الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كأنه فيلم رعب!

بكر صدقي *

قام شاب، يوم الثلاثاء (13/8/2024)، بهجوم عشوائي على المارة في حديقة مجاورة لأحد الجوامع في مدينة أسكيشهر غربي تركيا، فطعن بسكين يحمله خمسة أشخاص قبل أن يلقى عليه القبض من قبل شرطي وعدد من المدنيين.

عرّف الشاب في وسائل الإعلام التركية باسم “آردا ك”. يبلغ الثامنة عشرة من العمر، وكان يرتدي أثناء ارتكاب جريمته سترة واقية، وخوذة نازية، وقفازات، ورموز الصليب المعقوف والكوكلوس كلان، والشمس السوداء، وكان يصور عمليته ويبثها مباشرة عبر تليفونه.

على رغم تلك الرموز الصريحة، حرص آردا على التأكيد على أنه «ذئب متوحد» لا ينتمي إلى أي شبكة منظمة. ولكن اتضح لاحقاً أنه كان يراسل شخصاً من أوروبا الشرقية، كان قد نسق معه عمليته، بما في ذلك إرسال كروكي للمكان الذي اختاره في مدينته للقيام بعمليته. وكشفت المحادثات التي دارت بينهما في الأيام التي سبقت التنفيذ أنهما خططا لها معاً. كما نشر آردا على بلوغ يستخدمه «مانيفستو» حدد فيه «رؤيته» القائمة على كراهية البشر، وعرف «عقيدته السياسية» بالاشتراكية القومية (النازية) وذكر بعض الشخصيات التي شكلت مصدر إلهام له ووصفهم بـ«قديسي عصرنا» وهم:

  • النرويجي “أندريس بهرنغ بريفيك” الذي قتل 77 شخصاً في عمليتين منفصلتين في العام 2011.
  • والنيوزيلندي “برنتون يرانت” الذي قام في العام 2019 بالهجوم على جامعين على التوالي في مدينة كرايست تشرتش فقتل 51 شخصاً وجرح المئات؛ ونشر مانيفستو ضخماً تم تداوله على نطاق واسع وترجم إلى عدد كبير من اللغات الحية وطبع في كتاب في أوكرانيا.
  • والأمريكي “تيموثي ماك فيغ” الذي فجر شاحنة مملوءة بالمتفجرات، في العام 1995، في مبنى فيدرالي في مدينة أوكلاهوما ذهب ضحيتها 168 شخصاً بينهم 19 طفلاً.
  • والأمريكي “ستيفن بادوك” الذي أطلق النار عشوائياً على حشد من الناس من شرفته في أحد فنادق مدينة لاس فيغاس، فقتل 59 شخصاً، وجرح أكثر من خمسمائة.

وجاء في المانيفستو أن دافعه: «هو كراهية البشر. أتمنى أن يساعدني على قتل أكبر كمية من الحشرات»… «ضع قنبلة في مركز هجرة وقم بتفجيرها»… «استهدف بيوت المهاجرين واقتلهم جميعاً»… «يجب تصفية جميع الأكراد أطفالاً وبالغين»… كما حدد المانيفستو أهدافاً أخرى هي: الشيوعيون، واليهود، والمثليون. وذكر آردا أنه أراد أولاً أن يستهدف إحدى الكنائس، ثم فكر في استهداف مبنى للحزب الشيوعي التركي، وأخيراً قر قراره على حديقة قرب أحد الجوامع. كما أراد الحصول على سلاح ناري لكنه فشل في تأمينه، فعلّمه مراسله الأوروبي الشرقي كيف يصنع قنبلة، لكنه فشل أيضاً في تأمين المواد اللازمة، فقر قراره على سكين وبلطة حملهما معه واستخدم الأول.

ومن منشوراته في المدونة ذكر كرهه لوالديه. فهما يريدان إرغامه على دخول الجامعة، لكنه يعتبر ذلك تعذيباً دائماً إذا تحقق. بخلاف هذه العلاقة السيئة بأبويه، يحب آردا جده وجدته اللذين اعتنيا به منذ الصغر، بسبب انشغال أبويه بعمليهما.

واضح أن الفتى يعاني من مشكلات نفسية كبيرة، لعلها شكلت دافعه في اعتناق الأفكار النازية الجديدة واستلهام أشهر قتلة هذا التيار الغربي. ولكن هل هذا تفسير كاف لهذه الجريمة التي دمرت حياته؟

لا يمكن إهمال صعود معاداة اللاجئين والمهاجرين في المجتمع التركي في السنوات القليلة الماضية، بموازاة صعودها في العديد من المجتمعات الغربية. فقد أشار أحدث استطلاعات الرأي بهذا الخصوص إلى أرقام مخيفة: يقول 78,9 ٪ ممن استطلعت آراؤهم في شهر تموز/ يوليو 2024 إنهم لا يستطيعون التعايش مع المهاجرين؛ ويعتقد 79,9 ٪ منهم أن اللاجئين السوريين يشكلون خطراً على الأمن في تركيا؛ و70,2 ٪ منهم مقتنعون بأن المهاجرين لا يساهمون إيجاباً في الاقتصاد الوطني؛ ويطالب 70,3 ٪ منهم بوجوب ترحيل السوريين، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 47٪ قبل ثلاث سنوات. وبلغت نسبة من أيدوا التنكيل بالسوريين في قيصري، أوائل تموز/ يوليو الماضي، أكثر من خمسين في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع!

في ظل مناخ كهذا، وتحريض يومي ضد الأجانب بصفة مهاجرين أو نازحين… إلخ، من قبل زعماء سياسيين وقادة رأي عام، وممارسة العنف ضدهم في أحداث متواترة، من السهل على فتى منعزل كآردا يعاني من مشكلات تكيف مع أهله وتكاد علاقاته تقتصر على العالم الافتراضي، أن ينبهر بأشد الأفكار تطرفاً تجاه المختلفين، فيجد فيها معنى لحياته الخالية من المعنى. هو ليس حتى قومياً تركياً أو إسلامياً متشدداً، وهي الأفكار الرائجة في المجتمع التركي أكثر من غيرها. سنّه الصغير يدفعه إلى التأثر بأفكار من خارج بيئته تماماً، تلقى رواجاً في بعض المجتمعات الغربية. وهذا ما يشير إلى مخاطر تحيق بالجيل الأصغر (مواليد القرن الحالي) الذي تفتحت مداركه على ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي، فازداد غرقاً في العزلة باطراد، ولم يعد أهلهم أو معلمو مدارسهم يعرفون ما الذي يدور في رؤوسهم.

 

* كاتب سوري

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.