الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الثاني).. الحلقة السادسة عشرة والأخيرة من هذا الجزء، وهي النهاية لكتاب «في الفكر السياسي» بجزئيه

 (الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة السادسة عشرة والأخيرة من الجزء الثاني– بعنوان: (العـالم الثالث والثورة الدائمة للمفكر الفرنسي جيل مارتينيه).. تعريب الأستاذ “الياس مرقص”، وهي النهاية لكتاب «في الفكر السياسي» بجزئيه

                                                    العـالم الثـالث والثـورة الدائمـــة

                                           جيـل مارتينيــه ؛.. تعريب: الياس مرقص

   يبدو لنا اليوم من الطبيعي تماماً أن ثوراتٍ تنادي بالاشتراكية قد انتصرت، أو هي على وشك الانتصار في أقطار متخلفة اقتصادياً.

   إلا أن الحال لم يكن كذلك في مطلع هذا القرن: فلو أن أحداً تجرأ على ذكر مثل هذا الاحتمال لاتهم بالحماقة من قبل المؤلفين النظريين الاشتراكيين في العالم أجمع. فلم يكن هؤلاء الاشتراكيون ليَشكوا أبداً في أن الثورة سوف تحدث أولَ ما تحدث في البلدان الرأسمالية الأكثر تطوراً.

   لقد كانوا يقولون: ان الاشتراكية تتفق مع درجة معينة من تطور المجتمعات الإنسانية. إن إمكانية الاشتراكية وضرورتها تنجمان عن التوسع التدريجي لأشكال الإنتاج الاجتماعية على حساب الأشكال الفردية. فطالما أن التناقض بين علاقات الإنتاج وعلاقات المُلكية ليس على ما يكفي من القوة، فليس للاشتراكية أي أمل في النصر.

   وهذا التناقض لا يصبح حاداً إلا في البلاد التي تملك صناعة ضخمة وطبقة عاملة وفيرة العدد. أما البلدان الأخرى، فالمهمة المطروحة أمامها هي الثورة البورجوازية وليست الثورة البروليتارية، لأن جمهور السكان في هذه البلاد يتألف من الفلاحين الخاضعين لنظام المُلكيات الكبيرة. وأن هؤلاء الفلاحين يطمحون إلى مُلكية الأرض. إن هذه الحالة تشبه إلى حد ما حالة فرنسا إبان ثورتها العظمى. فالحديث عن الاشتراكية في مثل هذه الظروف هو ضرب من الخيال الطوباوي.

   كان هذا الاستدلال يبدو للوهلة الأولى استدلالاً صحيحاً تماماً، يتفق مع المقاييس التاريخية التي كانت الماركسية قد استخدمتها حتى ذلك الحين. إلا أن هذا الاستدلال كان يتضمن ثغرة، لم تلبث هذه الثغرة أن انكشفت في تجربة الثورة الروسية عام ۱۹۰٥.

   في هذا الانقضاض الأول على النظام القيصري، احتلت التنظيمات العمالية بسرعة زعامة الحركة، وبالرغم من أن أهداف هذه الحركة ظلت- قبل كل شيء- أهدافاً ديمقراطية، فقد ظهرت منذ ذلك الحين مطالب ذات طابع اشتراكي. فهل كان ذلك ظاهرة عرضية نتجت عن أن الأحداث الدامية الكبرى التي وقعت في المدن الكبرى لا تغير شيئاً من الطبيعة العميقة للأحداث! ذلك كان رأي معظم الاشتراكيين آنذاك. إلا ان نفراً من الثوريين الروس كان لهم غير هذا الرأي ، فأقاموا- انطلاقاً من دراسة تجربة ثورة ۱۹۰٥، نظرية جريئة، سوف تُلقي ضوءاً ساطعاً على التطور التاريخي للقسم الأكبر من هذا القرن.

   هذه النظرية، تصورها عدد من الرجال- ومنهم لينين- وأحكموا بناءها بالتدريج، إلا أن الرجل الذي محضها اسمه وأعطاها أوضح تعبير هو ليون تروتسكي.

   يقول تروتسكي:

   «إن نظرية الثورة الدائمة تُبرز الحقيقة التالية وهي أن المهمات الديمقراطية في الأمم البورجوازية المتخلفة في عصرنا إنما تقع على عاتق ديكتاتورية البروليتاريا وأن هذه الديكتاتورية بدورها تضع في جدول الأعمال المهمات الاشتراكية. تلك هي الفكرة الرئيسية لنظرية الثورة الدائمة. وبعكس وجهة النظر التقليدية التي ترى أن الطريق المؤدية إلى ديكتاتوريه البروليتاريا تمر عبر مرحلة طويلة من الديمقراطية فإن نظرية الثورة الدائمة توضح أن طريق الديمقراطية في البلدان المتخلفة تمر عبر ديكتاتورية البروليتاريا. هكذا فالديمقراطية لا تصبح حكماً مغروساً لعشرات من السنين بل تصبح مقدمة مباشرة للثورة الاشتراكية. فكل منهما يرتبط بالآخر بسلسلة متصلة وعلى هذا النحو يظهر بين الثورة الديمقراطية والتحويل الاشتراكي للمجتمع ضربٌ من دوام النمو الثوري».

   وكان تروتسكي يرد على الذين يعارضون رأيه بالاعتماد على المخطط الكلاسيكي للثورة الفرنسية، بقوله: إن الرأسمالية قائمة في روسيا، في حين أن فرنسا في عام ١٧٧٩ كانت تجهل الرأسمالية، وأن الدور الذي لعبته آنذاك البورجوازية الصغيرة الفقيرة يجب أن تضطلع به الطبقة العاملة الفتية مهما كان ضعفها العددي بالمقارنة مع جماهير الفلاحين الغفيرة، وكان يضيف: أن الرأسمالية الوطنية الخالصة (إن كثيراً من المصانع الروسية قد أنشئت بفضل رؤوس أموال أجنبية) كانت لا تزال شديدة الارتباط بالمُلكية العقارية الكبرى بحيث أنها لم تكن تتجرأ على الانفصال عنها وأخذ المبادهة في الإصلاح الزراعي.

   هذه النظرية، التي ترتكز على تحليل المجتمع الروسي بين عامي ۱۹۰٥- ۱۹۱٤ لم تكن نظرية مجانية: فهي تفرض استراتيجية كاملة وتكتيكاً كاملاً. لذا، عندما ظهرت الأزمة الثورية- من جديد- بسبب هزيمة الجيش القيصري عام ۱۹۱۷، انقسمت الحركة الاشتراكية إلى اتجاهين كبيرين: البعض كانوا يعتقدون أنه لا يجوز السعي لتجاوز أهداف الجمهورية الديمقراطية البورجوازية؛ والبعض الآخر كانوا- على العكس من ذلك- يؤكدون أنه يجب دفع الثورة إلى نهايتها، أي إلى نهايتها الاشتراكية. وقد كان جميع البلاشفة (انضم تروتسكي وأصدقاؤه إلى الحزب البولشفي عام ۱۹۱۷). ينتمون إلى المدرسة الثانية، ولكنهم في الحقيقة لم يؤيدوا هذا الرأي إلا بعد عودة لينين في شهر نيسان/ إبريل ۱۹۱۷. ففي الأشهر التي سبقت هذه العودة، لم تكن جريدة البرافدا بقيادة (كامنيف وستالين) لتختلف في هذه النقطة الرئيسية عن التيارات الاشتراكية الأخرى. ولكنها غيرت لهجتها بعد شهر نيسان ۱۹۱۷: عظيمٌ حقاً هو الدور الذي يمكن أن يلعبه فى لحظات التاريخ الحاسمة نفرٌ قليل من الرجال ذوي البصيرة النافذة، والتصميم الراسخ.

   إن نجاح ثورة تشرين الأول/ أكتوبر قد ثبتَ بشكل رائع نظرية الثورة الدائمة؛ أو، (إذا فضلنا استخدام الصيغة التي يقول بها أولئك الذين لا يريدون الاستشهاد باسم تروتسكي) نظرية الثورة «المتصلة» (غير المنقطعة)(۱)، ولكن هذه الحقيقة لم تصبح مفهومة (إن لم يكن مقبولاً بها) لدى حركة العمال العالمية إلا بعد مضي وقت طويل.

   أمامي كتاب من مؤلفات كارل كاوتسكي الأخيرة وعنوانه «البولشفية في طريق مسدود». لقد كتب كاوتسكي هذا المؤلف عام ۱۹۳۱ عندما كان إنجاز مشروع السنوات الخمس الأُول يصطدم بصعوبات هائلة. وهو يعرض فيه حالة روسيا في أعقاب الانهيار المنتظر للحكم الشيوعي. ويؤكد كاوتسكي (وهو زعيم الأممية الثانية) أنه يجب آنذاك العودة إلى الجمهورية البورجوازية، ومحو عواقب الوثبة الجنونية التي تحققت وإعادة قسم من الصناعة السوفياتية إلى نظام المُلكية الخاصة. يقول كاوتسكي:

   «يجب علينا أن نعمل لقيام (سياسة اقتصادية جديدة) ثانية كالسياسة الاقتصادية الجديدة التي طبقها لينين(۲) في حينها، ولكن يجب أن تكون هذه السياسة أوسع مدى بحيث تتيح حرية النشاط الاقتصادي ونشوء مشروعات حرة، رأسمالية وتعاونية وبلدية، إلى جانب المشروعات الحكومية. وإذا ما أعطت المشروعات الجديدة نتائج أفضل، عندئذ يجب إلغاء المشروعات الحكومية».

   ويضيف كاوتسكي:

   «عندما تنتهي المصادرات الكيفية سوف تظهر أموال مخبأة، وسوف يعود إلى روسيا المُهاجرون الميسورون حاملين معهم موارد أخرى، قوة الدولة ستزداد عندما ستحل المشروعية البرلمانية محل التعسف الأوتوقراطي. إن قيام الديمقراطية في روسيا سيفتح أسواقها للصناعة العالمية وسيوسع هذه الأسواق بسرعة إلى الحد الأقصى».

   فهل كان كاوتسكي (عميلاً) الرأسمالية الغربية ! طبعاً لا. وإن كانت سياسته تُسهم عملياً في تعزيز الرأسمالية. الحقيقة أكثر فائدة لنا: لقد كان كاوتسكي يلعب في هذه القضية رهان حياته. وكان هذا الرهان هو أيضاً رهان تیار سياسي كامل، كان يتصور أنه ظل أميناً للماركسية بإدانته ثورة لينين؛ ومن وجهة النظر هذه، فإن هذا الرهان لم يكن سياسياً صرفاً، بل كان إلى حد كبير رهاناً علمياً أيضاً.

   هل يعني ذلك أن ماركس نفسه قد أخطأ في تحديده لمقدمات الثورة الاشتراكية ! لا أعتقد ذلك لحظة واحدة: لا شيء يبدو لي من شأنه أن يكذب ما قاله ماركس عن التناقض الأساسي بين علاقات الإنتاج وعلاقات المُلكية. إلا أن ماركس كان يُفكر في إطار النظام الرأسمالي بشكل عام (أو في اطار تعميم الظواهر التي درسها بشكل خاص في انكلترا). ولم يكن باستطاعته أن يكشف بصورة مُسبقة آثار استيلاء النظام الرأسمالي على العالم أجمع. والواقع أن هذا الاستيلاء هو الذي ولد الديالكتيك العصري للعلاقات بين الدول الصناعية والأقطار المتخلفة.

   إذا أخذنا العالم الرأسمالي كجمع بسيط بين أمم مستقلة لا تفاعل بينها، عندئذ يكون الاشتراكيون الديمقراطيون على حق: فكل أمة عليها أن تبلغ درجة ما من التطور قبل أن تطرح على نفسها قضايا الاشتراكية، ولكن إذا أخذنا العالم الرأسمالي على حقيقته باعتبار أنه مجموعة من الأمم يؤثر بعضها على البعض الآخر عندئذ تبدو حجة الاشتراكيين الديمقراطيين حجة غير ديالكتية.

   في الفرض الأول، لا شيء يمنع بلداً متخلفاً من الناحية الاقتصادية من اجتياز كافة المراحل التي اجتازتها من قبل الأمم الأوروبية، وهكذا سيقوم صراع بين البورجوازيين والفلاحين، وسيقوم حكم ديمقراطي، وستنمو الصناعة، وستستيقظ البروليتاريا، وستشكل حزباً يرسل عدداً من النواب إلى البرلمان.

   في الفرض الثاني، تبقى البورجوازية المحلية بورجوازية مبتورة ولا تجرؤ على الابتعاد عن طبقة كبار الملاكين العقاريين. ذلك لأن الرأسمالية لم تدخل إلى هذه البلاد بفضل البورجوازية المحلية، بل بفضل الشركات الاجنبية (التي تحميها أو لا تحميها قوات عسكرية ضخمة). وإن هذه الشركات لا تريد أن تُنمي موارد البلاد وأن تنشئ قوة اقتصادية منافسة لها. وهي تكتفي باستثمار المواد الأولية وإنشاء بعض الصناعات الخاصة في بعض المناطق. إن الجماهير الريفية، بنتيجة احتكاكها بعناصر الاقتصاد الحديث هذه، تعي بؤسها بسرعة، ويصعب عليها أن ترى محرريها في هؤلاء البورجوازيين الجشعين والضعفاء. ومن الأسهل أن تتحالف هذه الجماهير مع الطبقة العاملة الفتية في المدن.

   هذه الفرضية الثانية- فرضية لينين وتروتسكي- لم تؤكدها الثورة الروسية وحسب، بل أكدتها أيضاً الثورات الصينية والفيتنامية، والثورة الكوبية، كما أكدتها- على نحو آخر- حالة البرجوازية الوطنية في قسم كبير من أقطار آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. إلا أن لينين وتروتسكي كانا يتصوران أن النجاحات المُحرزة في البلدان المتخلفة سيعقبها بسرعة انتصار الاشتراكية في البلدان المتقدمة. لقد كشفا قانون نمو النظام الرأسمالي العالمي في عصر الإمبريالية وعرفا كيف يستخدمان تناقضاتها. إلا أن ذلك لم يَحُل بينها وبين الاعتقاد بأن الاشتراكية لا يمكن أن تبنى إلا انطلاقاً من بعض الشروط الاقتصادية والفنية، التي لم تكن قد توفرت بعد إلا في أوروبا الوسطى والغربية وفى أمريكا الشمالية: بتعبير آخر، إن القانون الذي اكتشفه لينين وتروتسكي لم يكن ليُلغي، في ذهنهما القانون الذي كان ماركس قد وضعه: وإنما كان يُكمّل هذا القانون ويُغنيه.

   في السنوات الأولى للثورة الروسية، كانت محاكمتها كما يلي: لقد انهارت أضعف حلقة في السلسلة، ولكن حيث الرأسمالية ضعيفة، يكون من الصعب إقامة الاشتراكية: لقد شقت البروليتاريا الروسية طريقاً، ولكنها لا تضمن اجتيازه حتى آخره إلا بقدر ما تسلك هذا الطريق عمال دول أخرى، ويساعدون البروليتاريا الروسية على تذليل العقبات التي تعترض طريقها… إلا أن أمل الشيوعيين الروس لم يتحقق، فالثورة لم تنشب في الغرب، والجمهورية السوفياتية رغم ذلك لم تنقرض، ولكنها دفعت ثمنا باهظاً، ثمن فبّركة (صُنع) الشروط الموضوعية اللازمة لبناء الاشتراكية.

وبعد مضي ٤٥ سنة على ثورة تشرين الأول/ اكتوبر، تبدو نظرية الثورة الدائمة أقوى مما كانت في أي وقت مضى. إذ أن مرحلة نزع الاستعمار الكولونيالي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد ألقت بمئات الملايين من البشر في مغامرة الاستقلال.

   كيف يمكن لهذه الشعوب أن تأمل بسد تخلفها الهائل؟ الأجوبة التي يقدمها النظام الرأسمالي على هذا السؤال ليست مشجعة. فعلى الرغم من المعونة المالية الأمريكية والغربية، نجد أن حالة معظم الأمم الحديثة الاستقلال هي حالة ركود اقتصادي، أو، بالنسبة للهند مثلاً، حالة تقدم بطيء نسبياً. وبدلاً من ردم الهوة الفاصلة بين هذه البلدان المتخلفة والبلدان الصناعية المتقدمة (الرأسمالية والاشتراكية)، نجد أن هذه الهوة تزداد عمقاً واتساعاً ويُعيق تقدم هذه البلدان عدد من العوامل: بقاء بنيان زراعي شبه- إقطاعي، النمو المفرط للرأسمالية التجارية، الربا، فقدان الملاكات الفنية، الفساد والرشوة. صحيح أن البرجوازيات الصناعية- حيث توجد- تسعى إلى تصفية بعض هذه العوائق، ولكن عملها ضعيف وجزئي، إذ هو يتعارض مع ضرورة تأمين تضامن جميع الطبقات صاحبة الامتيازات بوجه نهوض المد الثوري. وهذا النهوض يزداد ويقوى بقدر ما يقوى الخوف منه وأثر هذا الخوف في شل التقدم.

                    ****   ****   ****   ****   ****   ****

   هكذا يمكن الاعتقاد أن «الطريق الصيني»، الذي استوحى الطريق الروسي هو الطريق الذي سوف تسلكه بلدان العالم الثالث الواحد تلو الآخر. ولكن علينا أن نَحّذر الاستنتاجات المتسرعة. أولاً، لأن هذا الطريق هو نفسه مليء بالصعوبات، وأن الصين، بعد أن شهدت نمواً اقتصادياً سريعاً، تجتاز سنوات متأزمة. ثانياً، لأن العواقب السياسية للمناهج التي سارت عليها الأحزاب الشيوعية الآسيوية (والتي تشبه إلى حد بعيد مناهج ستالين) تخيف أولئك الذين كانوا في البدء من أشد أنصارها تصميما وحماساً. وأخيراً وخاصة، لأن تجربة نزع الاستعمار قد كشفت عن أهمية عدد من العوامل التي تُفرض علينا، لا أن تعيد النظر في أسس نظرية الثورة الدائمة، بل أن نكمل هذه النظرية وأن نطورها.

   أول هذه العوامل هو ما يسميه الاقتصاديون الأنكلوسكسون «اقتصاد الأبعاد الكبيرة» economy of scale. لكي يستطيع بلد من البلدان المتخلفة أن ينشىء بنيات اشتراكية، لا يكفي أن يُصفى الاقطاعيون أو أن تُهزم البرجوازية الوطنية أو أن تكون غير موجودة أصلاً (كما هي الحال في غينيا ومالي… وإلى حد ما في الجزائر). بل يجب أن تتوفر في هذا البلد كمية كبيرة ومتنوعة من الثروات الطبيعية، بحيث يستطيع أن يفلت من التبعية للدول المستعمِرة والمسألة الحاسمة ليست، في هذه المرحلة على الأقل، مسألة توظيفات بل هي مسألة تسويق وتبادل.

   الصين بالطبع تتوفر فيها هذه الشروط، وقد استطاعت فيتنام وكوريا الشمالية بالاستناد عليها أن يُحطما القيود الاقتصادية القديمة. تلك ليست الحال بالنسبة لموزاييك الدول والأقاليم التي تشكل اليوم أفريقيا الجديدة. وما من دولة منها يمكن أن تأمل في أن تتحرر تماماً من التبعية للرأسمالية الأوروبية في مستقبلٍ قريب.

   كثيراً ما تطرقنا لهذا الموضوع في معرض الحديث عن آفاق الثورة الجزائرية. لقد بدا لي دائماً أن قادة جبهة التحرير سيضطرون إلى عقد سلم تسوية ليس فقط لأن إمكانياتهم العسكرية محدودة ولا تسمح لهم بتحقيق “ديان بيان فو ثانية”(3)، بل أيضاً لأن وضع الجزائر الاقتصادي لا يسمح لهم بان يسلكوا سلوكاً آخر(4) وكثيراً ما جوبهت بمثال كوبا. ولكن كوبا هي «الاستثناء الذي يُثبت صحة القاعدة العامة». الثورة الكوبية لم تُدقع إلى نهايتها الاشتراكية إلا بقدر ما ألقت كتلة الأمم الشيوعية بكل ثقلها في الميزان وسمحت لفيدل كاسترو بأن يقلب تيار مبادلاته الاقتصادية (التي كانت متجهة سابقاً إلى الولايات المتحدة). لقد وضعت كوبا بشكل مفتعل في الوضع الذي كانت فيه فيتنام ودول الديمقراطية الشعبية.

   هل يمكن أن تكون الأمور في الجزائر كما هي في كوبا. نعم من وجهة النظر الفنية، لا من وجهة النظر السياسية. لقد جازف السوفيات والصينيون في كوبا لأنهم كانوا يعلمون أنهم يوجهون ضربة بالغة القوة لخصمهم الرئيسي (الولايات المتحدة) ويساعدون على إقامة مركز نفوذ يُشع على كل امريكا اللاتينية. ولأنهم كانوا يعتقدون أن عملهم سيتيح للشيوعيين الكوبين أن يلعبوا دوراً كبيراً في بناء الدولة الاشتراكية الجديدة. وهذه النقطة ليست قليلة الشأن، إذ أن الروس والصينيين يروّن في نهاية المطاف أن مصير ثورة من الثورات يرتبط دائماً بالدور الذي يلعب فيها «حزب الطبقة العاملة» أي الحزب الشيوعي. ولا نجد شيئاً من هذا القبيل في الجزائر. فإن التزام السوفييت التزاماً كاملاً في الجزائر يعني أنهم يتخلوّن عن أوراقهم في أوروبا ويدفعون الجنرال ديغول إلى أحضان أمريكا. وذلك من أجل ربح مشكوك فيه. إذ أن رجال جبهة التحرير يقدمون لغزاً لقادة الكتلة السوفياتية. هل هم قوميون على طريقة عبد الناصر؟ أم أنهم أكثر من ذلك? وفي هذه الحال، ما هو السبب في عدائهم للشيوعية، وفي تصميمهم على استبعاد الحزب الشيوعي الجزائري بالرغم من أنه حزب ضعيف ولا يشكل خطراً(5).

   ثمة عنصر آخر يبعث الروس والصينيين على الحذر: وهو تجربتهم السلبية في غينيا. أجل من المبالغة أن نقول أنهم أعطوا غـنيا من الأهمية ما يعطونه اليوم لكوبا؟ ولكنهم على كل حال قد علقوا مواقف سيكوتوري أهمية كبيرة. فما أن أخرِجت غينيا من منطقة الفرنك حتى أرسل إليها الاتحاد السوفياتي والصين وتشيكوسلوفاكيا القروض والبضائع والفنيين. وبعد وقت قليل، تخلى سيكوتوري عن مشاريعه الأولى في التخطيط الاشتراكي، وألقى بعدد من معارضيه في السجن، وتحول تدريجياً وعلى نحوٍ متزايد نحو الغرب الرأسمالي إن لم يكن نحو فرنسا.

   في موسكو وفي بكين، يبدو أنهم استخلصوا من هذه التجربة ومن تجربة الكونغو. أن أفريقيا ليست ناضجة لتبدلات سياسة واقتصادية كبيرة وإنها تسير نحو مرحلة انتقالية طويلة تتسم بصعاب جمة وبحالات من الفوضى الكبيرة أو الصغيرة وهكذا فان السوفيات والصينيين سيكتفون بوضع عدد الدرجات الأولية ولن يسعوّا إلى التفوق على الغربيين في مجال المعونة المالية، فإن عبد الناصر غالياً ولا مجال لمزيد! ولهذا السبب فقد كانت مساندة الكتلة الشرقية للجزائريين مساندة تتسم بالاعتدال والفطنة والحذر. ولهذا السب لم يكن من الممكن أن تكون الجزائر، المرتبطة بالاقتصاد الفرنسي، كوبا جديدة.

   إلا أن هذا التحليل لا يستنفد المشكلة أبداً. إذ بقي علينا أن نعلم كيف أن بلداناً ليس فيها برجوازية وطنية، وبالتالي بلداناً وحّدَت بين آفاق الاستقلال وآفاق الثورة الاشتراكية، كيف يمكن لهذه البلدان أن تدخل في إطار تسيطر عليه القوى الاقتصادية للرأسمالية الاوروبية؟

   لقد دلت التجربة على أن هذا الإدخال ليس بالأمر السهل. فلئن وجدت حلول التسوية بسرعة في تونس ومراكش والسنغال وساحل العاج، الخ ..، بخلاف الجزائر وغينيا، فذلك مردُه إلى وجود طبقة محلية قائدة تستطيع أن تلعب دور الوسيط بين المصالح الفرنسية والطموح الشعبي إلى الاستقلال، وذلك بعكس الجزائر وغينيا.

   إلا أن الوقائع الاجتماعية القائمة في عصر الاستعمار الكولونيالي ليست معطيات خالدة لا تتبدل. فما أن يتحقق الاستقلال، حتى تحدُث تبدلات وتظهر بذور برجوازية جديدة. وليست هذه الطبقة طبقة برجوازية كلاسيكية، خالقة صناعات ووسائل انتاج. إن حقل نشاطها الرئيسي هو الدولة والأعمال المرتبطة بالدولة ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر. ففي عالمٍ ظلت فيه البنيات العائلية قوية، لم تلبث أن قامت روابط تعتمد على القرابة بين الموظف الذي يوزع القروض ومقاليد الحياة الاقتصادية وبين الوسيط والتاجر وصاحب وسائل النقل والمُتعهد الصغير الذين كانوا يستفيدون منها.

   إن ما يقرّب بين هذه البرجوازية الجديدة- المسماة بتعبير ساخر (البرجوازية، الرثة الثياب(6) وبرجوازية البؤس- وبين الدولة التي كانت تستعمر بلدها قبل حين، هو مستوى المعيشة الأوروبي الذي أراد أن يبلغه فوراً معظم أفراد هذه البرجوازية، وإذا احتل هؤلاء أماكن موظفي الإدارة الاستعمارية السابقة فقد استأثروا برواتبهم. والحال إن هذه الرواتب لا تتفق أبداً مع الإمكانيات الاقتصادية للبلاد. فحيث يبلغ الدخل السنوي للفرد ٥٠٠ فرنك جديد، يتقاضى موظفوا ومستخدمو الدولة بين ۳۰۰ و٥۰۰ فرنك في الشهر. يضاف إلى ذلك، بالنسبة للموظفين والمسؤولين، السيارات والڤيلات ووسائل الترفيه والرحلات… وكلما كان البلد أشد فقراً، كلما كان الاتجاه إلى عدم المساواة أكبر.

   وهكذا نجد عشرات الألوف من الرجال يُغيّرون جذرياً مستوى معيشتهم في حين أن جماهير السكان لا تنال إلا فُتات المائدة. ففي المملكة المغربية، حيث بُذلت جهود حقيقية لتنشيط الحياة الاقتصادية، لم يرتفع الدخل القومي إلا قليلاً جداً بين عام ١٩٥٦(عام الاستقلال) وعام ١٩٦٢، وخلال هذه الفترة، غادر البلاد حوالي ۲٥۰ ألف فرنسي. ومع ذلك يوجد الآن في المغرب ۲۰۰ ألف سيارة مقابل ١٥٠ ألف في عام ١٩٥٦. وتعليل هذه الظاهرة أن عدداً من المراكشيين قد ارتفعوا في السُلم الاجتماعي ارتفاعاً سريعاً في غضون سنوات أو أشهر. لذا لم يعد ممكناً- لدى التحدث عن الطبقات الحاكمة في المغرب- أن نقصُر حديثنا على البرجوازية القديمة وعلى كبار ملاك الأرض، بل يجب أن نذكر هذه الطبقة الجديدة التي حلت محل الموظفين والوسطاء الاوروبيين.

   إن هذه الحالة التي تتكرر في غالبية البلدان الحديثة الاستقلال، تسهل بلا ريب لعبة الدول الغربية. فميزانية هذه الدول نادراً ما تكون في حالة توازن، وهي عاجزة عن تأمين التوظيفات الاولية. لذا وجب عليها اللجوء إلى القروض والمساعدات التي لا تؤدي في بعض البلدان (ولا سيما في جنوبي- شرقي آسيا) إلا إلى زيادة أشكال الطفيلية الإدارية زيادة جديدة.

   وإن ثمن المساعدة التي تقدمها الدول الغربية هي بالطبع حماية المواقع الاقتصادية الرئيسية التي كانت تحتلها قبل الاستقلال. وهكذا فان الغرب الرأسمالي يضحي «بالبيض الصغار» من موظفين ومستخدمين وتجار أوربيين، ويتخلى، أو هو مستعد للتخلي عن أراضيه الزراعية، بل يوافق مضطراً على ظهور صناعات محلية تُنافس منتوجاته الصناعية في السوق المحلية، ولكنه يريد أن يحافظ على المراقبة (المباشرة أو بواسطة شركات مختلفة) على مصادر المواد الأولية، على المناجم وآبار البترول وعلى القسم الأكبر من المنشآت الصناعية، وهو يريد أيضاً مراقبة آلية المصارف والنقد، ويسعى أخيراً إلى التعويض عن انخفاض صادراته من سلع الاستهلاك (نتيجة التصنيع المحلي) بازدياد مضطرد لصادراته من مواد التجهيز.

   ولهذا السبب فقد سُميت الحالة التي يعرفها عدد كبير من بلدان افريقيا وآسيا بالوضع الكولونيالي الجديد (الاستعمار الجديد) وهذه العبارة صحيحة بلا شك، وهي تعني أن الاستقلال هو بالنسبة للشعوب المستعمَرة مفتاح لحل مشاكلها، ولكنه ليس الحل نفسه إلا أنني أخشى أن تؤدي المبالغة في استعمال هذه الصيغة إلى حجب حقائق هامة عن بصرنا.

   الحقيقة الأولى هي أن هذه الحالة ليست جديدة كل الجدة، فقد عرَفتها البلقان قبل الحرب وما زالت تعيشها بعض بلدان أمريكا الجنوبية. وبتعبير آخر إن الواقع الكولونيالي (الاستعماري) لم يكن إلا واحداً من الأشكال التاريخية لسيطرة الرأسمالية الغربية (وأن الولايات المتحدة لم تلجأ إلى هذا الشكل إلا قليلاً) ومن السُخف أن نتصور أنه من الممكن وضع حد لهذه السيطرة بأن نطالب مثلاً الحكومتين الفرنسية والإنكليزية بالتخلي عن العقلية الاستعمارية القديمة «تخلياً صادقاً وفائياً».

   الحقيقة الثانية هي أن قسماً من الظواهر الاجتماعية التي نسجلها في البلدان الحديثة الاستقلال تحدث في الاحتمال الكولونيالي الجديد فقط، بل سوف تحدث أيضاً في الاحتمال الاشتراكي أو بالأصح في احتمال ما قبل الاشتراكي (إذ أن الاشتراكية كما رأينا تفترض تصفية النقص وتوفر شروط لن تتحقق إلا بعد فترة طويلة). أجل ليس من الأمور المرغوب فيها أن يتقاضى موظفو الدولة الفتية الرواتب التي كان يتقاضاها موظفو الإدارة الاستعمارية. وليس من الضروري أن يتحالف الموظفون الجدد مع المضاربين والكومبرادور والرأسماليين الأجانب، ولكن من الأمور الحتمة أن يسيطر على تطور البلاد إنشاء طبقة من الكوادر السياسة والنقابية والإدارية والفنية تتمتع بمستوى من المعيشة يفوق مستوى جماهير الشعب، الأمر الذي قد يسمُ هذه الطبقة الجديدة بمعظم ملامح البيروقراطية في البلدان الشيوعية.

   وعلينا هنا ان نقطع الصلة مع ديماغوجية معينة ومع أدب معين . فمنذ أن  كتب “فرانز ڤانون” أن الطبقة العاملة في البلاد الافريقية تشكل طبقة ذات امتيازات وإنها على هذا الأساس قد اندمجت جزئياً في النظام الكولونيالي، إن بعض المثقفين الباريسيين لا يريدون أن يسمعوا حديثاً إلا عن الفلاحين الفقراء وعن طبقة دون- البروليتاريا التي تسكن مدن التنك-. وأن كل ما يقع فوق هذا المستوى من البؤس ومن الشقاء يبدو لهم أنه صائر لا محالة إلى الانتهازية والمساومة، وهكذا مرة أخرى يحل رد الفعل العاطفي محل التفكير السياسي.

   منذ زمن بعيد أبرز دور الفلاحين النوري في البلدان المتخلفة. ومنذ زمن بعيد نعلم بأنه لكي تتخلص هذه البلدان من تخلفها يجب البدء بتحويل البنيان الزراعي وإعطاء سكان الأرياف إمكانية استهلاك المنتوجات الصناعية. ولكن هذا لا يعني أبداً أن الفلاحين يمكن أن يصبحوا الطبقة المسيطرة الحقيقية. في الواقع إن تكوين هذه الطبقة وتقاليدها ومستوى معارفها لا تسمح لها بأن تقود إنشاء دول حديثة يقوم مستقبلها- هنا كما في أوروبا- على التصنيع.

   إن الإيديولوجية التي كان “فرانز ڤانون” ناطقاً باسمها ليست في نواحٍ كثيرة إلا طبعة جديدة لإيديولوجية الشعبيّين الروس. إن مسلكه بشبه مسلك الاشتراكيين الثوريين الأوائل الذين كانوا يذهبون إلى الشعب وإلى الارض باعتبارها مصدر كل الحقائق العميقة، ولكن علينا ألا ننسى المعنى العميق الذي تتخذه هذه الإيديولوجية في مرحلة تصفية الاستعمار.

   إن ڤانون وهو مفكر ذو ثقافة غربية خالصة قد أراد أن يحمي أولئك الذين كرس لهم حياته من كل شعور بالنقص تجاه هذه الثقافة. فبلغ به ذلك أنه حجب وراء سيكولوجية الاستعمار وتمجيد فضائل المستعمَر (بالفتح)، المسائل الضخمة التي يثيرها وجود الحضارات الكابحة، وبالدرجة الأولى الحضارة الإسلامية والحال ما أن يتحقق الاستقلال السياسي حتى تصبح هذه المسائل أولية وأساسية.

   وقد يقول البعض أن طرح هذه المسائل ليس من اختصاصنا. إني لا أقبل بهذا الإرهاب المعنوي الذي يسعى إلى فرضه رجال يُرعبهم أن تصّدِر عليهم شعوب المستعمرات السابقة «حكماً سيئاً». والحق يقال أن ليس علينا أن نحل هذه المسائل. ولكن لماذا لا نطرحها؟ ولماذا نحرم أنفسنا من إمكانية فهم عدد من الظاهرات التاريخية التي تناقض-للوهلة الأولى- نظرية الثورة الدائمة?

   لنأخذ مثال الهند. ذلك بلد، شأنه شأن الصين وروسيا، يُشكل شبه قارة حقيقية تحوي ثروات طبيعية ضخمة ومتنوعة، وهو بالتالي يستطيع أن يستفيد من مزايا (اقتصاد الأبعاد الكبيرة). ومع ذلك فإن القوى الثورية المتمثلة بالدرجة الأولى في الحزب الشيوعي الهندي تتقدم في هذه البلاد بصعوبة. والرأسمالية تنمو فيها ببطء، ولكن على نحو مضطرد في المدينة وفي الأرياف والشركات الأجنبية التي تطمئن لهذه الحالة تستمر في توظيف مبالغ ضخمة.

   لا ريب أن عدداً من العوامل يفسر هذه الحالة، وقد ذكر «شارل بتلهايم» في الكتاب الذي خصصه لهذا الموضوع أن الهند المستقلة كان تحت تصرفها منذ البداية صناعة كبيرة نسبياً و«بورجوازية غنية قوية وماهرة جداً على الصعيدين الداخلي والدولي». ويشهد بذلك دون ريب حصول الهند على المعونة الاقتصادية السوفياتية من جهة واستثمارها النزاع الإقليمي مع الصين الشيوعية من جهة أخرى. وكذلك فإن الكوادر الإدارية الوفيرة العدد والفنيين والمهندسين والجامعات المُجهزة تجهيزاً حسناً نسبياً، وعادات التوفير لدى طبقات اجتماعية عديدة.. الخ كل ذلك قد لعب دوراً في توطيد النظام. ولكن كيف لا نضيف إلى هذه العوامل ثقل الحضارة والديانة الهندوسية وبقاء نظام الطبقات الهندي رغم جميع القوانين الجديدة؟ وكيف لا نجد في هذا الميراث الاجتماعي التقليدي سبب عطالة الجماهير الهندية وهي أكثر الجماهير بؤساً في العالم؟

   لنتناول الآن حالة بلدان الحضارة الإسلامية، فى هذه البلدان إن الإطار الديني هو أيضاً إطار اجتماعي وقد ظل هذا الإطار الاجتماعي من نواحٍ عديدة إطاراً من العصور الوسطى يتعارض مع إيقاع النمو والعمل في مجتمع عصري حديث ومن المفيد أن نُلقي نظرة على مثال تونس، لقد كان هذا المجتمع يُعتبر من أكثر المجتمعات العربية قربى للغرب. وها نحن نراه يمل إلى التراجع والانكماش في شكل دولة إسلامية شبيهة بالدولة التي كانت قائمة قبل الفتح الفرنسي. إن أكثر الجوانب (أوروبية) في البورقيبية تبدَّدَ كأنها قشرة ملصوقة فوق واقع أعمق بكثير، واقع لم يشكك فيه أحد.

   ها هنا نواجه إحدى نقاط الضعف الرئيسية في الحركات الثورية في العالم العربي فالأحزاب الشيوعية نفسها لم يجرؤ على التعرض للعناصر الكابحة في التقاليد الاسلامية. صحيح إن هذه الأحزاب قد وُلدت في فترة كانت فيها المشاكل السياسية الدولية تتغلب على التحليلات العميقة وبما أن المهم في نظرها هو النضال ضد الإمبريالية ومساندة الدبلوماسية السوفياتية وتأييد عدد من المطالب الاجتماعية، فقد كانت هذه الأحزاب تعتقد أنه من المهارة أن تترك بعض القضايا في الظل وقد دفعت الأحزاب الشيوعية غالياً ثمن تلك «المهارة» بعدد وفير من سنوات السجن وعجزها التام تقريباً.

   إذ إن قانون الحركة الثورية قانوناً لا يرحم: فلا تستطيع الحركة الثورية أن تضم تحت جناحها إلا ما شككت فيه أولاً، ولا تستطيع أن تصهر إلا ما بدأت بنقده. إن الماركسية التي لها مدى شامل وعالمي، إلا أنها وُلدت في ظروف تاريخية محددة، لم تطعن بالمجتمع الرأسمالي فحسب، بل أيضاً بالمجتمع المسيحي وبذلك فقد تمثلت جزءاً من تراث هذا المجتمع. إن عبقرية ما وتسي تونغ تكمن في أنه قام بنقد نَفـّـاذ للمجتمع الصيني وتقاليده، على ضوء الماركسية، وإن هذا النقد لم يقم به أحد تجاه المجتمع والحضارة الإسلامية(7).

                 ****   ****   ****   ****   ****   ****

   فهل نتخلى عن الأمل في الثورة الجزائرية؟ أبداً، وإنما يجب أن نتخلى عن النظر إلى هذه الثورة من خلال مخططات يضعها مثقفو باريس، وأن نفهم أنها لا يمكن أن تنتصر إلا بتحطيم حواجز لا تدخل جميعها في اطار مفهوم «مخلفات الاستعمار». وهذا يعني بشكل أعم أن تطور العالم الثالث سيكون على نحو أكثر بطئاً وأقل بساطة مما كنا نتصور. ولا شيء في هذا التطور يناقض- حسب اعتقادي- الفرضية الاجمالية التي ترتكز عليها «نظرية الثورة» الدائمة. بالرغم من جهودها، تبقى الرأسمالية عاجزة عن حل مشاكل التخلف الاقتصادي. إن كون المساعدة المقدمة إلى البلدان المستقلة حديثاً تميل أكثر فأكثر إلى أن تكون مساعدة للدولة وكون المبادرة الحكومية في داخل هذه البلاد تتغلب على المبادرة الفردية، إن ذلك يبين إلى أي حد بلغت الرأسمالية نهاية مطافها. وإذا تفحصنا عن كثب التجربة التي تترك أكبر أمل للبرجوازية الغربية وأقصد التجربة الهندية، نلاحظ أيضاً أن النمو الاقتصادي يبقى في هذا البلد ناقصاً وأنه لا يمكن أن يؤدي إلى إمكانية نمو منتظم وسريع ومستقتل، ما لم يحدث تحول جذري للبنيان الاجتماعي.

   ولكن، لئن ظلت نظرية الثورة الدائمة صحيحة كنظرية عامة، إلا أنه أصبح ضرورياً أن نضيف إليها عدداً من الإضافات والتصحيحات وأقصد نظرية اقتصاد الأبعاد الكبيرة، نظرية البرجوازية الرثة، نظرية الحضارات الكابحة.

   وهكذا يمكننا أن نخرج من النزعة المانوية التي تشغل كاهل فكر اليسار الأوروبي وخاصة اليسار الفرنسي. فلئن كانت بلدان أفريقيا الشمالية وأفريقيا السوداء لا تستطيع بسهولة في الظروف الحاضرة السير إلى مرحلة البناء الاشتراكي، فإن ذلك لا يعنى أنه علينا أن ننقض يدنا من نضال هذه الشعوب وجهادها. فالأزمات الاجتماعية القادمة ستنضج في إطار يسيطر عليه الاستعمار الجديد، وفي هذا الإطار سينحصر مستقبل أفريقيا. وإن أهم الأهداف ستكون الإصلاح الزراعي وتكوين الفنيين وتثقيف الجماهير وبقدر ما نتقدم على هذا الطريق، بقدر ما سوف تكون التحولات التي ستتم في مرحلة لاحقة أكثر سهولة وأقل إيلاماً.

   لذا على اليسار الأوروبي أن يؤيد صراحة أشكالاً محددة للمعونة الفنية (حتى إذا قدمت هذه المساعدة من قبل حكومات رجعية) وأن يساند جميع التجارب الإيجابية التي ترسم في العالم الثالث (مثلاً تجربة دولة مالي حيث لم تتردد الحكومة في مكافحة البرجوازية الجديدة بغية فرض سياسة اقتصادية تقدمية(8)).

   بالطبع إن انتصار الاشتراكية في أوروبا سيقلب كل هذه اللوحة، فالاشتراكية الأوروبية ستقدم في هذه الحالة مساعدة حاسمة للاشتراكية الأفريقية وذلك بتأميمها الشركات الكبرى التي تراقب الاقتصاد الأفريقي وبنقلها أملاك هذه الشركات للدول المستقلة الفتية. ولكن ذلك لا يعني أن جميع المسائل ستجد حلها في هذا الإطار. أولاً لأنه لا يمكن أن نفسر التطور الداخلي لهذه البلدان إلا إذا لجأنا كما فعل السوفيات في آسيا الوسطى إلى ضربٍ من «الاستعمار الأحمر». ثانياً وخاصة أن تصفية الاستعمار الجديد لن يقضي على التناقضات بصورة طبيعية بين الأمم المتقدمة والأمم المتخلفة صناعياً.

   إذ لا يكفي أن نقيم علاقات مساواة على صعيد القوانين لكي نلغي كل تفاوت على الصعيد الاقتصادي. إن النزاع بين الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا قد كشف لنا التناقضات التي قد تنشأ بين دولتين اشتراكيتين. وليس هناك من شك في أن هذه التناقضات سوف تظهر في العلاقات بين أوروبا الاشتراكية وأفريقيا الاشتراكية. ولا يمكن تذليل هذه التناقضات إلا بقدر ما سوف تطرح مشكلة تحقيق المساواة بين مستويات الإنتاج ومستويات الاستهلاك في العالم في مداها الشامل.. لقد كان الاتجاه الطبيعي للرأسمالية هو مضاعفة التفاوت على نحو مضطرد. وقد بلغ هذا التفاوت اليوم درجة ضخمة اصبح معها ذكر إمكانية زوالها يثير الابتسامة والسخرية. ومع ذلك فإذا لم نقلب التيار فعلاً، فإننا نسير نحو منازعات ضخمة وانهيارات مرعبة.

   هل يمكن تحقيق المساواة بـ «إعادة توزيع الثروات»?

   من السخف ان نفكر على هذا النحو. فإن ثروات الأمم الحديثة لا توزع كما توزع سبائك الذهب، وإن أحد جوانبها الرئيسية ليس سوى تكوين ألوف العلماء والمُدرسين والمُهندسين والفنيين.

   هل يمكن أن نطلب من سكان البلدان الصناعية أن تتخلى عن قسم من دخلها لمساعدة البلدان المتخلفة؟ إن هذه الفرضية تبدو مثالية طوباوية كالفرضية الاولى، إذ أن هؤلاء السكان الذين يروّن أمام أعينهم معجزات الثورة الصناعية الجديدة ينتظرون من المستقبل القريب تحسُن مستوى معيشتهم وليس انخفاض هذا المستوى.

   فأين إذا حل المشكلة؟ إنه في استخدام الفائض الكامن في البلدان المتخلفة. وأموال الاستهلاك غير المنتج في البلدان الصناعية.

   الفائض الكامن في الاقطار المتخلفة نجده في الفائض الزراعي الذي يحتكره كبار الملاكين والمرابين، وفي ذلك الشطر من الأرباح الرأسمالية التي تسترجعها الشركات الأجنبية إلى أوطانها، وفي ذلك الشطر من فائض الانتاج الاجتماعي الذي تهدره الطبقات الطفيلية فى الدولة، وكذلك في قوة العمل غير المستخدمة بسبب البطالة في الأرياف وبسبب انخفاض مستوى وطرق الإنتاج.

أما أموال الاستهلاك غير المنتج في البلاد الصناعية فنجدها فى مصاريف الترف لدى الطبقات ذات الامتياز وفي النفقات العسكرية. وإن هذه النفقات يمكن تقديرها بحوالي مئة مليار دولار في العام الواحد، وقد قدر الخبير «أرنست مانيدك» بحوالي ثلاثة آلاف مليار دولار الأموال اللازمة لـ«تصنيع بلا دموع» لكل العالم المتخلف. وهذا يعني أنه إذا ما اعطيت الأموال المخصصة للتسلح إلى بلدان العالم الثالث، فإن هذه البلدان سوف تخرج قبل نهاية هذا القرن من دائرة البؤس والجوع التي تعيش فيها.

   ويستطيع الإنسان أن يشك في إمكانية تحقق هذا الإحتمال، ومع ذلك فإن مفتاح مسألة التخلف لا تكمن في توزيع الأملاك الموجودة (إن هذه الأملاك لا تكفي لتأمين مستوى معيشة لائق وعصري اللإنسانية كافة)، بل في نمو جديد وعظيم للقوى المنتجة. ولتحقيق هذا النمو في البلدان المتخلفة ذاتها يجب قلب البنيات الاجتماعية واللجوء إلى طرق اشتراكية، ولتحقيق هذا النمو على صعيد عالمي يجب تحقيق نزع التسلح وتحقيق تعاون وتخطيط دولي.

                                                    تعريب: الياس مرقص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

(1) révolution ininterrompue . وهو تعبير وارد عند كارل ماركس.

(۲) Nep بعد انتهاء الحرب الأهلية قام لينين والحكومة السوفياتية بتراجع في حقل علاقات الإنتاج، وعرف ذلك بالسياسة الاقتصادية الجديدة (۱۹۲۲).

(3) ملاحظة: إن هذا الرأي الأخير لدى المؤلف، يستند حسب ما يبدو لنا، إلى العوامل التالية: بُعد الهند الصينية عن فرنسا، وقربها من الصين الشعبية وكثرة كان عدد سكانها، وقلة عدد المستوطنين الفرنسيين، وقلة عدد الجيش الفرنسي فيها إذا قورن بالجيش الفرنسي في الجزائر. (المترجم).

(4) ملاحظة: ان فكرة «اقتصاد الأبعاد الكبيرة» تقود بشكل طبيعي ومباشر الى فكرة «الوحدة الافريقية» و« الوحدة العربية»، التي تُحقق انصهار موزاييك الدول والأقاليم. ولكن “جيل مارتينه” بعد ان وصل الى عتبة الباب، تحول عنه وأخذ يتحدث عن كوبا والشيوعيين الجزائريين وغينيا. ونجد في هذا الموقف نموذجاً عن عقلية اليسار الاوروبي الذي يعجز عن إدراك أهمية قضية الوحدة القومية في نضال الشعوب الأفريقية والآسيوية ونموذجاً عن عقلية اليسار الفرنسي الذي يبرر (بصورة لاشعورية أحياناً) فكرة دوام «الروابط» الفرنسية- الجزائرية.

أما الثوريون الجزائريون والثوريون العرب فإنهم يضعون في صلب برنامجهم الاشتراكي، الوحدة العربية باعتبارها الطريق لبناء المجتمع الاشتراكي المتكامل.(المترجم).

(5) إن جبهة التحرير الجزائرية لا تعادي الشيوعية كمبدأ. وليست القضية موقفها من الحزب الشيوعي الجزائري الهزيل، بل موقف هذا الحزب من حركة التحرر الوطني ومن وحدة التنظيم الثوري. (المترجم)

(6) على غرار «البروليتاريا ذات الثياب الرثة» وهي فئة أدنى من البروليتاريا في البلدان الرأسمالية الصناعية. (المترجم)

(7) إن إعطاء رأي علمي حول هذه المسألة يحتاج إلى دراسة معمقة، قد نحاول المساهمة بها في المستقبل. ولكن لا نرى بأساً من تثبيت خلاصة رأي «عمار أوزغان» حول هذه المسألة، وقد عرضه في كتابه «الجهاد الأفضل»:

 يوافق «أوزغان» على رأي مارتينيه، ويقول: إنه صحيح تماماً. إلا أنه يهاجم الذين ينتقدون الحضارة الإسلامية دون أن يسبروا أغوارها، كما يهاجم «العقلية الهلينستية»، ويستشهد بنظرية «مكسيم رودنسون» (مستشرق فرنسي ماركسي) حول الإسلام، حيث قال:

«ليس الإسلام، في أية حال، عاملاً بسيطاً أو عاملاً صلباً أو عاملاً منعزلاً. إنه ليس أكثر عجز من أية إيديولوجية ثانية على التكيف أو على أن يكيّف مع الضرورات الجديدة. يؤكد ذلك التاريخ الفكري في العصر الوسيط، فهو ليس مدعاة جمود أو قسوة أو تعصبية أو توقف عن التقدم الاجتماعي أو خنق للفكر الحر، بأكثر مما هي مدعاة لذلك، أية إيديولوجيا أخرى.

«ويمكن للشعوب الإسلامية، اعتماداً على الإسلام أو دونه، أن تتقدم أو تتأخر، وأن تكون حكوماتها توتاليتارية أو ليبرالية، وأن تكون جماهيرها منفتحة على تيارات فكرية متعددة أو متمسكة على نحوٍ تعصي بالمعتقدات القديمة أو الجديدة.

«… لم تلعب اللعبة ولم تخسر مسبقاً، وستكون البلدان الإسلامية كما تشاء لها شعوبها وقُوادها. وإنه لدور جميل ذلك الدور الذي يلعبه هؤلاء القادرون على السير بها نحو «التقدم والحرية».

وبعد أن يحاول السيد «أوزغان» تعليل أسباب جمود العالم الإسلامي وانحطاطه، داحضاً التفسيرات السطحية التي يروجها «المؤرخون الغربيون الأوروبيون الاستعماريون التي تعزو تلك الاسباب الى القدرية واقفال باب الاجتهاد». يتابع «أوزغان» قائلاً: إن في الإسلام إرث انتخابي، وأن هذا الإرث سيساعدنا على تحقيق العلمانية باعتبارها الشكل الحديث للتسامح الاسلامي. وإن القول بان الإسلام يتناقض مع الاشتراكية صورة خاطئة للنظرية «دون- الماركسية» (Sous – Marxiste). ويعكس وجود الاشتراكية والإسلام هذا الوجود المقترن معاً- واقعاً اقتصادياً- اجتماعياً ويُعبر عن بعض العلائق بين القوى داخل البلدان المتخلفة، ويبرز «أوزغان» الحقيقة التالية: «كل شيء يتغير.. ويجب أن يتغير.. وأن الواقع الاجتماعي الحديث يجبرنا على أن نكون من عصرنا، القرن العشرين.. قرن العلم والصناعة والاشتراكية». وفيما يتعلق بأسلوب تبديل المجتمع يستشهد بموضوعة «بارنغتون مور» التالية: «من الأسهل بصورة عامة إجراء تبديل أساسي في نظام اجتماعي ما داخل إطار رموزه، من إجرائه عن طريق معارضتها».

إلا أن «أوزغان» وإن كان مقتنعاً بهذه الفكرة، إلا أنه يبدو مدركاً صعوبة الإنطلاق نحو أوضاع جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية دون تجديد إيديولوجي كامل «لأن الإسلام لا يكفي وحده كدعامة إيديولوجية». كما أنه قد لمس بوضوح أن بناء مجتمع حديث في الجزائر «لن يكون- بالطبع- مهمة سهلة. فلن تتأخر قوى المحافظة الضيقة الأفق عن المقاومة سراً أو علانية لوقف التقدم الإنساني. وتستطيع أن تستخدم في ذلك الرموز الدينية لكي تُطيل أمد الجمود النيو- استعماري وتعرقل الإصلاح الزراعي وتبقي على المُلكية الخاصة لوسائل الإنتاج الكبيرة». (المترجم)

(8) أما نحن فنعتقد أن واجب جميع القوى التقدمية في جميع البلدان الأفريقية والآسيوية هو النضال ضد كافة أشكال الاستعمار والاستعمار الجديد والمضي في طريق الثورة الاشتراكية. وإن هذه البلدان تستطيع أن تسير في هذا الطريق بالاستناد إلى الوحدات الجغرافية الكبرى كالوحدة العربية والوحدة الأفريقية وعلى أساس تقييم Valorisation الطاقات المهدورة في العالم الثالث. (المترجم)

             ****   ****   ****   ****   ****   ****   ****

                                        الفهرس

الثورة الاشتراكية والديمقراطية الشعبية:

دراسة تحليلية لنظام عبد الناصر:

١- مقدمة؛ ٢- القطر المصري قبل الثورة؛ ٣- انقلاب أم ثورة؛ ٤- السمات الإيجابية للثورة؛ ٥- السمات السلبية للثورة؛ ٦- ايديولوجية الثورة؛ ٧- النتيجة؛

مسائل في النضال الاشتراكي:

١- مستوى جديد للحركة القومية العربية؛ ۲- الاشتراكيون أمام تجربة الانفصال؛ ٣- المكاسب الاشتراكية وشعارات النضال؛ 4- طريق الاشتراكية وضماناتها وأداتها؛ ه- عندما تهدد الرأسمالية تموت الديمقراطية ويبرز العنف؛ ٦- ثورة الجزائر في طريقها العربي والاشتراكي.

تداعي النظام البرلماني:

۱- النظام البرلماني في مرحلة النمو والازدهار؛ ۲- انحطاط النظام البرلماني وأسبابه؛ ٣- الثورة الروسية والجدال بين لينين وكاوتسكي؛ ٤- حدود النظام البرلماني؛ 5- الثورة الصينية؛ ٦- الثورة الأندونيسية؛ ٧- الثورة العربية؛ ٨- الخلاصة – ملاحظات إضافية.

العالم الثالث والثورة الدائمة – جيل مارتينيه؛ تعريب الياس مرقص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى كتاب “في الفكـــر السياسي” بجزئيــــه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.