د. عبد الناصر سكرية
1- ونحن- العرب- مسؤولون عن تحريرها، ليس بسبب ما فيها من أماكن دينية، ولكن لأنها أرض عربية، وشعبها عربي الهوية والإنتماء، وهو جزء أصيل وفاعل في أمته العربية: تاريخيا وحاضرا ومستقبلا.
2- إن اغتصاب فلسطين لم يكن لاحتلالها بذاتها بل لتكون قاعدة استعمارية متقدمة تقطع اتصال الأرض العربية وتواصل أبنائها، قاعدة لتمنع تحرر ونهضة ووحدة وتقدم العرب وإبقائهم أسرى التشرذم والتبعية والتخلف، وهذا ما تقوم به دولة الصهاينة بفعالية ظاهرة.
3- وحينما تتعرض دولة الكيان المصطنع لأيّ أخطار يسارع النظام العالمي الاستعماري الذي أقامها ويحميها ويستخدمها لتنفيذ الأهداف المطلوبة منها؛ يسارع للتدخل المباشر لحمايتها وإنقاذها وإعادتها إلى الفعالية اللازمة وإعادة الفعالية النافذة إليها، وأية محاولة ممن يحمي دولة الكيان ويستخدمها؛ إنما هي مخادعة مكشوفة، وما دور الولايات المتحدة وذيلها الاستعماري بريطانيا العظمى وسائر الغرب الاستعماري؛ منذ 7 تشرين الأول/ “أكتوبر” الماضي، الفائت و”طوفان الأقصى”، ودخولها العسكري المباشر في حرب الإبادة الشاملة التي يتعرض لها شعب فلسطين؛ إلا إثبات جديد على ذلك الارتباط الوثيق العنيد بين تلك القوى وذراعها العسكرية المتقدمة في فلسطين المحتلة.
4- وهذا يعني أن العرب هم المسؤولون عن فلسطين، والمعنيون بقضيتها لأنهم هم المُستهدفون من اغتصابها وليست هي وحدها، وكل تأييد وتدعيم لمقاومة شعبها وصموده وبقائه في أرضه؛ إنما هو واجب وليس بحال من الأحوال تضامناً مع شعب فلسطين، كما كل تخلِ أو امتناع أو تجاهل من العرب، إنما هو فعل تقصير أو غدر أو تواطؤ مع أهداف المشروع الصهيوني وتسهيل لمقومات بقائه واستمراره.
5- من لا يدرك بعد هذه الأبعاد والخلفيات ودلالاتها يحتاج إلى معرفة أكبر بالحقائق ووعي أكبر بالتاريخ القريب والبعيد، فمنذ مؤتمر كامبل بانرمان (1907) الذي أسهب في شرح حاجة الغرب الاستعماري لمنع وحدة العرب بكل الوسائل؛ واتفاقية سايكس بيكو (1916) وما نصّت عليه من تقسيم بلاد العرب وتقاسمها ثم وعد بلفور واغتصاب فلسطين (1948) وكل ما أعقبه من أحداث وحروب ومعارك؛ يثبت ويُبين بوضوح لمن يريد ان يعرف الحقيقة ويراها؛ أن دولة الكيان ليست في وارد التعامل السلمي مع أي عربي، ومع أيّ أرض عربية، فما أقيمت إلا لاحتلال الأرض وتهجير الشعب والتسيّد على من يبقى- ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً…
الذين يتجاهلون هذه الحقائق ويتعاملون بما يفيد خلافها؛ إنما يضعون مصالح شخصية أو فئوية فوق الحقائق التاريخية، وما معاكستهم لتلك الحقائق إلا إضعاف مؤقت لحركة سير التاريخ وتأخير لموعد اندحار العدوان وتحلل دولته- القاعدية، وزيادة في الثمن المدفوع وتكبير فداحة الخسائر والتضحيات، فيكونوا قد خالفوا مصالح أمتهم وألحقوا بأنفسهم خسائر استراتيجية سيندمون عليها بعد فوات الأوان.
6- وكل تضامن من غير العرب مع فلسطين، سيكون مأجوراً ومشكوراً، طالما بقي في إطار التأييد والتضامن ولم يدخل في سياق الإبتزاز والمتاجرة والإستغلال.
7- أما وجود الاماكن الدينية فيها فيعزز من أهميتها بالنسبة للمؤمنين الأحرار، أما كونها قضية تحررية ذات أبعاد إنسانية فيزيد من أهميتها لدى أحرار العالم الذين يرفضون هيمنة النظام العالمي الفاسد ويؤيدون حق كل شعب في أرضه وبلده.
8- فلسطين لنا عربية، نحررها لتكون جزءاً من دولة العرب الموحدة، وليس لتكون أرضاً لأية مشاريع غير عربية أو تُناصب العروبة عداءً وحقداً تاريخياً ليس له ما يبرره راهناً؛ فيما يحتاج العرب إلى تعاون حقيقي عربي- إقليمي مضمونه تكامل الطاقات لحماية المنطقة وقيمها وتراثها وحضاراتها ودورها الإنساني الفاعل، وتحريرها من أخطار وأطماع العدوان الصهيوني- الاستعماري على الجميع.
وعليه مطلوب تكاتف الطاقات وليس افتعال الصدامات.
مطلوب توحيد الصفوف وليس بعثرتها بالفتن التنظيرية أو بالتحريض المذهبي او الطائفي أو العرقي.
مطلوب نبذ العصبيات وأخطرها تلك المذهبية بين المسلمين.
ليست العصبيات المذهبية طريقاً للانتصار أو التحرير أو التقدم، بل هي طريق أكيد للتشتت والانكسار والتشرذم.
9- إن عدم وجود مشروع عربي شعبي للتفاعل والتعامل مع قضية فلسطين وشؤونها وشجونها إنما هو ثغرة نضالية- تنظيمية خطيرة تترك آثارها السلبية على مجمل الوضع العربي بصورته الإجمالية العامة وبصورته الوطنية الجزئية في كل بلد، سواء في مستوى الأمن الذاتي وحماية الأرض ومن عليها من بشر أو ما يقومون به من محاولات للبناء والنهوض بغرض التقدم، وطالما بقيت هذه الثغرة قائمة سيبقى الثمن العائد من التضحيات الشعبية النضالية العظيمة أقل بكثير مما يمكن أن تثمره تلك التضحيات، مما يزيد في فداحة الخسائر وإضاعة المزيد من الوقت قبل تحقيق أهداف كبيرة ذات نتائج تغييرية تحررية تقدمية واضحة.
10- إن استمرار التشظي في الوضع الفلسطيني بما فيه من غياب مشروع وطني متكامل يستجمع طاقات الشعب الفلسطيني النضالية العظيمة، سوف يزيد من مخاطر ضياع التضحيات الهائلة والصمود الأسطوري لشعب فلسطين فيها وفوق أرضها؛ دونما تحقيق ما يماثلها أو يضاهيها من نتائج إيجابية واستثمار عملاني يصب في خدمة القضية وتدعيم طاقات الشعب وقدرته على الصمود مقدمة للانتصار وتحرير الأرض.
إن ما تبذله النخب الفلسطينية المنتشرة في بلاد الدنيا، لا يزال دون الفعالية المطلوبة فيما يقض الزمن مضاجع الشعب المؤمن الصابر المحتسب، بشلال من الدم المتدفق عطاءً يومياً بوجه العدوان المجرم الإرهابي الفاشي.
مطلوب من الوجود الشعبي الفلسطيني في خارج فلسطين إعلان النفير العام لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني الواحد الموحد، بالصيغة التي يرونها مناسبة وممكنة.
المصدر: المدار نت