، لاستعادة الوحدة السورية، ولتحقيق الهدف الأعظم، وهو اقتلاع نظام الاستبداد من جذوره.. وقد استدعى بالفعل، على نحو أو آخر، من المتدخلين كافة، أن يعيدوا حساباتهم، وهذا يوجب على قيادات الحراك حسابات دقيقة لكل خطوة تخطوها، وهي لا شك على قدر المسؤولية الوطنية المنوطة بها في هذا الظرف المفصلي من تاريخ سورية..

المصدر: سوريا الامل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.