ياسمين عبداللطيف زرد *
تعمل المنافسة الاقتصادية، والمخاوف الجيوسياسية، وانعدام الثقة العميق، بين الولايات المتحدة والصين على زيادة احتمالات الصراع. ومع ذلك، فالقرارات التي يتخذها قادة الجانبين يمكن أن تمنع الحرب وتدير بشكل أفضل التوترات التي تنشأ دائماً من منافسة القوى العظمى. فالحكم السليم والكفاءة يمكنهما في النهاية أن يمنعا أسوأ السيناريوهات، جاء ذلك في مقال الكاتب (أود أرن ويستاد) أستاذ التاريخ والشؤون العالمية في جامعة ييل، والمؤلف المشارك مع (تشن جيان) للكتاب الذي سيصدر قريباً بعنوان “التحول العظيم: طريق الصين من الثورة إلى الإصلاح” وذلك في مجلة فورين أفيرز الأمريكية.. نقدم منه ما يلي:
- • •
عندما تسلم الرئاسة دونالد ترامب في عام 2016، الذي نال إعجاب الناخبين والناخبات من خلال استحضار الصين باعتبارها قوة خبيثة على المسرح الدولي، بدأ ترامب تعزيزاً عسكرياً موجهاً ضد الصين وأطلق حرباً تجارية لتعزيز التفوق التجاري للولايات المتحدة، مما مثل انفصالاً واضحاً عن السياسات الأقل عدائية التي انتهجها سلفه باراك أوباما. وعندما حل جو بايدن محل ترامب في عام 2021، حافظ على العديد من سياسات ترامب التي استهدفت الصين- مدعومًا بإجماع الحزبين الذي يرى أن الصين تمثل تهديدًا كبيرًا لمصالح الولايات المتحدة- ومنذ ذلك الحين فرض المزيد من القيود التجارية التي تهدف إلى جعل الأمر أكثر صعوبة على الشركات الصينية في اكتساب تكنولوجيا متطورة. استجابت بكين لهذا التحول المتشدد في واشنطن من خلال إظهار قدر كبير من الطموح وعدم الأمان في تعاملاتها. اتهمت بكين واشنطن بمحاولة الحفاظ على نظام عالمي غير عادل بطبيعته. وأعلنت وزارة الخارجية الصينية عن كتاب أبيض نشرته في حزيران/ يونيو 2022 جاء فيه أن «ما تعهدت الولايات المتحدة باستمرار بالحفاظ عليه هو ما يسمى بالنظام الدولي المصمم لخدمة مصالح الولايات المتحدة الخاصة وإدامة هيمنتها».
في المقابل، تحاول الولايات المتحدة تطوير سياسة تجاه الصين تجمع بين الردع والتعاون المحدود. إذ وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي التي أقرتها إدارة بايدن في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فإن «جمهورية الصين الشعبية لديها النية، والقدرة على نحو متزايد، على إعادة تشكيل النظام الدولي لصالح نظام يجعل الملعب العالمي يميل لصالحها». وعلى الرغم من معارضتها لإعادة التشكيل هذه، فقد شددت الإدارة على أنها «ستكون دائماً على استعداد للعمل مع جمهورية الصين الشعبية حيثما تتوافق مصالحنا».
ولتعزيز هذه النقطة، أعلنت الإدارة: «لا يمكننا أن نسمح للخلافات التي تفرقنا أن تمنعنا من المضي قدماً في الأولويات التي تتطلب منا العمل معاً». لكن المشكلة الآن هي أن أي فرصة للتعاون، حتى في القضايا الرئيسية، تضيع وسط الاتهامات المتبادلة، والمضايقات التافهة، وتعميق عدم الثقة. وهناك عوامل متوافرة يمكن أن تحول العداء المتزايد إلى الحرب. بعبارة أوضح، الرئيس الصيني شي جين بينج وقيادة الحزب الشيوعي الصيني مقتنعون بأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو منع صعود الصين مهما كانت الظروف. ومن ناحية أخرى، أصبحت الولايات المتحدة منقسمة سياسياً إلى الحد الذي يجعل الحكم الفعّال على المدى الطويل يكاد يكون مستحيلاً. سوء التواصل الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة أدى إلى التفاعل المحدود بين الجانبين، وتشير جميع الأدلة الحالية إلى أن الصين تضع خططاً عسكرية لغزو تايوان يوماً ما، مما يؤدي إلى حرب بين الصين والولايات المتحدة.
- • •
لكن يمكن تجنب الصراع، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد ذلك، فيتعين عليها أن تقنع القادة الصينيين بأنها ليست عازمة على منع التنمية الاقتصادية في الصين في المستقبل. فالصين بلد هائل، لديه صناعات على قدم المساواة مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة، لكن لديها أيضًا مناطق فقيرة ومتخلفة. لذا لا تستطيع واشنطن، من خلال كلماتها أو أفعالها، أن تقول للشعب الصيني: إذا توقفتم عن النمو فلن تنشأ مشكلة! ومن ناحية أخرى، لا يجوز للصناعات الصينية أن تستمر في النمو دون قيود.
وأذكى خطوة يمكن أن تتخذها الصين بشأن التجارة هي الموافقة على تنظيم صادراتها بطريقة لا تجعل من المستحيل على الصناعات المحلية في البلدان الأخرى التنافس في مجالات مهمة مثل السيارات الكهربائية أو الألواح الشمسية وغيرها من المعدات اللازمة لإزالة الكربون.
أما إذا استمرت الصين في إغراق الأسواق الأخرى بنسخها الرخيصة من هذه المنتجات، فإن العديد من البلدان، بما في ذلك بعض البلدان التي لم تشعر بقلق مفرط إزاء نمو الصين، سوف تبدأ من جانب واحد في تقييد وصول السلع الصينية إلى أسواقها. الحروب التجارية غير المقيدة ليست في مصلحة أحد.
وفي حين تفرض الدول تعريفات أعلى على الواردات لحماية أسواقها المحلية، فإن تحول هذا الاتجاه إلى طوفان من التعريفات الجمركية، سيُعرض العالم لمشكلة، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. ومن عجيب المفارقات أن الصين والولايات المتحدة ربما تكونان من الخاسرين الأكبر إذا فرضت سياسات الحماية سيطرتها في كل مكان.
- • •
إذا كان احتواء الحروب التجارية هو البداية، لكن يجب على بكين وواشنطن أيضًا العمل على إنهاء أو على الأقل احتواء التوترات الساخنة التي يمكن أن تؤدي إلى حريق أوسع. بكلمات أخرى، رغم أن الحرب في أوكرانيا تُسبب الآن القدر الأعظم من التوتر العالمي، فإن تايوان هي التي قد تصبح بلقان القرن الحالي.
ويبدو أن كلاً من الصين والولايات المتحدة تسيران نائمتين نحو المواجهة عبر المضيق في مرحلة ما خلال العقد المقبل. إذ يعتقد عدد متزايد من خبراء السياسة الخارجية في الصين الآن أن الحرب بشأن تايوان أصبحت أكثر احتمالاً، كما ينشغل صناع السياسات في الولايات المتحدة بمسألة دعم الجزيرة بأفضل السبل.
والأمر اللافت للنظر في الوضع بتايوان هو أنه من الواضح لجميع الأطراف المعنية- ربما باستثناء تايوان الأكثر إصراراً على تحقيق الاستقلال الرسمي- أن أي تسوية من شأنها أن تساعد في تجنب الكارثة. بوسع واشنطن أن تقول إنها لن تدعم استقلال تايوان تحت أي ظرف من الظروف، وبوسع بكين أن تعلن أنها لن تستخدم القوة طالما لم تتخذ تايوان رسمياً خطوات نحو الاستقلال. مثل هذه التسوية لن تؤدي إلى حل كافة المشاكل المرتبطة بتايوان، لكن من شأنها أن تجعل نشوب حرب بين القوتين العُظميين بشأن تايوان أقل احتمالاً بكثير.
- • •
إذن، كبح جماح المواجهة الاقتصادية وتخفيف نقاط التوتر الإقليمية المحتملة يشكل ضرورة أساسية لتجنب التصادم، ولكن تصاعد العداء بين الصين والولايات المتحدة جعل أيضاً العديد من القضايا الأخرى مُلحة. فهناك حاجة ماسة لمبادرات الحد من الأسلحة والتعامل مع الصراعات الأخرى، مثل الصراع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. هناك حاجة ماسة أيضاً إلى إظهار علامات الاحترام المتبادل. فعندما اتفق زعماء الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة في عام 1972 على مجموعة من «المبادئ الأساسية للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية»، لم يحقق الإعلان المشترك أي شيء ملموس تقريباً، لكنه نجح في بناء قدر ضئيل من الثقة بين الجانبين وساعد في إقناع الزعيم السوفييتى، ليونيد بريجنيف، بأن أمريكا لم تكن تريد النيل منه. وإذا كان الرئيس الصيني، مثل بريجنيف، يعتزم البقاء زعيماً مدى الحياة، فهذا استثمار يستحق القيام به.
كما أن تصاعد التوترات بين القوى العظمى يخلق الحاجة إلى الحفاظ على قوة ردع معقولة. ومن الضروري بالنسبة للولايات المتحدة أن تركز قوتها العسكرية في منطقة المحيط الهادئ- الهندي، مما يجعل تلك القوة رادعاً فعالاً ضد العدوان الصيني. ويتعين عليها أن تعمل على إعادة تنشيط حلف شمال الأطلسي، مع تحمل أوروبا لحصة أكبر كثيراً من أعباء دفاعها.
- • •
على القادة أن يعملوا على معرفة ما يجب عليهم فعله وما لا يجب عليهم فعله، لتجنب الحروب المروعة التي تحوِّل إنجازات أجيال إلى ركام.
………………
ــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق