برهوم جرايسي *
ظهرت في الأيام الأخيرة ما بدت وكأنها أزمات داخل ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، أبرزها استمرار عربدة زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (قوّة يهودية)، إيتمار بن غفير، الذي تمرّد على قرارات الائتلاف، في سبيل الضغط للقبول بضمه إلى الطاقم المقلص لإدارة الحرب؛ وكان من أبرز ما فعله رفضه تمرير قانون تسعى له كتلتا الحريديم؛ وبموازاة ذلك، تهديد بن غفير ومعه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بمغادرة الحكومة في حال تم إبرام اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب، وانسحاب جيش الاحتلال كليا من قطاع غزة، رغم أن هذا ما يرفضه أيضا، نتنياهو شخصيا. والأمر الآخر، ظهور تقارير تتحدث عن أزمة بين وزير الدفاع يوآف غالانت، ونتنياهو، انعكست بصدور بيان حاد من مكتب نتنياهو، وأيضا أحاديث عن حوار مع كتلة المعارضة “اليمين الرسمي”، بزعامة جدعون ساعر، لضمها إلى الائتلاف.
ونشير في عرض المشهد السياسي الحالي، في ما يتعلق بحكومة بنيامين نتنياهو، إلى أن الكنيست حاليا في عطلة صيفية، بدأت في الأيام الأخيرة من شهر تموز الماضي، وتنتهي مع افتتاح الدورة الشتوية، يوم 28 تشرين الأول المقبل، بمعنى أن أي أزمة حقيقة تهدد بنية الائتلاف الحاكم، وهي غير مرئية حاليا، لا يمكن أن تحل الحكومة الحالية، لأنه لا يجوز طرح حجب الثقة عن الحكومة خلال أي عطلة برلمانية، في حين أن أي قرار بحل الكنيست، يحتاج لقرار في الحكومة أو رئيسها، لدعوة الكنيست للتصويت، وهذا أيضا غير وارد، إذ إنه لا يوجد حاليا ما يبرر خطوة كهذه، يكون معناها تنازل نتنياهو عن الحكم، وتقديمه على طبق من فضة لمعارضيه البرلمانيين.
وكنا قد عرضنا أكثر من مرّة نهج ايتمار بن غفير الضاغط على ائتلافه، وهو يفتعل أزمات كي يحقق مكاسب متعددة، وقد نجح في العديد من المحطات، لكن في الشهرين الأخيرين للدورة الصيفية، أدى نهجه وتمرّده على الائتلاف، إلى ضرر في ما تسعى له كتلتا الحريديم، على صُعد مختلفة، منها سن قانون يمنح مكانة أقوى للمحاكم الدينية اليهودية، وتعيين حاخامات المدن والبلدات وغيرها.
وهذا خلق توترا حقيقيا، انعكس في رد قادة الحريديم على بن غفير، قبل نحو أسبوعين، حينما اقتحم بن غفير، مرّة أخرى، باحات المسجد الأقصى المبارك، إذ كانت بيانات الإدانة من قادة الحريديم الذين يلتزمون بالحظر التوراتي لدخول منطقة الحرم القدسي الشريف، أكثر مما شهدناه سابقا، وصلت إلى حد التهديد باستمرار الجلوس مع بن غفير في الحكومة نفسها، وهو تهديد أكثر إعلاميا من أن يتم تطبيقه بسبب قضية كهذه، لأنه ليس للحريديم خيار سلطوي آخر. لكن، وعلى غير عادة، انضم لبيانات الإدانة هذه المرّة، أبرز 5 حاخامات للحريديم في القدس، من الغربيين الأشكناز، والشرقيين السفاراديم، في شريط مصور مترجم للعربية، يدينون فيه اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى رغم الحظر التوراتي الجازم، وأعلن يومها أن الهدف هو تعميمه على العالم العربي كله.
إلا أن من “عجب عجاب” السياسة الإسرائيلية، إن صح التعبير، تلقي بن غفير دعما من رئيس المعارضة يائير لبيد، الذي أعلن في مقابلة صحافية، “أن من حق بن غفير دخول جبل الهيكل (الحرم القدسي) فهو موقع ومكان إسرائيلي”، بحسب تعبيره.
الخلافات مع غالانت:
بطبيعة الحال، فإنه في النظر من خارج الحلبة الإسرائيلية، لا يمكن رؤية أي خلاف جوهري بين كل شركاء الحكومة الإسرائيلية، ومعهم الغالبية الساحقة من المعارضة الصهيونية البرلمانية، وأن أي خلاف يدور بين أقطاب الحكومة، ليس على الأهداف الجوهرية للحرب، بل على الأداء، وما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة.
لكن في تفاصيل الحلبة الإسرائيلية الداخلية، هناك خلاف واضح بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع لديه، يوآف غالانت، إذ إن نتنياهو مستمر في النهج الذي يميز حكومته الحالية بأجندتها غير المسبوقة، في ضرب وتقليص مكانة كافة الأجهزة المهنية الأساسية التي تدير شؤون الحكم، من أصغر دائرة، حتى الدوائر التي تُعد مرتكزا للحكم، إن كان الجهاز المهني في وزارتي العدل والمالية، أو جهاز القضاء ككل، وبلغت الذروة في العامين الأخيرين، حتى السعي لتقويض ما كان يُعد “البقرة المقدسة”: الجيش والأجهزة الاستخباراتية.
وفي حين نرى وزراء العدل والمالية وما يسمى “الأمن القومي” (الشرطة)، لا يترددون في الصدام مع المستويات المهنية في وزاراتهم، فإن غالانت بالذات يدافع عن الجهاز المهني لديه، والقصد هيئة أركان الجيش ورئيسها، لأنه جاء من هناك.
وأيضا هنا نؤكد مجددا، منعا لأي تأويل، أن الخلاف بين قيادة الجيش ورئيس الحكومة وغالبية الوزراء، لا يدور حول أهداف الحرب، وإنما حول أشكال الأداء، ومطالبة الجيش بما هو أكثر، واتهامه بالتقصير، وهذا بات يحدث بوتيرة أكثر من ذي قبل، إضافة إلى ما نراه من صدام في الصلاحيات بين الجيش وقوات ما تسمى “حرس الحدود”، التابعة لوزارة الشرطة (الأمن القومي)، في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
وعلى الرغم من أن غالانت يؤيد ما يسمى “الانقلاب على الجهاز القضائي”، الذي تسعى له حكومته، فإنه يدافع عن قيادة الجيش، وهذا ما أدخله مرارا في حالة صدام مباشر مع نتنياهو، وسعى كل واحد من الاثنين لتصدير هذا الخلاف إلى وسائل الإعلام.
وإذا ما نظرنا إلى نهج نتنياهو، منذ أن ظهر لأول مرّة على رأس جهاز الحكم، في منتصف العام 1996، وحتى قبل ذلك، حينما ترأس حزب الليكود لأول مرّة في العام 1993، سنرى أنه سعى طيلة الوقت للإطاحة بكل من يخالفه، أو يبدو وكأنه ندّ لنتنياهو في الحزب والحكومة، أو تكون له طموح مستقبلية للمنافسة على رئاسة الحزب؛ وقائمة الأسماء التي سقطت من قيادة الليكود والحكومة، على مر السنين، باتت طويلة جدا، ومن بينها أسماء لا تزال من حيث عمرها، قادرة على العمل السياسي.
وعلى أساس هذا، فإن نتنياهو ينظر إلى غالانت كشخص ند له، ويحاول أن يتجاوز مكانة نتنياهو، بصفته “المقرر” في الحكومة. وفي الأشهر القليلة الأولى بعد تشكيل الحكومة في نهاية العام 2022، أعلن نتنياهو نيته إقالة غالانت من منصبه، لكن كان هناك رد فعل شعبي غاضب، وامتد أيضا إلى داخل الليكود، فتراجع نتنياهو، لكن في الأشهر العشرة الأخيرة تم تسريب معلومات لوسائل الإعلام، حول نية نتنياهو إقالة غالانت، كان آخرها في شهر آب الجاري.
ليس واضحا إذا ما كان هذا الصدام سيتجدد في الفترة المقبلة، أو حتى اليوم الأخير لهذه الحكومة، لكن، ومرة أخرى استنادا للتجارب السياسية مع نهج نتنياهو، إذا ما قرر غالانت (66 عاما) الاستمرار في الحياة السياسية، في الانتخابات المقبلة، سيجد نفسه واقفا أمام حواجز نتنياهو للتقدم في قائمة الليكود، بعد أن كان غالانت قد حلّ في الانتخابات الأخيرة في المركز الرابع في حزبه، وكان هو أحد أدوات نتنياهو لدفع شخصيات بارزة في الليكود عن صدارة قائمة الحزب، إلى مقاعد خلفية، مثل يسرائيل كاتس ونير بركات ويولي إدلشتاين، فقط لأنهم فكّروا في الترشح لرئاسة الليكود.
ولهذا، فإن احتمال أن يسعى غالانت للبحث عن قائمة انتخابية قوية أخرى تؤويه كبير جدا، وقد يكون هذا على الأغلب في مكانين: إما قائمة “المعسكر الرسمي” التي يقودها بيني غانتس، وهذا سيزيد من عدد الجنرالات فيها، أو أن يكون غالانت هو الشخصية العسكرية في قائمة لليمين الاستيطاني والاستيطاني الديني، يقال إنه يجري فحص إمكانياتها، برئاسة من كان رئيساً للحكومة فترةً قصيرة، نفتالي بينيت.
احتمالات ضم ساعر:
بالتوازي مع ظهور أنباء في وسائل الإعلام عن احتمال أن يقيل نتنياهو غالانت من منصبه، وأيضا مع ظهور تهديدات لزعيم حزب “قوة يهودية” إيتمار بن غفير، بالانسحاب من الحكومة، كل مرّة لسبب ما، ظهرت أنباء عن حوارات تجري مع جدعون ساعر، الذي بات يترأس كتلة “اليمين الرسمي”، التي انشقت عن كتلة “المعسكر الرسمي” التحالفية، ولها 4 مقاعد برلمانية. وهذا أمر ظهر أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة.
وليس واضحا حتى نشر هذا المقال مدى حقيقة أنباء التواصل مع ساعر، لكنه على الأغلب أمر واردا جدا، والاستفادة من خطوة كهذه هي ضمان 4 نواب آخرين للائتلاف، ما يوسّع قاعدته ويخفّف من وزن تهديدات بن غفير المتكررة، الذي يسيطر على 6 مقاعد برلمانية. لكن ما أثار حفيظة وسائل الإعلام، والسياسيين والعسكريين السابقين، هو ما قيل بأن نتنياهو سيعرض على ساعر الحقيبة الوزارية التي يتولاها الجنرال احتياط غالانت، وهو عديم الخبرة العسكرية، خاصة في ظل حرب دائرة ومتصاعدة.
ونشير إلى أنه من ناحية سياسية، فإن ساعر وشركاءه في الكتلة هم في عمق اليمين الاستيطاني المتطرف، ومن دعاة استمرار الحرب وتصعيدها بشكل دائم. وفي نهاية الأسبوع الماضي، دعا ساعر إلى إعادة احتلال جنوب لبنان، وكان هذا في مقابلة مع إذاعة اليمين الاستيطاني المتطرف “القناة السابعة”.
ومنذ انشقاقه عن تحالفه مع بيني غانتس، لم يتمكن ساعر من اجتياز نسبة الحسم في استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، سوى لأسبوعين على الأكثر، وكل استطلاعات الرأي تتنبأ بأنه بقدر ملحوظ، تحت نسبة الحسم التي تضمن تمثيله البرلماني في الانتخابات المقبلة.
وليس واضحا ما إذا سيجد ساعر جهة سياسية تقبل به، أو تقبل بشرط مفترض أن يطرحه، وهو ضمان مقاعده الأربعة الحالية في أماكن مضمونة، في أي قائمة ينضم إليها، سواء إن كانت قائمة حاليا، أو أنها ستتشكل عشية الانتخابات. والاستفادة الأساسية من ضم ساعر إلى قائمة انتخابية، هي ميزانية الانتخابات التي يستحقها حزبه، فالجانب المالي أمر من أساسيات خوض الحملة الانتخابية. ونستطيع التقدير بأن ساعر سيكون قادرا في أقصى الأحوال على أن يضمن مقعده ومقعد شريكه الأقوى، زئيف إلكين، الذي له وزن بين المهاجرين السابقين من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي أجواء لا تشير إلى احتمال اجراء انتخابات برلمانية قريبة، فإن هذا يبقى مجرد فرضيات في الأجواء الإعلامية والسياسية.
وتمشيا مع ما أسلفنا قوله هنا، فإنه على الرغم من ظهور أزمات داخل الائتلاف الحاكم، وفي أحيان عديدة يكون الخلاف جديا، حينما يكون أحد الأطراف يسعى لتحقيق مكاسب حزبية، فإنه على أساس المعادلات القائمة، وبضمنها توزيع مراكز القوى، وما تتنبأ به استطلاعات الرأي العام التي تظهر تباعا، وحتى تلك التي مصدرها جهات اليمين المتطرف، وتنشرها القناة 14 التلفزيونية الإسرائيلية، فإن الائتلاف الحاكم لا يضمن أغلبية مطلقة، كحاله اليوم، في حال جرت انتخابات مبكرة، ولهذا فإن أي تفكيك للائتلاف ستكون بمثابة مغامرة لليمين الأشد تطرفا.
وقد برهنت سنوات حكم نتنياهو على أن الأخير يبادر لحل الحكومة والكنيست، حينما يكون متأكدا من أن نتيجة الانتخابات ستكون لصالح بقائه على الكرسي، وهذا ما هو ليس مضمونا، حتى هذه المرحلة.
ورغم ذلك، فإن سلسلة الأزمات هذه، والصدامات الداخلية في حكومة نتنياهو، هي مؤشرات لجوانب من التناقضات في هذا الائتلاف، حتى وإن كانت لا تقود إلى حلّ الحكومة.
* صحافي وكاتب سياسي فلسطيني مقيم في الناصرة
المصدر: المدار (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية)