واقع الحال يشير إلى أن سورية قد وصلت على يد نظام بشار أسد إلى حالة (الدولة الفاشلة) بامتياز، فكل مقاييس ومواصفات وسمات (الدولة الفاشلة) أضحت تنطبق على سورية ودولتها المفترضة، ولقد عرّف المختصون الدولة الفاشلة على أنها “دولة معترف بها كوحدة على المستوى الدولي، لكنها تعاني ضعفاً وعجزاً في الوفاء بواجباتها تجاه مواطنيها، والتزاماتها على المستوى الخارجي تجاه المجتمع الدولي، وهذا العجز يتمثل داخلياً في فقدان احتكارها للحق المشروع في استخدام القوة على كامل أراضيها، إضافة إلى عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، ودولياً يتمثل في عدم القدرة على التعامل مع الدول الأخرى كعضو كامل في المجتمع الدولي، فضلاً عن كونها مصدر تهديد خطير للنظامين الإقليمي والدولي“؛ هذا التعريف العلمي ينطبق واقعًا عيانيًا على كافة أنساق الدولة السورية حاليًا، التي يحكمها بشار أسد وزمرته، إضافة إلى جملة مواصفات أخرى أكثر عمقًا وأوضح تمظهرًا.
لقد حدد (روبرت روتبرغ)، خصائص وسمات الدولة الفاشلة بنحو عدة خصائص وسمات أساسية، منها: “استدامة العنف، كما هو حال بعض الدول التي تشهد عدم استقرار سياسي لنظام الحكم، حيث لا توجد دولة فاشلة دون تباينات واختلافات إثنية واجتماعية داخلها؛ كما تعجز الدولة الفاشلة عن تحقيق أمنها ومراقبة حدودها، وفرض سلطتها على أجزاء محدودة، وكذلك تقوم الدولة الفاشلة باضطهاد مواطنيها، ما يدفع أبناءها إلى العداء مع النظام”.
ولعل التعريف الذي أوردناه، وأيضًا خصائص وسمات الدولة الفاشلة باتت تنطبق موضوعيًا وواقعيًا عن كل ما آلت إليه أحوال الوطن السوري والدولة السورية، التي وصلت على أيدي آل الأسد وخاصة في حقبة وسلطة بشار الأسد إلى ملامح الدولة الفاشلة وكنه هذه الدولة.
والحقيقة فإن الاشتغال والممارسة المنفلتة من كل عقال التي عمل عليها نظام بشار أسد عبر سنواته الـ ١٣ الأخيرة تشير وبوضوح إلى غلبة التوصيف الفاشل والدولة الفاشلة، على معظم حيثيات ومرتكزات بناء الدولة، وجل معطيات الواقع السوري الذي أضحى بلا سيادة، وبلا اقتصاد، ثم غياب القوانين، وتفشي ظاهرة مغادرة الوطن تهجيرًا قسريًا، نحو جهات الدنيا الأربع دون قدرة لدى السوريين على البقاء، ضمن أسوار دولة العصابة الأمنية، التي تعطي مؤشرات فاقعة إلى أن ملاذات ومستقبلات السوريين ضمن مناطق سيطرة النظام السوري، أو حتى خارجها، لا وضوح فيها، ولا آمال ترجى في المنظور القريب، نحو أية بناءات جدية لإعادة تشييد الدولة، تحت مبدأ سيادة القانون أو الدستور.
إذا ما أردنا التفصيل في محددات الدولة وخطوطها، ومنها بالضرورة منعطفات وخطوط انحدار الدولة، وانهيار مداميكها وبنيانها فإنه يمكن القول:
1). على المستوى القانوني نجد أن هناك قوانين بالية عفا عليها الزمن، ولا تصلح اليوم لاستمرار بقائها، عندما نريد بناء الدولة الحديثة في سورية المستقبل؛ وفي اللحظة التي يحاول فيها النظام الحاكم تغيير القوانين أو تعديلها فإنه يذهب باتجاه انتاج قوانين وضعية تخدم سيطرته على الناس وتبرر له ما يفعله بالوطن السوري، والدولة السورية، تساعده على خطف الوطن وقوننة الفساد والإفساد، بالإضافة إلى أن تصبح سورية على يديه تعج بالقوانين، وزحمة هذه القوانين تجعل ممن يتعاطى الخطوط التطبيقية للقوانين حائرًا وملتبسة عليه آليات التطبيق، ناهيك عن كثرة وجود قوانين غير منشورة بالجريدة الرسمية، أو ما يسميها النظام بالقوانين والمراسيم ذات الطابع السري.
2). في الحال الاقتصادي؛ فقد وصل خط الفقر في سورية إلى حالة لم يصل إليها قط منذ نشوء الدولة السورية، متجاوزًا بذلك عتبة الـ٩٠%، وخط الفقر المدقع وصل إلى ما هو أكثر من 80%.. وبات المواطن السوري غير قادر البتة على تأمين قوت يومه، حتى لو اشتغل عملين أو ثلاثة كما يحصل في سورية، كما باتت الليرة السورية في مهب الريح، وهي تهوي بشكل سريع وغير مسبوق، وأصبحت لا تساوي شيئًا، ولا تشتري أي شيء، ناهيك عن ارتفاع مؤشر التضخم الملفت، ومؤشر الفساد والنهب المنظم، بشكل غير معقول وغير مسبوق.
3). في منحى الحريات، حدث ولا حرج؛ فمؤشر الحريات العالمي يضع حرية الصحافة وحرية الكلمة والفكر والمعتقد في سورية آخر ذيل القائمة، والاعتقال السياسي مستمر اضطرادًا بغير توقف، حيث يُزج بكل سوري معارض أو غير مؤيد في معتقلات النظام، ويُغيب في سجون القهر، حتى فاق عديد من دخلوا السجون تحت ذريعة معارضة النظام منذ ١٥ آذار/ مارس ٢٠١١ وحتى الآن ما يفوق المليون شخص، حسب تقديرات أممية، وأصبحت كل انتخابات يجريها النظام من نموذج ما يسمى (مجلس الشعب) إلى (الإدارة المحلية) إلى الرئاسيات، هي ألعوبة ومجال رحب للسُخرية، حيث لم يُسمح لمعارض واحد- من أصل ٢٥٠ هم عدد أعضاء (مجلس الشعب) الأخير- بأن يكون متربعًا في مقاعد البرلمان او المجلس المشار إليه.
4). على مستوى المواطنة و(دولة المواطنة)؛ فهي مغيبة منذ خمسين عامًا أو يزيد، ولا يوجد في ظل دولة الاستبداد الأسدي ما يسمى بدولة المواطنة، وقد باتت (دولة المواطنة) غاية وهدفًا طالما رفعه المعارض السوري في الداخل والخارج، وهذا يدلل على أن محددات الدولة لم تعد موجودة أو متوفرة والفراغ الموجود كبير جدًا، واحتمال غير ذلك أضحى من الأحلام في ظل دولة ينتهكها بشار أسد وأدواته.
5). أما التغول الأمني للأجهزة المخابراتية في سورية؛ فما يزال يكبر ويتسع ويشمل الجميع، وتنضم إليه شموليات جديدة ومستحدثة، للقبض على كلمة الناس، وكم أفواههم ولجم رؤيتهم المخالفة لرؤية النظام الحاكم، وليس هناك في سورية حكومة مدنية مستقلة، عن سلطة الأمن وهيمنتهم، بل لعل كل وزير في حكومات الأسد يتبع إلى جهة أمنية، ويأخذ تعليماته منها، ولا قرار له ولا قول.
6). أما عن استقدام الدول من قبل النظام، وهو الذي شرعن احتلالها لسورية؛ فقد بات موضوع عادي لدى النظام الأسدي وأصبحت السيادة مُباعة في سوق النخاسة للإيرانيين تارة وللروس تارة أخرى، ولسواهما تارات وتارات، وليس هناك أي قرار سيادي في سورية، بل إن القرار السياسي يُدرس وينبع من طهران أو من موسكو.
7). كما أصبحت ميلشيا الشبيحة والكبتاغون تتحكم في كل مسارات وطرق الجغرافيا السورية، حتى بات النظام عاجزًا عن القيام أو تنفيذ أي اتفاق مع أي دولة مجاورة، من أجل تشغيل خطوط الترانزيت التجارية العابرة للأراضي السورية والمتوقفة منذ أكثر من عشر سنوات خلت، لعدم قدرة النظام على الإمساك بها أو إعطاء الأمان لتجارة الترانزيت، عبر اشتباك مصلحي نفعي بين أدوات النظام ومليشيا الشبيحة، ومن ثم تنافسها على المكاسب وخاصة مع الميليشيا الخارجية المستقدمة من لبنان أو العراق، أو أفغانستان، أو إيران/ الملالي.
كل هذه المواصفات للدولة الفاشلة أصبحت تُلازم بشكل يومي دولة أنهكها الاستبداد والفساد، ويضاف إليها بنود أخرى عديدة أصبحت هي الأخرى قاب قوسين أو أدنى من التحقق، عاجلًا أم آجلًا، بمعنى أن بشار أسد وصحبه أوصل الوطن السوري والدولة إلى حالة (الدولة الفاشلة)، ولم يعد بالإمكان إعادة التوازن والرصانة لهذه الدولة، بدون كنس النظام الأسدي وأدواته، ولعل هناك مسافة زمنية كبرى ستكون أمام أي حكومة جديدة قادمة، من أجل إعادة لملمة ما يمكن، نحو بناء الدولة الصحيحة والسليمة والمُعافاة، بدون قمع وبدون تغول للأمن، وبدون فساد ولا إفساد، وهذا يؤشر إلى مستوى الخراب البنيوي الدولتي والمجتمعي، الذي آلت إليه أوضاع سورية على أيدي نظام المقتلة والعصابة الأسدية، رغم كل تضحيات شعبنا السوري المكلوم والمقهور والمهدور.