د. عبد الله تركماني
لاريب أنّ فكرة التطور والتقدم والارتقاء هي من أهم وأبرز معطيات العقل الحديث، وبالرغم من أنّ الماركسية جاءت قبل عصر التطور الكبير للعلوم الإنسانية، فإنّه من الصعب الحديث- اليوم- عن علم إنساني لم تُخصّبه ماركسية ماركس. فقد أثّرت على تفكير المؤرخين- مثلاً- من ست نواحٍ(1):
ا- قدمت توجّهاً جديداً للبحث التاريخي نأى به عن وصف الأحداث معزولة عن بعضها وعن واقعها، وانتقلت بالمنهج إلى بحث مركّب من عمليات اجتماعية واقتصادية متصلـة ومترابطة، وبذلك كانت المقدمة للمدرسة البنيوية أو المنهج القائم على اختصاصات متعددة.
ب- جعلت المؤرخين يدركون الحاجة إلى دراسة الظروف المادية لحياة الناس، وبذلك ساعدت على تطور علم اجتماع المعرفة.
ج- حفّزت البحث فيما يختص بدور الجماهير، خاصة خلال التحوّلات الاجتماعية.
هـ- أسهمت في تنمية النزوع لدى شعوب عالم الجنوب ضد التأويل الأوروبي لتاريخ بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
و- جددت الاهتمام بالمقوّمات النظرية للدراسات التاريخية، حين أكدت أنه لم يعد دور المؤرخين تسجيل الأحداث في تعاقبها الزمني، بل يتعين تفسيرها على هدى مجموعة مركبة من المفاهيم، مع التأكيد على أنّ لا شيء اسمه التاريخ في ذاته، بل الفاعلية للإنسان. وهكذا أبرزت الماركسية البعد الإنساني للتاريخ، وربطت بينه وبين الأنتربولوجيا وعلم الاجتماع.
لقد كان أهم إنجاز حققته الماركسية هو النفاذ إلى أعماق عالم النظرية السياسية والاجتماعية، استناداً إلى منهج التحليل المقارن والنقدي لمجموعة محدودة من التكوينات الاقتصادية- الاجتماعية، التي كانت تقع معظمها في أوروبا الغربية.
وهكذا، فإذا ما نظرنا إلى الماركسية باعتبارها لحظة، هامة وأساسية، في مسعى الإنسان للتقرب من الحقيقة، ورأينا فيها نتاجاً لتطور فكري أنجزه الإنسان خلال تاريخ طويل، تجاوزته في نقاط معينة وتداخلت معه في نقاط كثيرة أخرى، وأعادت إنتاجه في كل الأحوال كي يناسب حاجات الإنسانية في الطور البورجوازي من التطور الإنساني، فإننا نكون على الطريق الصحيحة. أما الماركسية الرسمية، كما تجلت في النظرية والتجربة السوفياتية، ذات البنية المغلقة فلم تكن تحتمل سوى التفكيك والانحلال.
إنّ الماركسية، قبل أي شيء آخر، منهج تحليلي ثاقب له القدرة على كشف التكيّف المتبادل بين البناءات التحتية والبناءات الفوقية. وبذلك تبدو على أنها إسهام يثري ميداناً من التجربة المتنوعة لشعوب العالم، إنها توفّر إمكانية الحركة الذاتية، المستقلة والمرنة، التي تُعَدُّ أعظم بكثير مما تستطيع أن تقدمه أية فلسفة أخرى، ولكن يتعين نقد أفكارها دائما من خلال المنهج الماركسي نفسه. ويستطيع المرء أن ينظر إلى الماركسية من زاويتين: إما على أنها عقيدة جامدة، متجانسة، مغلقة على ذاتها. أو على أنها منهج لرؤية الواقع، بكل تنوعاته ومستوياته.
وفي هذا السياق، نؤكد أنّ كارل ماركس “لم يضع نظرية لأساليب الإنتاج ولا هو قدّم صورة عالمية، ولكنه درس تكويناً اقتصادياً- اجتماعياً واحداً (الرأسمالية الأوروبية)، إلى جانب التحوّل من الإقطاعية إلى الرأسمالية بأسلوب نموذجي”. ولكنّ الماركسية سمحت للذين يعيشون مشكلات أخرى، في عالم الجنوب “أن يستمـدوا منها طريقةً ومنهجاً للعمل، أو أن يضعوها وجهاً لوجه أمام واقع آخر”(2).
ففي مسألة العلاقة بين الماركسية والديمقراطية مثلاً، ثمة عدة مؤشرات دالة على استقامة العلاقة بينهما(3):
1- موقف الكلاسيكيات الماركسية من النظام الديمقراطي، حيث يتبين أنّ كتابات كارل ماركس وفريدريك أنجلس كانت، في توجهها المركزي، ميالة إلى تثمين الديمقراطية الليبرالية، واعتبارها خطوة ثورية في مضمار السياسة والسلطة.
2- الإضافات النظرية التي قدمتها النظرية الماركسية لإثراء مفهوم الديمقراطية، والخروج به من معناه البورجوازي الضيق إلى رحاب المجال الاجتماعي الأوسع، على نحو لا يبقى فيه مجرد نظام سياسي للبورجوازية، بل نظاماً عمومياً يحمي ويكفل حقوق سائر طبقات المجتمع. إذ لم تعد الديمقراطية- في منظور الماركسية- هي كفالة الحقوق السياسية للمواطنين فحسب، بل كفالة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية أيضاً.
3- تراث الحركة الاشتراكية، في مرحلة ما بين الحربين، ضد النظم السياسية الفاشية والنازية في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، من أجل الحرية والديمقراطية. وقد تعزز هذا التراث بالتراكم النضالي للاشتراكيين ضد النظم الديكتاتورية والعسكرية في قلب أوروبا (اليونان، إسبانيا، البرتغال).
4- الرصيد الهائل من المراجعات النظرية والسياسية التي قامت بها الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وطالت الكثير من الموضوعات الماركسية التي كانت موضع بداهة وتقديس، خاصة ما يتعلق منها بالمسألة الديمقراطية. وقد أسبغت الأحزاب الشيوعية الأوروبية على مواقفها، في سبعينيات القرن الماضي، قدراً كبيراً من الفرادة والاستقلالية، عبّرت عنه تسمية “الشيوعية الأوروبية”، التي أُطلقت على خطها السياسي لتمييزه عن “الشيوعية السوفياتية”.
وهكذا، تقدم المؤشرات الأربعة شواهد قوية على علاقة التجاور والمصالحة بين الماركسية والديمقراطية، وتضع في حوزتنا مادة هامة لدحض سائر أشكال الفهم التوتاليتاري والفاشي للماركسية.
ولعلَّ أكبر خطأ ارتكبه الماركسيون، خاصة في عالم الجنوب، أنهم استهانوا بالإنجاز البورجوازي العظيم: سيادة الأمة كتعبير عملي عن القومية، ثم الديمقراطية كصيغة تتجلى/ وتفعل في إطارها هذه الإرادة القومية. فالماركسية هي الرافد الراديكالي لعصر التنوير، وهي موضع دراسة علمية ممكنة، إلا أنّ أولئك لجأوا إلى البقاء في إطار النصوص، المُنسلخة عن سياقاتها، وأحلّوها محل الواقع، وبالتالي ابتعدوا عن المنهج الماركسي نفسه.
وهكذا، أصبحت هذه الماركسية رؤية مفروضة على التاريخ، وليست رؤية مُستمدّةً من دراسة عينية للتاريخ، فتحولت النظرية الماركسية إلى نسق مغلق على مقولاتها الجامدة. فبالنسبة لعلاقة الماركسية بالديمقراطية مثلاً، ناهض الماركسيون نظام الديمقراطية النيابية الليبرالي، وتبنّوا نظام “الديمقراطية الشعبية” أو “سوفيتات العمال والفلاحين”. غير أنّ أضخم موقــــــــف سلبي من النظام الديمقراطي تجسّد في أطروحة “ديكتاتورية البروليتاريا”، أي تمكين المنتجين من “حق” حيازة السلطة بعد حيازة “الثروة”.
وفي الواقع، لقد عجزت الماركسية عن بلورة نظرية متسقة ومتكاملة في الدولة وفي السياسة بوجه عام، فقد قلل ماركس من أهمية الفعالية الخاصة للبنى السياسية، وظلت علاقته ضعيفة جداً بنظرية وممارسة الديمقراطية، ونظر إلى الجمهورية البرلمانية باعتبارها شكلاً سياسياً خاصاً للسيطرة البورجوازية، واعتبر أنّ الانفصال بين الدولة والمجتمع المدني لن ينتهي إلا بعد انتصار الثورة البروليتارية. وعلى أساس هذا التمييز بين الدولة والمجتمع المدني، أقام ماركس حدّاً يفصل السياسة عن الاقتصاد. وهكذا، تحوّل مشروع ماركس من مشروع لـ”نقد السياسة” إلى مشروع لـ”نقد الاقتصاد السياسي”، وحملت الماركسية في طياتها خطر التحوّل إلى “اقتصادوية”.
وقد تبنّى ماركس، والماركسيون من بعده عموماً، تصورين للدولة ووظيفتها: أولهما؛ يرى فيها كياناً طفيلياً يحجب المجتمع الواقعي، ووهماً وأيديولوجيا وبنية فوقية. وثانيهما؛ يرى فيها “أداة” من أدوات الصراع الطبقي. ويمكن وصف التصور اللينيني للدولة بأنه تصور أدواتي، وذلك بـ”سبب الربط الذي يقيمه بين الدولة وإرادة الطبقة المسيطرة في تحقيق الهيمنة من خلال القمع”. فالنزعة الأدواتية في تصوّر الدولة تأتي من هذا التماهي الذي يقيمه لينين “بين الطبقة وإرادتها ومصلحتها وبين الدولة”. ومكمن الخطأ في هذه الأطروحة- فضلاً عن نزوعها الإرادوي- هو في “عدم النظر إليها في سياق الحركة الاجتماعية العامة، بصفتها انعكاساً لتناقضات المجتمع، وتعبيراً عن توازنات القوى فيه”. ولم يكن خافياً أنّ التصوّر الأدواتي للدولة هو ما كان يدفع البلاشفة، ثم اشتراكيي وثوريي العالم، إلى “رفض النضال الديمقراطي بحسبانه نضالاً إصلاحياً، ولا يرقى إلى مرتبة النضال الجذري لعجزه عن طرح قضية سلطة الدولة”. إنّ مقتل هذا التصور كان “رهانه على (سلطة) الدولة لا على المجتمع”(4).
ثمة عدة محاولات لتطوير وإغناء النظرية الماركسية في الدولة (أنطونيو غرامشي، لوي ألتوسير، نيكولاس بولانتزاس) قامت(5). غرامشي لم يكتفِ بإعادة إنتاج التصنيف الماركسي التقليدي للبنية الاجتماعية إلى بنية فوقية وبنية تحتية، ولا بالنظر إلى العلاقات التي تنشأ بينهما، بل ذهب أبعد من ذلك، إلى التفكير في نظام تكوين ونظام اشتغال البنية الفوقية، موجّهاً- بذلك- ضربة للاقتصادوية، ومحدثاً منعطفاً نظرياً نوعياً في وعي مسألة الأيديولوجيا واشتغالها السياسي، ومسألة السياسي ونظام فعاليته.
لقد ميّز غرامشي بين مستويين أو صعيدين في البنية الفوقية(6): المستوى الأول؛ هو المجتمع المدني، أي مجموع المؤسسات التي نقول عنها أنها مؤسسات “داخلية وخاصة”. والمستوى الثاني؛ هو المجتمع السياسي أو الدولة. والمستويان معاً يقومان- في نظر غرامشي- بوظائف أيديولوجية وسياسية، هي من صميم اشتغال البنية الفوقية، لكنهما يختلفان على صعيد نتاج عملهما. ولا يمكن فهم ذلك إلا متى وقفنا على معنى مفهومين مركزيين في خطاب غرامشي هما: الهيمنة والسيطرة. إذ تعني السيطرة تملّك السلطة السياسية أدوات مادية، وهي وظيفة يعزوها إلى الدولة أو المجتمع السياسي. أما الهيمنة فتعني تحقيق تعميم نظام من الأفكار والقيم والتصورات في المجتمع، وهي وظيفة يقوم بها المجتمع المدني، والمثقفون بصورة خاصة. ويستفاد من ذلك أنه لا مجال لإقامة عازل بين الدولة والمجتمع المدني، أو لتصور المجتمع المدني خارج المجال نفسه الذي تشغل الدولة حيّزاً منه.
لقد طوّر ألتوسير هذه الأطروحة في دراسته الشهيرة عن “الأيديولوجيا والأجهزة الأيديولوجية للدولة” حين أقام التمييز بين مستويين: بين مستوى السيطرة السياسية الذي يقوم به الجهاز الإداري (البيروقراطية) والجهاز الأمني (الجيش والشرطة…)، أي الأجهزة السياسية، وبين مستوى الهيمنة الذي تقوم به الأجهزة الأيديولوجية، التي أدخل في عدادها المدرسة والصحافة والحزب والنقابة والكنيسة والجمعيات… الخ. بل أنّ ألتوسير ذهب أبعد من ذلك بكثير حين اعتبر عمل هذه الأجهزة الأيديولوجية هي جزء من نظام السلطة، ذلك أنّ وظيفة هذه الممارسة الأيديولوجية هي إعادة إنتاج شروط السيطرة السياسية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى النظرية النقدية لمدرسة “فرانكفورت”(7)، فقد كان أنصار هذه المدرسة الماركسية روّاد فلسفة اجتماعية أو علم اجتماع نقدي، توحّدَ فيها التأمّل الفلسفي النظري مع العلوم الاجتماعية، ونظروا إلى المجتمع بوصفه “كلاً ضدياً” حافلاً بالصراعات والتناقضات، كما درسوا حالة تشيّؤ واغتراب الإنسان في ظل الدولة الرأسمالية. إذ ذهبوا إلى أنّ الرأسمالية، بصورتها الأولى التي أخضعها ماركس للتحليل، هي رأسمالية لم تعد قائمة. وقد ذهب ماركوز إلى أنه لم تعد الطبقة العاملة قادرة على قيادة عملية التغيير، وما دام النظام قد استوعبها في إطاره، فإنّ جماعات أخرى، لم تُستوعب، يمكن أن تكون الشرارة التي توقظ الآخرين: المثقفون، والطلاب، والأقليات، وأقطار “العالم الثالث”.
وإذا كان المشروع الماركسي يفترض ضمور دور الدولة في المجتمع المدني حتى زوال معظم وظائفها، فإنّ الدولة السوفياتية تطورت باتجاه التوسع والتوطد والإمساك بكل وظائف المجتمع، وأقامت سلطة استبدادية شديدة التمركز والتركز.
وهكذا، فإنّ ثمة نزعتين ماركسيتين تركتا أثراً سلبياً عميقاً على الحركة الشيوعية في العالم، بما فيها الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي: أولاهما؛ النزعة الاقتصادوية والطبقوية التي جعلتها مغالية في إيلاء العامل الاقتصادي والطبقي المكانة المركزية في تحليل الظواهر على حساب العوامل الأخرى الثقافية والحضارية والدينية… وثانيتهما؛ نزعتها المركزية الأوروبية التي دفعتها إلى عدم إيلاء المسألة القومية في عالم الجنوب الأهمية الكافية.
وقد أدت النزعة الاقتصادوية والطبقوية إلى عدم إدراك الأحزاب الشيوعية في العالم العربي لأهمية الأيديولوجيا التحديثية في مواجهة التحديات التي تطرحها المسألة القومية لأمة مُفوّتة، تعيش في غير عصرها. كما أدت إلى عدم قدرة هذه الأحزاب على صياغة مفاهيم أساسية صالحة لتحليل واقع التأخر في العالم العربي، لأنها لم توظّف المنهجية الماركسية توظيفاً نهضوياً تنويرياً.
لقد كان من المُفترض أن تُحلّل الأحزاب الشيوعية الواقع العربي منطلقة مــن الاعتبارات التالية(8):
1- الواقع الاقتصادي- الاجتماعي، وهو متعدد الأبعاد: الانقسام إلى بدو وحضر، إلى بنيات تقليدية متجذرة وبنيات حديثة ملصقة على جسد المجتمعات العربية، من جهة. والتبعية لمراكز الهيمنة العالمية، من جهة أخرى.
2- الواقع الفكري- الأيديولوجي، وهو ليس مجرد انعكاس القاعدة المادية للمجتمع، بل هو، في بعض جوانبه على الأقل، مستقل عن هذه القاعدة وفاعل فيها.
3- الواقع القومي الذي يجعل من العالم العربي أمة واحدة، تتكامل مواردها المادية والبشرية، وتتوقف التنمية الحقيقية فيها على بلورة هذا التكامل على صعيد الواقع. والعالم العربي تسكنه شعوب تشكل أمة واحدة جوهرها التنوع والتعدد داخل الوحدة.
4- الواقع الدولي الذي جعل من العالم العربي أحد عوالم الجنوب.
فضلا عن أنّ الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي: “اكتفت بالماركسية كما وصلت إليها، ولم تبذل الجهد الكافي للأخذ من كل النظريات ومن كل التجارب ما يمكن أن يسهم في إثراء فكرها وإنارة الطريق أمامها”(9).
كما كان من المُفترض أن لا تغفل عن العلاقة بين البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، إذ إنّ استخدام مقولة البنية في الفهم والتحليل كان يمكن أن يساعدها على تفهّم ضرورة تحديث العالم العربي من جهة، والتقليل من تأثير الرؤية الميكانيكية للعلاقة بين البنى التحتية والفوقية من جهة ثانية.
وقد تجلت النزعة الاقتصادوية والطبقوية، بشكل واضح، في نظرية “العلماء” والساسة السوفييت حول “التطور اللارأسمالي”، التي انطوت على مضمون محدد هو: أنّ بلدان عالم الجنوب، ومن ضمنها البلدان العربية، لا يمكن أن تتطور تطوراً مستقلاً. إذ من المفترض، حسب مضمون النظرية، أن تتحرر دول الجنوب من التبعية للإمبريالية العالمية، وتنضوي تحت لواء المنظومة السوفياتية. ومن أجل “إقناع” دول الجنوب بذلك، فقد راحت أجهزة الإعلام السوفياتية تطرح نموذج “منغوليا الشعبية”(10)، كقدوة لجميع بلدان القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية).
إنّ مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة، وكذلك استيعاب التحولات والتغيّرات التي تطرأ على الساحتين العربية والدولية. مما يستوجب الاعتراف بالخصوصيات القطرية، في إطار التنوع ضمن أمة عربية واحدة، مع إمكانية تحويل التنوع القطري إلى عنصر غنى للثوابت القومية الضرورية لتطور كل حركة قومية. إنّ افتقار الحياة العربية الراهنة إلى مقوّمات حضارية، ليست العقلانية والديمقراطية سوى أبرزها، قد جعل العالم العربي صغيراً في حضوره، ضئيلاً في تأثيره، مطعوناً في كرامته في عصر لا يرحم، وفي عالم يتميز بالتغيير والحيوية.
ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي، فالقضية تستدعي مقولات جديدة، مثل: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة.
هوامش:
1- جلال، شوقي: نهاية الماركسية؟!، الطبعة الأولى- القاهرة، دار سينا للنشر-1994، ص 43-44.
2- د. عبد الملك، أنور: القومية والاشتراكية، ترجمة: سامية الجندي، الطبعة الأولى – القاهرة، دار المستقبل العربي -1991، ص 108.
3- د. بلقزيز، عبد الإله: (الماركسية والديمقراطية) – عن: مجلة “النهج” – دمشق، العدد (52) – خريف عام 1998، ص 121-123.
4- د. بلقزيز، عبد الإله: (الدولة والسلطة والأيديولوجيا/ نحو إعادة نظر مفهومية وسياسية) – عن: مجلة “المستقبل العربي” – بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد (167) – يناير/ كانون الثاني1993، ص ص62-64.
5- د. الشريف، ماهر: (أفكار عن الماركسية وبعض مظاهر أزمتها) – عن: مجلة “الطريق” – بيروت، العدد (1) – مايو/ أيار 1993، ص34-35.
6- د. بلقزيز، عبد الإله: (في الدولة والمجتمع المدني) – عن صحيفة “الحياة”، لندن – 13 مارس/ آذار 1997.
7- تشكلت في إطار “معهد فرانكفورت للأبحاث الاجتماعية” بصفته مركزاً للبحث الاشتراكي، والذي أُنشئ في سنة 1923، وهي السنة التي نُشر فيها كتاب جورج لوكاش “التاريخ والوعي الطبقي”. وقد أدى ظهور هتلر بعد عشر سنوات إلى مزيد من الإرهاب، مما أجبر أعضاء المدرسة إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد ارتبطت بتلك المدرسة مجموعة من ألمع المفكرين: تيودور أدرنو (Theodor Adorno)، وماكس هور كهاير ( Max Horkheimer)، وهربرت ماركوز (Herbert Marcuse).
8- د. الجابري، محمد عابد: وجهة نظر/ نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، ط1 المركز الثقافي العربي – بيروت 1992، ص 176.
9 – مروّة، كريم: (أزمة الفكر السياسي العربي/ أفكار وملاحظات) – عن: مجلة “المستقبل العربي” – بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد (159) – مايو/أيار1992، ص 137.
10 – قدّم الإعلام السوفياتي هذا النموذج بالصورة الكاريكاتورية التالية: إنّ جمهورية منغوليا الشعبية قد حققت الانتقال من المجتمع الرعوي إلى الاشتراكية من دون طبقة عاملة، من خلال الدعم السوفياتي.