الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا ننتظر من كامالا هاريس؟!

عبد الله السناوي *

السؤال يطرح نفسه صريحًا ومضمرًا على خلفية المخاوف الواسعة من حرب إقليمية مدمّرة والأدوار التي تلعبها الإدارة الأمريكية في توفير غطاء استراتيجي وعسكري واستخباراتي كامل لآلة الحرب الإسرائيلية دون حد أو قيد.

في مؤتمر الحزب الديمقراطي، الذي احتضنته شيكاغو، وجرى فيه اعتماد ترشيح “كامالا هاريس” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، طرح سؤال غزّة نفسه على أجوائه وتفاعلاته.

تبدت مفارقات وحسابات انتخابية حساسة ومعقدة قد تحسم السباق الرئاسي في مواجهة المرشح الجمهوري “دونالد ترامب”.

كان اختيار نائبة الرئيس “هاريس” إجباريًا بعد الانسحاب الاضطراري للرئيس “جو بايدن” بدواعي تدهور لياقته الجسدية والذهنية بصورة فادحة.

أمام التحدي الصعب أعادت اكتشاف نفسها، بدت حاضرة ومتأهبة لمقارعة “ترامب”، ضُخت أموال بأكثر من أي توقع في الماكينة الانتخابية وعلت باستطلاعات الرأي العام فرصها في حصد المنصب الرئاسي.

ما حدود التغيير الممكن في السياسات والخيارات الأمريكية؟

هناك تغيير ما، باليقين أخف وطأة في مستوى خطورته من السياسات التي يتبناها “بايدن” بنزعته العسكرية المُفرطة في أوكرانيا وغزّة، و”ترامب” بدعواته لتوسيع إسرائيل على حساب أراضٍ عربية جديدة والتطبيع المجاني فيما يُعرف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية” وبناء تحالفات أمنية وعسكرية بذريعة مواجهة إيران.

خيار “ترامب” كارثي، غير أنّ “هاريس” لا تمثّل بديلًا يُطمئن إليه.

ورثتْ سياسات “بايدن” بلا قدرة على تحديها، أو الفكاك منها في أي مدى منظور.

بدا لافتًا في الخطاب، الذي أعلنت فيه أمام مؤتمر الحزب قبول ترشحها، مدى حرصها على تكرار عبارة “الرئيس وأنا” مدركةً أنها مرشح اضطراري لا اختيار أصيل وحيثيات اختيارها ملء فراغ “بايدن” حتى لا تكون الهزيمة أمام “ترامب” محتمة.

حاولتْ بحذر بالغ أن توازن بين اعتبارات وحسابات متناقضة، أو ألا تصطدم مع اللوبيات اليهودية المتمركزة تقليديًا في بنية الحزب وموجات الغضب التي تعم شبابه واليسار فيه.

تعهدتْ بـ”ضمان أمن إسرائيل”.. قائلةً بالحرف: “حتى أكون واضحة فسوف أقف مع إسرائيل في حقها بالدفاع عن نفسها وأن تكون آمنة”، دون أن تشير، ولا كان ذلك متصورًا وممكنًا، إلى الجرائم المروّعة التي ترتكبها أمام أنظار العالم من حرب إبادة وتجويع منهجي بدعم أمريكي غير مسبوق من الإدارة التي تنتسب إليها.

كان التشديد في الصياغة مقصودًا حتى لا يستخدمها “ترامب” لاتهامها بـ”العداء للسامية”، رغم أنها متزوجة من يساري يهودي.

عندما لم تختر “جوش شابيرو” حاكم ولاية “بنسلفانيا” الديمقراطي اليهودي، الذي خدم في جيش الاحتلال، نائبًا للرئيس نعتها “ترامب” بهذه التهمة المعلّبة.

حاولت بالوقت نفسه أن ترضي أنصار القضية الفلسطينية. بمعنى أوضح؛ ألا تخسر دعمهم الانتخابي والسياسي بصياغات عامة مثل: “حان وقت الوصول إلى اتفاق إطلاق نار”.. وأنّ “ما حدث بغزّة في الأشهر العشرة الماضية مروّع”.

بعبارة على شيء من البلاغة، لكنها غير محددة أكدت: “حق الفلسطينيين في الكرامة والأمن والحرية وحق تقرير المصير”.

تجنبت أية إشارة إلى الطرف المسؤول عن تعطيل اتفاق تبادل الأسرى والرهائن وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.

اكتفت بما هو عام دون أي تفاصيل تعطي فكرة عما سوف تنتهجه من سياسات في الشرق الأوسط إذا ما جرى انتخابها.

بدا خطابها أقل حدة مما أعربت عنه لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في اجتماعهما بالبيت الأبيض بشأن ما يحدث في غزّة من انتهاكات ومآس، التي استدعت تعليقًا من “ترامب” وصفها بـ”قلة الاحترام”!

لم تُشر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، لا أدانت سياسة التوسع الاستيطاني، ولا اقتربت من الملف الإيراني، أو ما قد يحدث في اليوم التالي بغزّة.

رغم عمومية الإشارة إلى المعاناة الفلسطينية كان تصفيق أعضاء المؤتمر أكثر حرارة نسبيًا مما كان عليه عند الإشارة إلى الأمن الإسرائيلي. كان ذلك تعبيرًا عن حقائق جديدة تتفاعل في المجتمع الأمريكي لها ما بعدها.

أثناء المؤتمر جرت محاولات لإعادة دمج ما يطلق عليهم “غير الملتزمين” بالتصويت لـ”بايدن”، احتجاجًا على مواقفه وسياساته في الحرب على غزّة بحملة “هاريس”. لم تفلح خطة الدمج، ولا كان خطابها بتوازناته الاضطرارية مُرضيًا. لم يُسمح لممثل عنهم بالحديث أمام المؤتمر بعد تشاور منظميه مع حملة “هاريس”.

ربما رؤي أنه أقل ضررًا من السماح بخطاب مؤيد تمامًا للفلسطينيين من على منصة ينقل عنها كل حرف يقال فوقها.

بالوقت ذاته جرت تظاهرات واحتجاجات واسعة في محيط المؤتمر تحتج على “هاريس” بحسبانها فشلت في إظهار أي انفصال عن سياسات “بايدن”. قيل إنها “نسخة محسّنة” منه.

رغم حماس الديمقراطيين وأملهم المتزايد في كسب “ترامب” بصناديق الاقتراع، إلا أنها قد تخسرها إذا ما قاطع أنصار القضية الفلسطينية صناديق الاقتراع، خاصة في الولايات المتأرجحة كـ”ميتشجان”، ذات التمركزات العربية والإسلامية الكبيرة، التي سبق لها حسم انتخابات (2020) لصالح “بايدن”.

لكل صوت أهميته والسيولة الانتخابية قد تؤكد صعودها، أو تدفعها للخسارة. تقليديًا تحسم الملفات الداخلية كالاقتصاد والتضخم والإجهاض والهجرة غير المشروعة الانتخابات.

هذه المرة الأولى التي تتداخل قضية دولية في مسار الانتخابات منذ حرب “فيتنام”.

لا يصح في أي حساب الرهان على “ترامب”، الذي طلب من حليفه “بنيامين نتنياهو” عدم الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار حتى لا تكون هدية سياسية لـ”هاريس”، أو تعليق الأماني عليها، فلا أحد يحارب معارك الآخرين بالنيابة، أو بالأمنيات المعلّقة على عجز.

* كاتب صحفي مصري

المصدر: موقع “عروبة 22

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.