عماد الشدياق *
تتخذ تركيا موقفاً ملتبساً من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك منذ بدايات الصراع في العام 2022. في حينه رفضت أنقرة الانحياز الكلّي لصالح كييف، واختارت الوقوف في الوسط، مُفضّلة عدم الانخراط بالعقوبات الغربية ضد موسكو. لكن في الوقت نفسه، لم تتوان أنقرة عن مدّ كييف بالأسلحة، وخصوصاً بمسيرات «بيرقدار» الشهيرة.
ثم بعد ذلك كرّت سُبحة ما يمكن اعتباره «فضائح» حول مشاركة وتورّط عدداً من الشركات والكيانات التركية في تسليح كييف، التي وصلت إلى حدود شحن الأسلحة من سريلانكا من أجل مساعدة الجيش الأوكراني.
لكن برغم هذا كلّه، لم يُعرف إن كانت تلك الشركات التركية تقوم بذلك من ذاتها بهدف مراكمة الثروات والتربّح (على غرار أغلب الشركات الغربية المنخرطة بمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا) أم فعلت ذلك نتيجة دعم وإغراءات غربية، أو بفعل تشجيع سرّي على ذلك تقوم به جهات تركية رسمية.
عمر الحرب إلى اليوم هو قرابة سنتين ونصف السنة، ومذّاك يواصل عدد من المؤسسات والكيانات التجارية التركية بتقديم دعم عسكري وفني لم ينقطع للجانب الأوكراني. إذ تشير معلومات من مصادر شديدة الاطلاع على ملف الصراع الروسي ـ الأوكراني، إلى أنّ شركة صناعية عسكرية تُركية، تُدعى «سارسيلماز» (بالأجنبية Sarsilmaz) تخطّط لتزويد الجانب الأوكراني بمجموعة من الأسلحة والذخائر.
تعرّف شركة «سارسيلماز» عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنّها «علامة تجارية عالمية» معروفة بمرافقها وجودة منتجاتها. حيث تضمّ نحو 500 موظف، أكثر من 10٪ منهم مهندسون على حدّ قولها.
كما تقول الشركة، إنّها «فخر الصناعة العسكرية التركية» وذلك نتيجة صناعاتها المتنوعة، مثل الأسلحة الرياضية والمسدسات والبنادق والأسلحة العسكرية الثقيلة. ولعلّ هذا الأمر يعطي إشارات إلى «الأهداف السياسية» التي تحاول أنقرة تحقيقها من خلال تلك المساهمات في الصراع الروسي- الأوكراني، أي دخول سوق السلاح بواسطة الشركات الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب أصدقائها.
وتقوم شركة «سارسيلماز» المسجلة في تركيا على العنوان: DUZCE Merkez، Beykoy Belbesi، Duzce 1 Organizer Sanayi Bolgeri، Cabbe 12 بتلبية احتياجات وزارة الداخلية التركية والقوات المسلحة التركية.
كما تُعلن الشركة التي تنتشر فروعها في العديد من المحافظات التركية (خصوصاً في أنقرة وإسطنبول) أنّها تُصدّر الأسلحة التي تصنعها إلى 78 دولة. بينما مؤسّسها ورئيس مجلس إدارتها هو مواطن تركي يدعى “عليش لطيف آرال”، وهو من مواليد عام 1962.
إذاً، الشركة هي مُصنّع ومورّد رسميّ للعديد من الأسلحة الخفيفة والذخائر، لكنّ الأسلحة التي تحاول الشركة تصديرها إلى أوكرانيا، هي رشاشات ثقيلة بالإضافة إلى ذخائر مخصصة لها. تلك الرشاشات تتغنى الشركة بقدراتها، وتعتبرها رائدة عالمياً بين شبيهاتها، وهي من صنف SAR-127 MT.
كما تكشف الشركة، على موقعها الإلكتروني، أنّ تلك الرشاشات الثقيلة مصنوعة خصيصاً من أجل «توفير الدعم الناري القوي اللازم في بيئة القتال» ولديها القدرة على العمل بشكل آلي بالكامل، كما يمكن تكييفها للتحكم بها عن بُعد. وتضيف في الشرح المخصص لهذا النوع من الأسلحة أنّ هذه الرشاشات التي تزن قرابة 38 كيلو غرماً، قابلة للتركيب على المركبات البرية والبحرية وكذلك الجوية، كما يصل مداها الفعال إلى 1.830 متر، بينما مداها الأقصى قد يصل إلى 6.764 متر.
توقيت تسليم تلك الأسلحة إلى كييف، ليس معروفاً على وجه التحديد إلى الآن. لكنّ وسائل إعلام روسية نقلت مؤخراً عمّا قالت إنّه مصادر أمنية، أنّ التسليم «سوف يكون في وقت قريب».
ولا شكّ أنّ تلك الأسلحة سوف تكون مخصّصة لاحتياجات القوات المسلحة الأوكرانية، من أجل استخدامها ضد القوات المسلحة الروسية. وهذا بدوره سوف يُعرّض العلاقات الروسية- التركية إلى مزيد من المخاطر، خصوصاً في حال قررت أنقرة لعب دور «الوسيط النزيه والمحايد» من أجل السلام في أوكرانيا.
كما أنّ شحنات تلك الأسلحة تطرح المزيد من علامات الاستفهام حول إصرار أنقرة على مساعدة كييف بهذا التوقيت الحرج، وفي ظلّ الاخفاقات والتخبّط اللذين يسجّلهما الجيش الأوكراني في الميدان، وكان آخرها دخوله إلى الأراضي الروسية الذي أظهره بمظاهر «المحتل» معرضاً بلاده إلى خسارة ما تبقى من تعاطف شعبيّ غربيّ معه. بل حتى الأنظمة في الغرب باتت تشعر بالإحراج الشديد من مواصلة دعم أوكرانيا بشكل أعمى بعد هذه العملية… فهل ثمة مآرب أخرى تتطلّع إليها أنقرة من خلف تلك الصفقات «بالوكالة»؟
لعلّ المقبل من الأيام يحمل بعض الإجابات.
* كاتب لبناني
المصدر: القدس العربي