حسين شبكشي *
عندما أطلق نظام بشار الأسد «عدنان قصار» من السجون السوداء لنظامه، بدأت وكالات الأنباء تتناقل خبر إطلاق سراحه وتفاصيل اعتقاله من الأساس، وهي قصة أغرب من الخيال، ولكنها بكل أسف قصة نمطية في جمهورية الظلم والاستعباد التي تحكم سوريا.
فتهمة «عدنان قصار» (وهو الذي لم يُحاكم أصلاً) هو أنه في عام 1993 أثبت تفوقه «المستمر» في سباقات الفروسية ضد وريث حافظ الأسد الأصلي ابنه البكر باسل- الذي قضى في حادث سير في ظروف جدُ غامضة- وأرسل باسل الأسد مجموعة من «فتواته» العاملين في جهاز المخابرات ليصلوا للنادي الذي كان يتدرب فيه القصار، ويعتقلوه بتهمة حيازة متفجرات واستعداده لتنفيذ عملية اغتيال لباسل الأسد، ونُقل الرجل إلى الأمن العسكري، ومن هناك إلى “سجن تدمر” من دون أي إجراء قضائي أو نيابي أو محاكمة.
ومن المعروف أن العلاقة ساءت بين القصار وباسل الأسد، تحديداً في بطولة الدورة العربية التي كانت قبل عام من الحادثة هذه، حيث أخطأ باسل الأسد في الجولة النهائية قبل أن يختتم «عدنان قصار» الجولة من دون أي أخطاء، ويفوز المنتخب السوري باللقب، مما أثار حقد وغيرة باسل الأسد عليه، وأرسل له رسالة بعدها يقول له: «لولا أننا أكلنا خبزاً وملحاً لأعدمتك في ساحة العباسيين، ولكني سأكتفي بسجنك».
هذا هو حال الرياضة في جمهورية الرعب الأسدية، إنها مجرد فصل واحد من مشاهد مُرعبة، والسوري يعرف ويتذكر ذلك جيداً. فمتابعو دوري كرة القدم السوري يتذكرون مواجهة (فريق أمية) من مدينة إدلب مع فريق جبلة (من مسقط الأسد) الذي فاز فيها الفريق الأول على الثاني في مرحلة الذهاب من البطولة (3-1) ثم خسر إيابا (11- صفر) (نعم أحد عشر مقابل صفر!)، ويتذكر المتابعون كيف يتم اختيار إدارات الأندية وتتم «معاقبة» اللاعبين، الذين يَجرؤون على طلب الاحتراف، ومن الذي يكافئ النادي ومن أين تأتي الأموال لتلبية احتياجات الأندية.
كانت فرصاً لتلميع بعض الشخصيات المحسوبة على النظام أو معاقبتهم إذا ما «كبرت» رؤوسهم و«صدقوا حالن»، وموقف اتحاد الكرة السوري والانشقاقات المصطنعة بحقه وضده لا تزال في ذاكرة الجميع، الأندية وجماهيرها لم تكن سوى أدوات حصراً لتلميع صورة النظام والحكم على المستوى الشعبي الداخلي، فصور الرئيس وأعلام حزب البعث والهتافات له «بالروح والدم نفديك يا …» كانت أكثر من تشجيع الفريق الذي يلعب نفسه، وفي هذا الجو الانهزامي انعكس على «إنجازات» هشة للرياضة السورية عموماً، وكرة القدم خصوصاً، جعلت المنتخب الأول ينهزم من دول ضعيفة جداً في المستوى، حتى إنه انهزم ضد اليمن الذي كان يمر بظروف عنيفة جداً.
في الدول الشمولية يكون عادة الاهتمام بالرياضة مسألة مصيرية لإظهار وجه «حضاري» للعالم يعبر عنها وعن «إنجازاتها» كما كان يفعل الاتحاد السوفياتي والدول المحسوبة على معسكره، ولكن حتى في هذه المسألة البسيطة فشلَ النظام الأسدي فشلاً ذريعاً جداً، ولم يتمكن من تقديم أي قصة نجاح تشفع له ولا شكلياً.
كل ذلك ما هو إلا نموذج بسيط من الإذلال والهوان وكسر النفوس المُمنهج، الذي كان شريعة الحكم الأسدي، ومن خلاله تولد الإحساس بظلمٍ عظيم في نفوس شعبٍ أبي كريم وأصيل، لم يعرف سوى العزة والكرامة طوال تاريخه، وكان بالتالي من الطبيعي جداً أن تتولد لحظة الشرارة التي وَلدت الثورة السورية في وجه هذا الإجرام ومن يُناصره من المجرمين.
وبعد كل ذلك لا يزال هناك من المُشككين من يُنكرون وجود الثورة السورية وينكر مشروعيتها.
* كاتب ورجل أعمال سعودي
المصدر: الشرق الأوسط في 18 حزيران/ يونيو 2014